يقول المثل العربي: "ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب"، وهذا ما حدث مع اثنين من ضحايا برنامج التعذيب التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، وفقًا لتقرير نُشر على موقع "ذا إنترسيبت"، ننقله لكم مُترجمًا في السطور التالية.
توصل اثنان من ضحايا برنامج التعذيب التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، إلى تسوية قانونية تاريخية ضد علماء نفس متقاعدين من الذين صمموا وساعدوا على تنفيذ برنامج التعذيب. ولم تُصرّح الحكومة الأمريكية علنًا عن تعويض أيٍّ من الرجال الذين تعرضوا للتعذيب في حجز "سي آي إيه". هذا وتُعدّ هذه التسوية القانونية الأولى من نوعها، والتي من شروطها السريّة.
كل القضايا السابقة الخاصة ببرنامج التعذيب في "سي آي إيه"، كانت تغلق قبل حتى أن تبدأ
وجدير بالذكر أنه في ظل حكم الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، عملت وزارة العدل مرارًا وتَكرارًا على منع الدعاوى القضائية في مراحلها الأولى، بحجة أن قضايا المحاكم بشأن التعذيب الحكومي في السجون السرّية، ستكشف أسرار الدولة. ولكن في عام 2015 رفع الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU)، دعوى قضائية ضد جيمس ميتشِل وبروس جيسين، وهما عالما النفس اللذان دفعتهما "سي آي إيه" لتصميم أساليب التعذيب.
اقرأ/ي أيضًا: سجون أمريكا.. فضيحة الديمقراطية
وحاولت الدعوى أن تُثبتَ أن تلك الأساليب استُخدمت لاحقًا ضد طرفين في القضية وهما سُليمان عبد الله سالم، ومحمد بن سعود، اللذَين تعرضا للتعذيب في احتجاز وكالة الاستخبارات المركزية قبل الإفراج عنهما دون توجيه اتهامات إليهما. فضلًا عن عائلة رجل ثالث هو غول رحمان، الذي تعرض للتعذيب حتى الموت في الولايات المتحدة عام 2002.
وبعد التغلب على محاولات حكومية عديدة لرفض القضية، كان من المقرر أن تبدأ الدعوى في إجراءات المحاكمة في الخامس من أيلول/ سبتمبر. وفي 17 آب/أغسطس الجاري، أعلن الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية عن تلك التسوية في اللحظة الأخيرة. ولأن التسوية تنص على مبدأ السِريّة، فقد رفض محامو الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية مناقشةَ الشروط مع موقع "ذا إنترسيبت".
ومن جهته قال درور لادين، المحامي في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: "كانت كلُّ القضايا السابقة المتعلقة ببرنامج تعذيب وكالة المخابرات المركزية تُغلَق حتى قبل أن تبدأ. لكنَّ عملاءَنا كانت لهم الغلَبة في ثلاث محاولات منفصلة لرفض ادعاءاتهم، وتمكنوا من إجبار كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية على الرد على الأسئلة تحت القَسَم، وتأمين أول تسوية من نوعها".
فيما صرّح محمد بن سعود، أحد المدعين الذين تعرضوا للتعذيب ببرنامج "سي آي إيه"، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: "أشعر أنّ العدالة قد أخذت مَجراها. كان هدفنا منذ البداية هو العدالة. وللشعب أن يعرف ما حدث في هذا الثقب الأسود الذي تديره مكاتب المخابرات المركزية".
وكجزء من التسوية، أصدر المدَّعون والمدَّعَى عليهم، بيانًا مشتركًا اعترفوا فيه بأن سليمان عبدالله سالم ومحمد بن سعود، خضعا بشكل قسري لأساليب التعذيب، وأنّ كلًا من عالما النفس ميتشيل وجيسن، ساهما في تصميم أساليب قسرية محددة لاستجواب بعض المحتجزين. وفي نفس البيان، أكّد عالما النفس على أنهما لم يشاركا بشكل مُباشر في استجواب المُدّعين.
دفعت وكالة المخابرات المركزية على برنامج التعذيب نحو 81 مليون دولار أمريكي، قبل أن يُغلق عام 2009
ومع تقدم إجراءات القضية، ظلَّ ميتشل وجيسن على أقوالهما بأنهما ليسا مصمميْ برنامج التعذيب، وأنهما ينفذان الأوامر الحكومية فقط. وفي دفاع قانوني غريب، قارن محامو عالمي النفس موكليهما بالمقاولين الذين زوّدوا النازيين بـ"زيكلون ب"، وهو غاز سام كان يُستخدم لقتل ملايين اليهود وغيرهم خلال عهد النازية.
اقرأ/ي أيضًا: مترجم: "أمريكا ترامب تذكّر بألمانيا هتلر قبل الحرب العالمية الثانية"
لكن المحققين في مجلس الشيوخ وجدوا أن ميتشل وجيسن، قد شاركا بشكل وثيق في تصميم برنامج التعذيب، حتى أنهما أغرقا بأنفسهما "أبو زبيدة" المحتجز الأول في معتقل "سي آي إيه". كما وجد المحققون أيضًا أن عالمي النفس شكّلا لاحقًا شركتهما الخاصة، لتكون بمثابة شركة استشارية تعمل لصالح "سي آي إيه" التي دفعت من جهتها 81 مليون دولار أمريكي على البرنامج قبل إغلاقه في 2009.
وفي رأيٍ لرفض طلب الحكم المستعجل الأسبوع الماضي، رفض القاضي "جستن كواكِنبوش"، ادعاء كل من ميتشل وجيسن بأنهما ليسا مُصممي البرنامج، إذ فقال كواكنبوش: "ليس من المعقول القول بأن المدعى عليهما تقاضَيا 80 مليون دولار أمريكي، فقط لمجرد اقتراح بعض الأساليب التي كان يعرفها سلاح الجو بالفعل! كما أنه لا جدال في أن المدَّعى عليهما لم يكونا يقترحان مجرد أساليب استجواب معززة. بل طبقا بالفعل هذه الأساليب على زبيدة، كما أنهما استجوبا غول رحمان، وشاركا في البرنامج لعدة سنوات".
ووفقًا للدعوى الأصلية، فقد تعرض كل من سالم وابن سعود للضرب والتجويع والأوضاع المُجهِدة، والحبس في صناديق تشبه النعش، وغير ذلك من أشكال التعذيب بالمياه. وقد عانى كلاهما من أضرار بدنية ونفسية مزمنة، بالإضافة إلى أن غول رحمان، تعرض في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، للتعرية والضرب، كما عُرّض للمياه البادرة ثم وضع في زنزانة انفرادية طوال الليل، ليلقى حتفه بسبب انخفاض حرارة جسده.
بسبب فشله في محاكمة المسؤولين عن برنامج التعذيب، تعرض أوباما لانتقادات واسعة رغم أنه أغلق البرنامج عام 2009
وعلى الرغم من أن الحكومة لم تكن متهمًا في القضية، إلا أن عالما النفس ميتشل وجيسن على الأرجح استطاعا أن يَلجا إلى حيث توجدُ خزائنُ وكالة المخابرات المركزية لتغطية الرسوم القانونية. وفي عام 2013، وجد محققون في مجلس الشيوخ أن ميتشل وجيسن وقّعَا عقدًا للتعويض بقيمة ملايين الدولارات مع وكالة الاستخبارات المركزية، قائليْن إن الحكومة ستقدم فواتيرها القانونية بحلول عام 2021 إذا ما تعرض هؤلاء الأشخاص للملاحقة القضائية.
اقرأ/ي أيضًا: حين صار الموت خدمة إلزامية
وبعد أن أغلق أوباما برنامج التعذيب الخاص بـ"سي آي إيه" عام 2009، تعرضت إدارته للانتقاد على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان، التي رأت أنّ فشل الإدارة الأمريكية آنذاك في محاكمة المسؤولين المشاركين في البرنامج، فتح الباب أمام الإدارات المستقبلية لتجاهل القانون وممارسة التعذيب مرة أخرى.
اقرأ/ي أيضًا:
ترامب يعود بأمريكا إلى أجواء 11 سبتمبر
عملية سانتينيل في فرنسا.. حينما يحتاج حماة الوطن إلى الحماية!