28-مارس-2018

شهدت الأيام الأخيرة انسحاب عدد كبير من المرشحين في الانتخابات النيابية اللبنانية (جوزيف براك/ أ.ف.ب)

قبل يومين، في 26 آذار/مارس الجاري، انتهت المهلة المحددة لتشكيل اللوائح الانتخابية من المرشحين الذي سبق تقديم ترشيحهم في الانتخابات النيابية اللبنانية، المزمع إجراؤها في السادس من أيار/مايو القادم، إذ سيتوجه اللبنانيون لصناديق الاقتراع لاختيار مجلس نيابي جديد، خلفًا للمجلس الذي انتخبوه في عام 2009، ومدّد لنفسه مرتين تحت حجج وذرائع لم تقنع معظم المتابعين.

خلال الأيام الأخيرة، أعلن عدد كبير من المرشحين في الانتخابات النيابية اللبنانية، انسحابهم من السباق الانتخابي لأسباب مختلفة

وعلى مدار الأيام الأخيرة، أعلن عدد كبير من المرشحين انسحابهم من السباق الانتخابي، إما بسبب خلافات وتباينات في وجهات النظر، أو بسبب عدم القدرة على التواجد وتشكيل لوائح تضم الحد الأدنى المطلوب من المرشحين، وإما لأسباب "خاصة" لديهم، جعلتهم يعزفون عن الترشح ويوجهون قوتهم الانتخابية لصالح أحزاب وقوى السلطة.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات النيابية اللبنانية.. الإقطاع السياسي في مواجهة المواطنة!

أبرز هذه الإنسحابات جاءت من بيت الوسط، دائرة رئيس الوزراء وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، وخاصةً النائب خالد الضاهر والمحامي نبيل الحلبي والإعلامية راغدة ضرغام والتي كانت قد ترشّحت على لوائح "حزب سبعة"، الحزب الذي ظهر على الساحة اللبنانية قبل سنة تقريبًا.

انسحابات أخرى لفتت أنظار المتابعين، وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي جاءت من طرف عدد من نشطاء المجتمع المدني الذين برزوا على الساحة في عام 2015، من خلال حملة "طلعت ريحتكم" وحملات أخرى للمطالبة خاصةً بحل أزمة النفايات، من بين جملة مطالب أخرى.

أسباب العزوف عن الترشح المعلنة كانت مختلفة، لكن الفشل في تشكيل لوائح جادة ومنافسة بسبب التباين في وجهات النظر، وكذا في الولاءات، هو بدون شك، السبب الأهم.

ورست الأمور في النهاية على 77 لائحة تضم 583 مرشحًا يتنافسون على 128 مقعدًا في 15 دائرة، بعدما انسحب 334 مرشحًا، أي أكثر من ثلث المرشحين، ما يعتبر عددًا كبيرًا.

واعتاد اللبنانيون في الدورات الانتخابية السابقة على النظام الأكثري في الانتخابات، حيث كانت التحالفات الانتخابية تكتسح المقاعد كلها في كل دائرة. أمّا اليوم، فثمّة قانون جديد يعتمد النسبية، ويُسهم -رغم شوائبه الكثيرة- إلى حد ما في إعطاء الأحجام الحقيقية لكل كتلة.

هذا ويعتمد القانون الصوت التفضيلي، بحيث يختار كل ناخب اسمًا من اللائحة ويعطيه صوته التفضيلي، الأمر الذي أدّى إلى خلافات داخل اللوائح نفسها، فبات كل مرشح يعمل جاهدًا على شدّ الغطاء إلى ناحيته، ويسعى للفوز بالأصوات التفضيلية كي يتجنب أن يطاله الخرق في حال خسرت اللائحة عددًا من المقاعد لصالح لوائح أخرى، خاصة في ظل اعتماد النسبية.

تشهد الانتخابات اللبنانية القادمة تحالفات غريبة من جهة كونها "لا سياسية"، فضمت اللائحة الواحدة اليميني واليساري والديني والعلماني

حتى أنّ نهاد مشنوق، وزير الداخلية اللبناني والمسؤول عن إجراء الانتخابات بحكم موقعه، وصف القانون بأنه "قانون قابيل وهابيل"، في إشارة إلى الصراع السياسي بين أفراد اللائحة الواحدة.

اقرأ/ي أيضًا: صراع أمل والتيار في لبنان.. نقطة اللاعودة في حرب "الحلفاء الأعداء"

كما أن طبيعة القانون الجديد وشراهة أحزاب السلطة للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد، دفع نحو تشكيل تحالفات غريبة، من جهة كونها "لا سياسية"، فقد طغت عليها المصلحة الانتخابية، والقدرة على تحويل حشد الأصوات للائحة على حساب التحالف السياسي وعلى حساب المبادئ التي تلوكها في كل مناسبة، فضمّت اللائحة الواحدة اليميني المتطرف مع اليساري الراديكالي، والعلماني مع الإسلامي مع القومي. 

وعلى سبيل المثال، فإنّ حزب الله الذي اعتاد شيطنة خصومه، خاصةً على أبواب الانتخابات، وتوجيه الاتهامات لهم بالعمالة لإسرائيل أو بخدمة مصلحة الإرهاب والتطرف؛ لم يتوانَ في هذه الانتخابات عن التحالف مع قدامى القوات اللبنانية في جبيل بهدف محاولة إيصال مرشحه هناك. 

أمّا التيار الوطني الحر، الذي لم يفوت رئيسه جبران باسيل، وعدد من كوادره ونوابه، أية فرصة لتوجيه سهامهم إلى "السنية السياسية" في لبنان من تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وغيرهما، واتهامها بالتطرف والرجعية والتخلف، وغيرها من الاتهامات الديماغوغية التي تستهدف استثارة العواطف؛ ها هو يتحالف مع الجماعة الإسلامية في صيدا وجزين للاستفادة من شعبيتها هناك بهدف تكبير كتلته النيابية.

من جهة أخرى، وبشكل مفاجئ أيضًا، ضمت لائحة تيار المستقبل في طرابلس، النقابي نعمة محفوض الذي اشتهر في السابق بكثرة احتجاجاته ومؤتمراته الصحفية المناوئة لقوى السلطة، والتي يُعد المستقبل أحد أهم أركانها. وقد فاجأت خطوة نعمة محفوض الكثير من المراقبين.

وباستثناء التحالف بين الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، فإن خارطة الانتخابات على مساحة البلاد تميزت هذه المرة بمرونتها وعدم ثباتها، فحليف الجنوب هو خصم الجبل أو بيروت، وعلى هذا المنوال.

تشير خارطة التحالفات وتوزّع اللوائح إلى أن الانتخابات اللبنانية المرتقبة لن تكون إلا إعادة توزيع للمقاعد النيابية بين أحزاب السلطة

وينتظر اللبنانيون السادس من أيار/مايو ليدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع، في انتخابات تشير خارطة التحالفات وتوزع اللوائح، إلى أنها ستكون على الأرجح إعادة لتوزيع المقاعد بين الأحزاب السياسية الحاكمة، وأن دخول وجوه من خارج الاصطفافات التقليدية، هو احتمال ضعيف إلى حد بعيد، وعليه فإنه ليس ثمة أي أفق واضح للتغيير. سوى ما يمكن أن تشكله رسالة الكتلة غير الهينة التي تأبى المشاركة بمثل هذه اللعبة السياسية، اقتناعًا لدى الكثير من اللبنانيين أن جوهر الهيمنة على الساحة السياسية مستمر كما هي وجوه الإقطاع والتوريث السياسي مستمرة في هيمنتها على الرغم من التغيير في الديكورات والقشور ليس إلا. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان الضعيف.. لبنان القوي

"الحالة الباسيلية".. باقية وتتمدد