كانت الغرفة 101 هي المشهد الأبرز في رواية 1984 لجورج أورويل، حيث كانت المكان الذي يرمز إلى قلب الحقائق وتزييف دلالات الكلمات وتغييب الإرادة العقلية. أذكر الغرفة 101 جيدًا تزامنًا مع محاولات سيطرة السلطة المصرية، خلال الفترة الأخيرة، على منافذ المعرفة في مصر وعلى رأسهم مجال التربية والتعليم.
فقد أعلنت رئيس الإدارة المركزية للتعليم الأساسي بوزارة التربية والتعليم رندا شاهين، "الموافقة على إنشاء ناد فكري بكل مدرسة لتحصين الطلاب من العنف والتطرف"، موضحة أن "القضية ليست قضية منهج وإنما أسلوبا وفكرا يجب الاستفادة منه في الحياة العملية والتعليمية". وأوضحت شاهين أنه "سيتم تدريب المعلمين والمختصين الاجتماعيين على مفهوم "الأمن الفكري".
قررت وزارة التربية والتعليم في مصر إنشاء نواد فكرية لـ"تحصين الطلاب من العنف والتطرف"
ومفهوم "الأمن الفكري" يسعى لبناء معتقدات الأطفال والشباب وتشكيلها وفق رغبات معينة، عبر منافذ المعرفة والثقافة، والمتمثلة في الإعلام والمدارس والجامعات والمؤسسات الدينية والثقافية. وكان للمصطلح تاريخ حافل مع الأنظمة الديكتاتورية، مثل الاتحاد السوفياتي والسعودية وسوريا، والآن في مصر يبرز المصطلح من جديد.
في فيلم "pink floyd the wall"، كان هناك مشهد "عبقري"، يوضح الحال في مصر اليوم، وهو إدخال البشر إلى آلات تخرجهم متشابهين بعد سحق كل اختلاف بينهم، وتصميمهم طبقًا لمعتقد وطبيعة واحدة، وهي المناسبة لمن يمتلك السلطة، وهذا ما سيضمنه "الأمن الفكري" أو "شرطة الفكر".
في هذا الإطار، يقول عضو حركة الإشتراكيين الثوريين، محمود عزت لـ"الترا صوت": إن "هدف وزير التربية والتعليم الحالي هو إنشاء ما يسمى بـشرطة الفكر لتغييب الوعي لدى التلاميذ". ويضيف محمود: "الحكم العسكري يهدف في الأساس إلى القضاء على الثورة، والسيطرة على منابع الفكر والثقافة هي أولى الخطوات التي تتخذها الأنظمة الديكتاتورية، لإخماد أي تحركات مناهضة للسلطة وهذا أساس عزم وزارة التربية والتعليم المصرية إنشاء نوادي "أمن فكري" داخل مدارس التعليم الأساسي".
ويشاطر البعض الناشط بحركة الاشتراكيين الثوريين رأيه. ويستندون إلى كون الهدف من النوادي الفكرية التي ينوي النظام المصري إنشاءها هو تصدير فكر واحد يساهم في المحافظة على النظام القائم والتحكم في المجال العام.
من جانبها، ترى الباحثة في المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، داليا موسى، أن "السلطة في مصر تحاول السيطرة على عقول الأطفال، كي تخلق جيلًا غير قادر على معارضتها. ففي الوقت الذي تدعي فيه الحكومة محاربتها للإرهاب، تستغل ذلك الخطاب في توسيع القبضة الأمنية على مؤسسات الإنتاج المعرفي، وتعمل على تغييب الإرادة الإنسانية في حق اختيار المعتقدات الفكرية والسياسية".
تسعى السلطة من خلال نوادي الأمن الفكري إلى إخماد أي تحركات مناهضة لها والسيطرة على منابع الفكر والثقافة
وفي الوقت الذي تدعو فيه وزارة التربية والتعليم إلى إنشاء نوادي الأمن الفكري، تعج السجون والمؤسسات العقابية في مصر بأكثر من 12 ألف طفل قاصر متورطين، بحسب الدولة، في قضايا جنائية حتى عام 2013، كما يستقر في السجون أطفال محتجزون لنشاطهم وأفكارهم السياسية، حسب الباحثة داليا موسى.
وأوردت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أن "هناك أكثر من 3200 طفل تحت سن 18 سنة داخل مراكز احتجاز مختلفة على مستوى الجمهورية، في قضايا متعلقة بالانضمام إلى جماعة إرهابية، والعمل على قلب نظام الحكم".
من جهته يقول خبير التربية، حمدي عبد الحليم، إن "القرار الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم يُعيد إلى الأذهان الحقبة الناصرية، وطرق سيطرة الحزب الواحد على مفاصل الإنتاج الثقافي".
وأنشئت، تحديدًا في عهد الرئيس السابق لمصر جمال عبد الناصر، لجان "الاتصال السياسي" داخل المؤسسات التعليمية، ومهمتها مراقبة المدارس من خلال عيون الجهاز الأمني. ويؤكد خبير التربية لـ"الترا صوت": أن "مشروع نوادي "الأمن الفكري" داخل المدارس تتنزل في هذا الإطار وستكون تابعة لجهاز "أمن الدولة" وليس لمؤسسة التربية والتعليم".