أطلق أهالي الإعلاميين السوريين المخطوفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بيانًا يدعو فصائل المعارضة السورية المسلحة، للقبول بالمفاوضات التي يجريها وسيط مع التنظيم المتشدد، لإطلاق سراح الإعلاميين مقابل إفراج المعارضة عن أسرى التنظيم في سجونهم، فيما لم يقبل من فصائل المعارضة غير فصيل الجبهة الشامية، بعملية التبادل المطروحة.
فضلًا عن عشرات القتلى على يديه منهم، اختطف داعش عشرات آخرين من الإعلاميين أثناء أدائهم عملهم في سوريا
مسؤولية فصائل المعارضة
وحمّل الأهالي في بيانهم الصادر قبل أقل من أسبوع، كافة فصائل المعارضة السورية المسلحة، "مسؤولية سلامة أبنائنا وأصدقائنا" وفقًا لما جاء في البيان، مطالبين بتقديمهم قوائم بأسماء أسرى التنظيم لديهم للجهة المفاوضة "قبل فوات الأوان". وقال الأهالي إن المبادرة "تعثرت بعد توصل الوسيط فيها إلى طريق مسدود مع فصائل الثورة في الشمال السوري، حيث تنصل البعض منهم من مسؤولياته بتحرير المعتقلين وحمايتهم"، ليهدد الأهالي باتخاذ "خطوات تصعيدية" في حال لم تبد الفصائل تعاونًا مع الوسيط الذي يقود عملية التفاوض.
اقرأ/ي أيضًا: أهالي اللبنانيين المخطوفين لدى داعش.. مرارة الأمل
ومنذ أن بدأ توسيع رقعة نفوذه في سوريا، اعتقل داعش عشرات الإعلاميين الذي كانوا يقومون بتغطية التطورات العسكرية في شمال وشرق سوريا، لصالح وكالات أنباء متعددة، كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 20 إعلاميًا على يد التنظيم خلال عام 2016 فقط، فيما قتل على يد جميع الأطراف المتحاربة على طول الخارطة العسكرية السورية 86 إعلاميًا. بينما قالت منظمة مراسلون بلا حدود، إنه قتل ما لا يقل عن 211 صحفيًا وإعلاميًا منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري، علمًا بأن سوريا تحتل المرتبة 177 على التصنيف العالمي لحرية الصحافة.
لكن العدد المتوقع قد يكون أكثر من ذلك، كون التنظيم عمل منذ بسط نفوذه في سوريا على استهداف الإعلاميين بشكل مباشر، فضلًا عن اغتياله آخرين كانوا يمارسون نشاطهم في ولايات تركية.
وتمكن عشرات الإعلاميين مطلع عام 2014 من الهروب من مستشفى الأطفال في منطقة قاضي عسكر شرقي حلب، بعد أن احتجزهم فيها التنظيم قبل أن تشن فصائل المعارضة هجومًا عنيفًا عليها، غير أن عناصر داعش قبل هروبهم قتلوا 70 معتقلًا لديهم رميًا بالرصاص!
حل التفاوض
يقول أحمد بريمو، وهو صحفي سوري ومؤسس منصة "تأكد"، إن فكرة التفاوض مع تنظيم داعش لم تغب عن أهالي وأصدقاء المختطفين، وأنه دائمًا ما كانت هناك "محادثات وتواصل مع فصائل عسكرية أو جهات مدنية حتى نصل لأخبار حقيقية مؤكدة حول مصيرهم"، حسبما قال، مُوضحًا أنه بعد أن كسر النظام السوري الحصار عن مقاتليه المحاصرين من قبل التنظيم، وتقهقر مقاتلي الأخير أمام هجوم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعوم من التحالف الدولي؛ عادت قضية التفاوض لتظهر من جديد بهذا الزخم.
ويضيف أحمد بريمو في حديث مع "ألترا صوت"، إنه بعد التطورات العسكرية الأخيرة شرق سوريا، "حصل تواصل مباشر مع أحد الأشخاص المفاوضين المعروف بعلاقاته، وسبق أن أجرى عدة عمليات تبادل سابقة مع التنظيم"، وللتنويه فإنه حتى اللحظة لا توجد إحصائية ثابتة حول عدد الإعلاميين المختطفين لدى داعش، لكن أحمد بريمو يقدرها بعشرة إعلاميين، بالإضافة لإعلاميين غربيين.
يُقدر صحفي سوري كان مختطفًا لدى داعش، أعداد الإعلاميين المختطفين لدى التنظيم المتشدد بـ10 على الأقل
وأوضح أحمد بريمو أن المفاوض، وبعد أن استطاع التواصل مع تنظيم داعش، قد قال إن التنظيم أبدى استعداده لإجراء عملية التبادل على مبدأ "إطلاق جميع المعتقلين لديه مقابل إطلاق فصائل المعارضة سراح جميع مقاتلي التنظيم الأسرى لديها"، وعند سؤالنا أحمد بريمو عما إذا كان ثمة آلية للتأكد من سلامة الإعلاميين، أجاب بأنه "لا توجد آلية مضمونة لأنه في النهاية التفاوض يتم مع تنظيم كاذب، وقائم على اللف والدوران".
اقرأ/ي أيضًا: مراسلون بلا حدود.. مقتل 74 صحفيًا خلال عام 2016
أحمد بريمو الذي كان واحدًا من بين عشرات الإعلاميين الذين اختطفهم التنظيم، واستطاعوا الهروب من مستشفى الأطفال مطلع عام 2014، استذكر خلال حديثه تلك الأيام بقوله: "طوال فترة اعتقالي كنت أتعرض للتعذيب بينما كان عناصر داعش يقسمون أغلظ الأيامين لأسرتي بأنني لست موجودًا لديهم"، تدليلًا على عدم إمكانية وجود ضمانات حول مصير الإعلاميين المختطفين لدى التنظيم.
ورَفَضَ الجميع باستثناء الجبهة الشامية
وللوقوف أكثر على ما تقدمت إليه المفاوضات مع داعش، تواصل "ألترا صوت" مع السيدة فاتن عجان، والدة الإعلامي المختطف عبد القادر حداد، المعروف بين أصدقائه باسم "عبود"، لتؤكد "عدم حدوث أي تقدم على الإطلاق في عملية المفاوضات"، مضيفًة أن الجهة الوحيدة التي استجابت كانت الجبهة الشامية، فيما لم يعلن أي فصيل استعداده المشاركة في عملية التفاوض.
وكان عبود حداد، وهو منشق عن النظام السوري، يعمل مع جهات إعلامية عديدة حين اختطفه عناصر تابعون لتنظيم داعش منتصف عام 2013 في شمال سوريا أثناء توجهه للأراضي التركية.
وقالت والدة عبود إن عدم قبول الفصائل بعملية التبادل ناتج عن أنها "تقوم ببيع عناصر داعش الغربيين الأسرى لديها بآلاف الدولارات"، لذلك ليس لديهم استعداد للتخلي عن العناصر الأسرى "كرمى لأعين أبنائنا الذين بالأساس خطفوا، وغيبوا لأنهم صوت الحق والثورة"، على حد تعبيرها. وعند استفسارنا عن الجهة التي تقوم بشراء عناصر التنظيم الأسرى لدى المعارضة، أجابت بأن "داعش نفسه هو من يقوم بشرائهم"!
تقول والدة أحد المختطفين لدى داعش، إن الفصائل ترفض عملية التبادل، لأنها تبيع أسرى داعش لديها بآلاف الدولارات!
هكذا تعود قضية الإعلاميين المختطفين لدى داعش لتثار من جديد، مصطدمة بعدم موافقة الفصائل على عملية التبادل إلا فصيلًا واحدًا هو فصيل الجبهة الشامية، رغم أن هؤلاء الإعلاميين كانوا من أكثر الداعمين لهذه الفصائل منذ نشأتها. ويبقى آمال ذويهم وأصدقائهم معلقًا على رؤيتهم مرة أخرى بعد غياب طويل على أمل أن توافق فصائل المعارضة على إبرام صفقة التبادل قبل فوات الأوان مثلما ذكروا في بيانهم.
اقرأ/ي أيضًا: