أكثر ما يشتهر به الإعلام الحكومي السوداني، أنه مُسخر بصورة مطلقة لخدمة السُلطة وأجندتها، وعكس منجزاتها الإدارية، على نحوٍ أكثر أحادية، وهذا غالبًا سبب النفور والقطيعة بينه وبين الشارع السوداني.
أكثر ما يشتهر به الإعلام الحكومي السوداني، أنه مُسخر بصورة مطلقة لخدمة السُلطة وأجندتها، وعكس منجزاتها الإدارية
في بداية الألفية الثانية كانت توجد في السودان قناة فضائية واحدة، هي التلفزيون القومي، إضافة إلى إذاعة أم درمان، مع العديد من الصحف الخاضعة للرقابة المباشرة، إلى جانب شبكة القنوات والإذاعات الولائية، التي تنضم مرغمة للبث والأثير المركزي آخر اليوم، لتغرد بصوت واحد.
اقرأ/ي أيضًا: صحف السودان.. ما يريده الأمن!
ثم في عام 2003، انطلقت قناة النيل الأزرق، بشراكة بين الحكومة السودانية ورجل الأعمال السعودي صالح الكامل، الذي باع نصيبه فيما بعد لرجل الأعمال السوداني وجدي ميرغني. وكسرت النيل الأزرق الاحتكار نسبيًا، لتلحق بها قناة الشروق الإخبارية، التي بدأت بثها في مطلع العام 2008 من مدينة دبي، قبل أن تنتقل إلى الخرطوم مؤخرًا، إذ تُكابد منذ فترة أزمات مالية وإدارية تهدد استمرارها.
سلطات تقييد الإعلام
عشية انقلاب حزيران/يونيو 1989 بقيادة الرئيس الحالي عمر البشير، عُطلت الصحف المستقلة والحزبية، قبل أن تعاود الصدور بعد أربعة أعوام تقريبًا، تحديدًا صحف السودان الحديث، والإنقاذ الوطني، والنصر، وأخبار اليوم.
وفي المقابل تكوّن مجلس الصحافة والمطبوعات بقرار جمهوري، بغية تنظيم صدور الصحف والمجلات. وحاول المجلس فرض قيود بالغة الصرامة على حرية التعبير، قبل أن يصبح سُلطة مباشرة تحرر أوامر الإصدار وتفرض العقوبات في نفس الوقت، بما فيها عقوبة إيقاف الصحفيين، وسحب تراخيص الصحف.
وتعتبر وكالة الأنباء السودانية (سونا) هي المصدر الرئيسي لأخبار الدولة. ويتم تعين مديرها أيضًا بقرار جمهوري، مع التزامه بالخط التحريري المسموح به. فيما دمج التلفزيون والإذاعة في هيئة "مستقلة" بالاسم فقط، غير أنها في واقع الأمر خاصة لسياسات الحكومة، ويديرها مجلس إدارة هو المعني بإنتاج ورقابة المحتوى الإعلامي.
ولم تكتف الدولة بهذه الأصوات، وإنما أنشأت المركز السوداني للخدمات الصحفية، كأحد الأذرع الإعلامية وفقًا للتقدير الأمني والسياسي. وهو إحدى القنوات التي تغذي الصحف والمنابر الأخرى بالأخبار.
وتأسس المركز في كانون الأول/ديسمبر 2002 بمبادرة من مجموعة "شريان" للإعلام. وهو بحسب ديباجته متخصص في "تقديم الخدمات الصحفية، وترقية الرسالة الإعلامية، والإسهام في الارتقاء بمستوى وفنيات التحرير الصحفي".
حكومة الإنقاذ أذكى من إعلامها!
مع سيطرة الدولة على محتوى الخطاب الإعلامي، فإن تجربة إصدار صحف حكومية، رافقها الفشل بصور واضحة، وفقًا لآراء كثير من المراقبين، وبدليل توقف صحف الإنقاذ الحديث، والجمهورية، والأنباء، والرائد.
وحتى الصحف المستقلة الناجحة التي اشترتها الحكومة في الخفاء، أو اشترت ولاءها على الأقل؛ تساقطت تباعًا، مثل: جريدة الصحافة التي أسسها الكاتب الشهير عبد الرحمن مختار في ستينات القرن المنصرم، وحاليًا صحيفة الرأي العام التي تُنازع من أجل الصدور.
ولعل هذا الأمر مرده إلى مِزاج القارئ السوداني الذي يأنف كل ما هو حكومي، باعتباره أداةً لتغييب الرأي الآخر، مع الإشارة لعبارة مهمة أطلقها حسين خوجلي رئيس تحرير صحيفة "ألوان" ومالك قناة أم درمان الفضائية، وهي أن "حكومة الإنقاذ أذكى من إعلامها"، أي الحكومة متفوقة على خطابها الإعلامي. وهي صامدة وهو في حالة تدهور!
تأثير الإعلام التقليدي
يقول الخبير الإعلامي حمدي صلاح الدين، إن المواطن السوداني يثق في الإعلام التقليدي من إذاعة وتلفزيون وصحف ورقية، أكثر من ثقته في الإعلام الإلكتروني.
ويرجع ذلك لأسباب على رأسها أن "ثلثي السكان خاج قرية الإنترنت"، كما قال حمدي صلاح الدين في حديث لـ"ألترا صوت"، مستندُا إلى تصريح وزيرة الاتصالات السابقة تهاني عطية، بأن مستخدمي الإنترنت في السودان يبلغ تعدادهم 10 ملايين شخص، من إجمالي عدد السكان 40 مليون.
ولفت حمدي صلاح الدين إلى أن الإعلام التقليدي بما فيه الإعلام الحكومي، محكوم بأطر دستورية وقانونية تحد من تناول العديد من القضايا، رغم هامش الحريات الموجود في السودان مقارنة ببعض الدول العربية، فيما يرى صلاح الدين أن تأثير الإذاعة السودانية، المملوكة للدولة أيضًا، هو الأعلى بحكم انتشارها في مناطق لا تتوفر فيها شبكة الكهرباء فضلًا عن الإنترت.
ولم تخف القيادة السودانية عدم رضائها عن الأداء الاعلامي، لأكثر من مرة وتبع ذلك العديد من القرارات والتنقلات لشخصيات موالية لها في الأجهزة الإعلامية. وظل الرئيس السوداني عمر البشير يتابع بصورة شخصية بعض البرامج التلفزيونية والصحف المحلية، ويقدم أحيانًا ملاحظات حولها، ناقدة أكثر من كونها محفزة، وهذا غالبًا سبب التنقلات السريعة داخل المؤسسات الإعلامية.
إعدام وزارة الإعلام
في عام 2014 تولت رئاسة الجمهورية تنظيم المؤتمر القومي الثاني للإعلام، والذي حمل شعار "نحو إعلام حر مسؤول ومتطور"، والذي هدف إلى إعادة تنظيم قطاع الإعلام وتحديد العلاقة بين الحكومة والإعلام، ووضع رؤية كلية لفهوم الأمن القومي ولقضايا الحرب والسلام.
إضافة إلى مراجعة الإستراتيجية الإعلامية للدولة، وتقييم التجربة السابقة ومسارها الحالي، مع إفساح المجال للحريات. لكن تلك التوصيات لم يتم تنفيذها، وظلت حبيسة الأدراج كعادة جل التوصيات للحكومة.
وفي الجانب الأخر تعالت الأصوات المطالبة بإعدام وزارة الاعلام وإلغاء المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، لاسيما وأن وزارة الإعلام نفسها تعاني من مشكلات إدارية عميقة، من بينها الفشل في تطوير المؤسسات الإعلامية لتواكب الطفرة العالمية، وازدواجية الولاء بين الحكومة والحزب الحاكم.
تعاني وزارة الإعلام السودانية من مشكلات إدارية عميقة، فضلًا عن أنها دخلت حصّة الترضيات السياسية للقوى السياسية الشريكة في الحكم
ودخلت وزارة الإعلام في حصة الترضيات السياسية، بمعني تخصيص منصب وزير الإعلام الأول إلى القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وأحيانًا دمج وزارة الإعلام مع الثقافة، أو مع الاتصالات كما حدث في التغيير الوزاري الأخيرة، ما أفقدها دورها وفعاليتها.
اقرأ/ي أيضًا:
الشارع السوداني لإعلامه: أين المؤامرة؟!
شهر أسود على الصحافة السودانية.. قانون غامض وإيقافات غير مبررة