19-نوفمبر-2019

تتواطأ السلطات الموريتانية مع مرتكبي جرائم الاغتصاب (تويتر)

بالكاد يمرّ شهران أو ثلاثة دون تسجيل حالة اغتصاب في موريتانيا، بالرغم من التكتم الذي يلف عديد القضايا بسبب "الإحراج الاجتماعي"، لكن أدهى ما في الأمر تضاعف حالات الاغتصاب وعدم أخذ القانون مجراه بخصوص تلك الجرائم بسبب تدخل القبيلة والتسويات القبلية التي أغلقت عددًا كبيرًا من ملفات الاغتصاب، بعد أن امتلك المعنيون بها شجاعة تقديم شكوى أمام الجهات المختصة قضائيًا.

بالكاد يمرّ شهران أو ثلاثة دون تسجيل حالة اغتصاب في موريتانيا، بالرغم من التكتم الذي يلف عديد القضايا بسبب "الإحراج الاجتماعي" وتواطؤ السلطات

 هذا فضلًا عن عدم امتلاك موريتانيا قانونًا واضحًا بشأن جرائم الاغتصاب، بعد سحب مشروع قانون النّوع. وهو الإجراء الذي اعتبرته المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة بمثابة استمرار لعملية تواطؤ الدولة مع المجتمع في عدم إنصاف المرأة. وقد قاد ذلك إلى حراك نسوي عبّرت عنه مجموعة من الحركات مثل "حراك هن"، وحملة "حمايتي بالقانون حقي" التي انتشرت بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي لمجابهة العنف الذي تتعرض له النساء ومناصرة ضحايا الاغتصاب منهن.

اقرأ\ي أيضًا: موريتانيا.. الاعتداءات الجنسية في ارتفاع

الحالة الجديدة التي أعادت قضية الاغتصاب إلى الواجهة هي قيام مقدّم برامج في إذاعة موريتانيا باغتصاب فتاة قاصر عمرها 9 سنوات في العاصمة نواكشوط منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

اعتقلت الشرطة الموريتانية مُغتصِب الفتاة بعد قيام أسرتها المباشرة بتقديم شكوى ضد الجاني الذي كان ضيفًا مقيمًا عند الأسرة، لكنْ وفي الأثناء تدخّلت بعض الأطراف محاولةً التّوسّط لطي صفحة القضية بتزويج الفتاة من مُغتصِبها بعد سحب الشكاية المقدّمة ضدّه، وسرعان ما انتشرت أخبار حول تسوية القضية اجتماعيًا وسحب ذوي الضحية لشكايتهم، وهو ما استهجنه بعض الناشطين الحقوقيين، قبل أن تتأكّد معلومة أن الجاني ما يزال معتقلًا إلى اليوم عند الشرطة وأن جهود الوساطة لم تُفلح بعد.

 لكن هذا الأمر بحد ذاته يُلقي الضوء على تأثير القبيلة المستمر إلى اليوم في هدر حقوق النساء، وفي هذا الإطار تعتبر المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة أن المغتصبات يتعرضن لاغتصاب مضاعف في حال  تزويج المغتصَبة من مغتصِبها أو العفو عن المغتصِب بأي تسوية يقوم بها الأهل، كما يُحمّل نشطاء حقوق الانسان الأهل والأقارب والقبيلة المسؤولية الأخلاقية في هذه الحالات.

غير بعيد من هذه الحادثة شكّلت حادثة اغتصاب الفتاة القاصر وردة مأساة أخرى من مآسي الفتيات المغتصَبات، فقد تعرّضت في حزيران/يونيو الماضي بالعاصمة الاقتصادية نواذيبو للخطف والاغتصاب وهي في طريقها إلى المدرسة، ومع أن والدها رفض كل أشكال التسوية والوساطات ويحرص بنفسه على أن تجد العدالة طريقها لإنصاف ابنته إلا أن المحكمة المسؤولة لم تنطق بحكمها النهائي بعد في القضية بالرغم من اعتراف المغتصِب بجريمته. وهو ما يطرح أسئلة حقيقية حول موقف المشرّع الموريتاني من جرائم الاغتصاب، في ظل حديث بعض النشطاء عن محاولة إيجاد مخرج للمتهم بإثبات أنه يعاني مضاعفات مرض نفسي أو اختلال عقلي، بعد ما فشلت كل جهود التسوية العائلية.

حالات اغتصاب بشعة كثيرة ما تزال جراحها مفتوحة بسبب عدم معاقبة مرتكبيها، ولعلّ أبشعها قضية الفتاة زينب التي تعرّضت لاغتصاب جماعي ثم تخلّص منها مغتصِبوها بحرقها حيّة في العاصمة نواكشوط.

اقرأ\ي أيضًا: موريتانيا..وعي حقوقي شبابي متصاعد

 هذا هو الحال مع المغتصَبات القاصرات ناهيك عن المغتصَبات غير القاصرات اللاتي يجدن أنفسهن عرضة للاتهام بممارسة الزنا بمجرّد مثولهن أمام المحاكم، والسبب هو عدم وجود قانون للاغتصاب في موريتانيا، وهو ما يجعل العديد من ضحايا الاغتصاب يلذن بالصّمت خوفًا من الوصم والعار.

 تنصبّ جهود الحركة النسوية الموريتانية الوليدة على الضغط على الحكومة لتشريع ترسانة قانونية قوية تحمي المرأة من العنف وتُعزز حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية

 تنصبّ جهود الحركة النسوية الموريتانية الوليدة على الضغط على الحكومة لتشريع ترسانة قانونية قوية تحمي المرأة من العنف وتُعزز حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. استجابت الحكومة السابقة لهذا المطلب القانوني من خلال طرح قانون العنف ضد النوع لكن هذا القانون أُجهض قبل وصوله للبرلمان بسبب حملة التشويه التي جوبه بها باعتباره يتنافى مع الشريعة الإسلامية، ما دفع الحكومة لسحبه، وهو ما جعل جمعيات حقوقية تتهم الحكومة بعدم الجدية في مواجهة العنف المسلّط على المرأة.