من وجهة نظر النظام السوري، ومن وجهة نظر المدافعين عنه، فإن الضربة الأمريكية لحظة ذهبية. إنها حركة مسرحية من إدارة ترامب، مدعومًا من بعض أطراف المجتمع الدولي، لن تؤثر في موازين القوى، وقد صرحت الخارجية الأمريكية اليوم بالمناسبة، أن التدخل لا يهدف إلى تغيير النظام، لكنه بالطبع سيخدم كثيرًا المجاز السياسي والسردية التي يبرر النظام من خلالها أنه ما زال موجودًا، أي العداء للإمبريالية ولإسرائيل.
التدخل الأجنبي من زاوية تمترس أصحاب "الأسد أو نحرق البلد" لا يعني إلا التدخل ضد النظام حصرًا، إذ لا تلتحق أي مناطق خارج سيطرة النظام بنشيد "السيادة" التشبيحي
هذا بالضبط ما سيفتح معطيات النقاش الدعائي التشبيحي من جديد اليوم عن "الديمقراطية الأمريكية" التي يطالب بها الثوار في سوريا، وعن العرب الذين "أطاعوا رومهم"، وعن المؤامرة التي بدأها الناس عندما خرجوا إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام. إنها اللحظة التي يمكن أن يقول فيها أي "شبيح" للنظام" إن هذا ما حذرناكم منه طوال السنوات الماضية"، بلهجة الواثق المنتصر المدرك لسلاسل من المؤامرات التي تخفى عن سواه.
من وجهة نظر مناصرة لحقوق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والتغيير، بل بالحياة أساسًا، لا خلاف على أن هناك تدخلًا أمريكيًا في سوريا مدفوعًا بأغراض سياسية عدة، وبرغبة بالتحكم وتطبيق سياسات خارجية في المنطقة، قد يسميه البعض مؤامرة، وقد يختلف كثيرون على أهدافها، لكن الخلاف هو حول الوقت الذي بدأ فيه هذا التدخل، وحول السياق الذي يجيء فيه، وحول من ساهم محليًا في وجوده.
اقرأ/ي أيضًا: الاحتيال السعودي والأسد الذي لم ينتصر
ثمة مجموعة من المغالطات الأساسية في طرح خطاب النظام ومن يتبناه، وفي استثمارهم لما حدث، وعلى أية حال، فإن هناك نقاشًا غريبًا على وسائل التواصل الاجتماعي قد بدأ بالفعل، عن كون الضربة الأمريكية ضد سوريا أم أنها ضد النظام السوري؟
لا بد من تذكير أصحاب فكرة "الشعب المتجانس"، أن الرقة جزء من سوريا أيضًا، وكذا المناطق التي قصف التحالف المدنيين فيها بالجملة العشوائية، ضمن مقولة الحرب ضد تنظيم "داعش" طوال السنين الماضية. كيف كان يمكن أن يكون السؤال وقتها عن كون القصف ضد سوريا أم ضد داعش؟ مع أن الصور من الرقة وحدها، تكفي لنقول إن ما قامت به قوات التحالف ليس حربًا ضد داعش، وإنما حالة همجية من التطهير العرقي للمدينة.
الميليشيات الكردية المدعومة بشكل مباشر من القوات الأمريكية أكثر من أي جهة أخرى، تحارب في سوريا أيضًا، وواشنطن تسيطر فضاءات شرق الفرات الشاسعة عبرها، ولا داعي للتذكير بحجم التنسيق المتبادل وتسليم الأراضي بينها وبين النظام، الذي تجلى أخيرًا بدعم النظام الاستعراضي للميليشيات الكردية ضد الحملة التركية أثناء احتلال عفرين.
اقرأ/ي أيضًا: الجيش في سوريا.. من عقائدية المؤسسة إلى مليشيا العائلة وطائفيتها
يلحظ في الحالتين تدخلاً أمريكيًا في سوريا، عبر وكلائها المباشرين وغير المباشرين، كما من خلال طفرات التوماهوك وتجارب الطيران الحربي كالحالة الأخيرة. وهذا يقود بالضرورة لاستدراك أن بعض الغارات السريعة ضد النظام، لا تكفي لتجعل كل من يطالب بإسقاطه في صف الاستعمار، على الاقل باستذكار غير شعاراتي "للطغاة يجلبون الغزاة".
أما ما لدى خطاب النظام وموجات شبيحته، فإن التدخل الأمريكي في الرقة وغيرها من المناطق، تحت عنوان محاربة "الإرهاب"، وهو العنوان الذي خضع لاستعارة اليسار الدوغمائي الستاليني، عربيًا، بل وعالميًا، للمصادفة، لا يتساوى مع أي ضربة قريبة من "ذقن" النظام، فإن مثل هذا التدخل من زاوية تمترس أصحاب "الأسد أو نحرق البلد" لا يعني إلا التدخل ضد النظام حصرًا. هذا ليس جديدا على أية حال، وهو موقف يتعرى فيه تعريف النظام لسوريا، وعجزه عن رؤية البلاد من دون وجوده على رأسها.
أن تكون مع حرية الشعب السوري وحقوقه وضد الاستبداد، يعني بالضرورة أن تكون ضد التدخل الأمريكي، وأي تدخل أجنبي غيره في كل سوريا
على ذات الإيقاع، وكما يعرّف مناصرو الاستبداد التدخل الأمريكي باعتباره تدخلًا ضدهم فقط، فإنهم يعرفون خرق السيادة الوطنية بنفس الطريقة. التدخل الأمريكي في مناطق بعيدة عن دمشق أو خارج سيطرة النظام ليس خرقا. وبطبيعة الحال، فإن تدخل الحلفاء، وتحول الحدود إلى أراضي تنزه لقاسم سليماني والخبراء الروس، لا يمس إطلاقا بالسيادة.
في سبيل التكثيف، أن تكون مع حرية الشعب السوري وحقوقه وضد الاستبداد، من حيث المبدأ والتفصيل، يعني بالضرورة أن تكون ضد التدخل الأمريكي في سوريا، انسياقًا لقاعدة الحق في تقرير المصير للشعوب. وبناء عليه رفض التدخل الأجنبي بكل تمظهراته كما رفض كل تصنيفات وألوان الاحتلال، متى كان وفي كل الظروف التي جاء فيها. أما من يغض النظر عن التدخل الذي ليس ضده، فهو الأولى بأن يُتهم باستدخال المؤامرات، بل والهزيمة بأبشع حالاتها.
اقرأ/ي أيضًا: