ضمن المئات من أقرانه، يواصل شاب بصري اعتصامه تحت جسر وسط مدينته منذ أكثر من شهر، دون أي نية للتراجع، فالاحتجاج سبيل وحيد نحو الوظيفة والماء، ثم محاسبة مسؤولين "فاسدين" تلاحقهم أصوات المتظاهرين منذ أشهر.
تُقبل البصرة على موجة جديدة من التظاهرات الحاشدة الغاضبة، ردًا على تنصل الحكومة من وعودها التي قطعتها للمحتجين
سلام حسين (28 عامًا) الذي يؤكد لـ "ألترا صوت"، أن الحكومة الجديدة لم تف بأي من وعودها لأبناء البصرة، ساهم في تحريك الاحتجاجات في البصرة مجددًا، حيث أحرق ورفاقه إطارات السيارات قاطعين الشوارع وسط المدينة، ثم توجهوا للتظاهر أمام مقر شركة نفط البصرة ومبنى الحكومة المحلية، ضمن سلسلة تظاهرات مستمرة منذ منتصف الأسبوع الماضي، وسط إجراءات أمنية مشددة وانتشار للمدرعات والدبابات.
هتف المتظاهرون بشعارات غاضبة تندد بعدم استجابة الحكومة العراقية لمطالبهم، التي حملوها لأشهر، متمثلة بتوفير مياه صالحة للشرب وفرص العمل للعاطلين وتحسين مستوى الخدمات، مهددين بـ "احتجاجات تحرق الأخضر واليابس"، في حال الاستمرار بعدم تنفيذ مطالبهم والاستهانة بها، وفق مقاطع فيديو تداولتها مواقع إخبارية محلية وصفحات ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة تتوسع في العراق.. سخط الجنوب يوحد الشارع
وعود جديدة
وكان اجتماع قد عقد الأربعاء 28 تشرين الثاني/نوفمبر، بين مسؤولين في الحكومة المحلية للبصرة ونواب عنها مع رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، تضمن مناقشة أزمة المحافظة، بحسب نواب حضروا الاجتماع، حيث قال النائب حسن خلاطي في بيان له، إن أبرز المطالب التي ناقشها المجتمعون هي القضاء على البطالة ضمن وقت زمني محدد، وضمان حق المحافظة في الموازنة المالية التي لم يبت فيها البرلمان حتى الآن.
أما النائب ضمن تحالف الصدر عن البصرة مظفر إسماعيل، فقد بين في تصريح صحافي، أن أبرز الملفات تتعلق بتنفيذ وعود الحكومة السابقة، كتوفير 10 آلاف درجة وظيفية، وإطلاق 55 ألف وظيفة أخرى من حصة المحافظة من حركة الملاك، وتخصيص 3 مليارات دولار للمشاريع الإستراتيجية في البصرة، فضلًا عن تفعيل القطاع الصناعي والزراعي وتشغيل معامل البتروكيماويات والورق.
موجة غضب قادمة
لكن تلك الاجتماعات لا تعدو كونها "جرع تخدير" كما يرى الشاب حسين ورفاقه، حيث تطرق القرارات والوعود الحكومية بالوظائف والخدمات آذانهم منذ أشهر ثم تتلاشى، شأنها بذلك شأن قرارات الحكومة السابقة بخصوص المحافظة التي صوت البرلمان العراقي بإلغائها في وقت سابق.
يقول حسين إن "البصرة مقبلة على موجة جديدة من التظاهرات الحاشدة الغاضبة، ردًا على تنصل الحكومة من وعودها التي قطعتها للمحتجين، والتي تضمنت محاسبة الفاسدين وعناصر الأجهزة الأمنية المتورطة بقتل المتظاهرين، وإطلاق سراح المتظاهرين المحتجزين".
ويطالب المتظاهرون منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي والذي شهد احتجاجات عنيفة في البصرة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، الحكومة بإطلاق سراح الناشطين المحتجزين في السجون بتهم تتعلق بإحراق مقار أحزاب وفصائل مسلحة، والكف عن ملاحقة آخرين.
وتحدث ناشطون عن محاولات أحزاب وجهات سياسية، استغلال موجة التظاهرات مجددًا وجرها إلى العنف، حيث يؤكد عضو لجنة تنسيقيات مظاهرات محافظة البصرة، نائل الزاملي في تصريح صحافي، وجود من يحاول "تحييد هذه المظاهرات عن سلميتها"، فضلاً عن تدخل القوى السياسية لإضعافها، وسط مخاوف من "خروج الأمور عن السيطرة مجددًا"، كما يحذر النائب عن المحافظة بدر الزيادي، داعيًا الحكومة إلى "الاستجابة السريعة لمطالب المتظاهرين، وعدم الاكتفاء بالوعود كما فعلت الحكومة السابقة".
اقرأ/ي أيضًا: البصرة تزف شهيدًا جديدًا.. التصعيد وخيارات الضرورة
احتكار وملح!
يبحث المتظاهرون عن وظائف في القطاع النفطي، حيث تعد البصرة مركز صناعة النفط في العراق، ومن أهم المدن النفطية في العالم، بامتلاك نحو 59% من احتياطات العراق، ووجود أضخم الحقول النفطية فيها، منها مجنون والرميلة وغرب القرنة.
هتف المتظاهرون بشعارات غاضبة تندد بعدم استجابة الحكومة العراقية لمطالبهم، التي حملوها لأشهر
ويتحدث الشاب حسين بغضب عن "احتكار" الوظائف في القطاع النفطي من قبل العمالة الأجنبية، على حسابه والمئات من الشباب الذي يرزحون تحت خط الفقر، مؤكدًا أنه لن يتنازل عن حقه بوظيفة حتى لو اضطر إلى الاعتصام على رصيف "جسر التربية" لأشهر أخرى.
ويوفر قطاع النفط في البصرة الجزء الأكبر من الوظائف، يليه قطاع الزراعة، إلا أن معدل البطالة في الأخير يبلغ حوالي 70%، بعد أن دمرت مياه مالحة وملوثة على نحو مستدام، آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، كما تشير صحيفة "لاكروا" الفرنسية.
وتتضمن مطالب المتظاهرين إنشاء سد "أبو فلوس" لفصل المياه المالحة عن مياه شط العرب، الذي يروي الأراضي الزراعية في محافظة البصرة عند التقاء نهري دجلة والفرات، حيث ارتفعت الملوحة، وفقًا للصحيفة الفرنسية، 20 ضعفًا عن أعلى متوسط ينبغي أن لا تتجاوزه، وهو ما يعتبر رقما قياسيًا.
يعي المتظاهرون في البصرة حجم الأزمات التي تحيط بهم. يقول حسين خاتمًا حديثه لـ "ألترا صوت"، بعد معاودته الجلوس على الرصيف وسط مدينته: "لا انفراجة قريبة، لكننا لن نتراجع عن الضغط على الحكومة، حتى تحقيق مطالبنا.. كيف نتراجع.. جيبي ليس فيه حتى أجرة العودة إلى المنزل".
اقرأ/ي أيضًا: