في خطوة جديدة، أعلمت وزارة الاتصال الجزائرية عديد القنوات التلفزيونية المحلية، والتي لم تحصل على اعتماد قانوني، بضرورة التوقف عن البث إلى غاية تسوية وضعيتها القانونية مع الجهات الرسمية في الجزائر. واعتمد وزير الاتصال حميد قرين سلطة القانون لترتيب القطاع، الذي تعمه الفوضى منذ 2012، حيث طالب في تصريحات صحفية أزيد من 50 قناة تلفزيونية تنشط في الجزائر دون حصولها على اعتماد رسمي، بأن تضع ملفاتها لتسوية الوضعية، في مقابل "نجاة" خمسة قنوات فقط بعد حصولها على الاعتماد من الحكومة الجزائرية كمكاتب تنشط في الجزائر لقنوات أجنبية مسجلة في الخارج. واعتبرت الوزارة أن "كل قناة تبث أو تعمل في مجال السمعي البصري في الجزائر بطريقة غير قانونية، تقوم بخرق للأحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة في هذا المجال".
أعلمت وزارة الاتصال الجزائرية عديد القنوات التلفزية المحلية، والتي لم تحصل على اعتماد قانوني، بضرورة التوقف عن البث إلى غاية تسوية وضعيتها
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر..الحكومة تهدد عشرات القنوات بالإغلاق
تحرك الوزارة، بحسب الوزير قرين جاء "في إطار الاحترام التام للتشريع والتنظيم الساري والصلاحيات المخولة لها خاصة فيما يتعلق بضبط نشاطات الاتصال وترقية إعلام متعدد ومسؤول وموضوعي". على الأرض وإن تم تطبيق القرار، فإن أزيد عن خمسين قناة تلفزيونية تشتغل في مجالات إخبارية وثقافية وشبابية وسياحية وعامة، ستكون ملزمة بإيقاف البث إلى غاية تسوية الوضعية والحصول على تراخيص للبث من طرف سلطة الضبط السمعي البصري، التي تم تعيين أعضائها قبل أسبوع ولم تعلن بعد عن دفتر شروط أي نشاط إعلامي في الجزائر.
ويرى متتبعون للشأن الإعلامي أن إطلاق الحكومة لعمليات "التطهير الإعلامي" جاء متأخرًا، حيث أصدر البرلمان الجزائري في 2012 قانون إمكانية إنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعية المستقلة وصدور قانون السمعي البصري في 2014 ليتم تعيين أعضاء سلطة الضبط قبل أسبوع فقط، وهو ما يوحي بأن الأمور كانت تسير ببطء من الناحية التنظيمية والقانونية. وفي الأثناء، تسارعت وتيرة بروز عشرات القنوات في ضبابية كبرى، حيث تمكنت في ظرف ثلاث سنوات من تغيير المشهد الإعلامي الجزائري ومنح مساحة لحرية التعبير، فضلًا عن استقطاب الكوادر المتخرجة حديثًا من الجامعات.
"تطهير المشهد الإعلامي"، بحسب الأستاذ في علوم الإعلام والاتصال نور الدين مدين، في تصريح لـ"الترا صوت": "برز جليًا عقب الأزمة الأخيرة بين الوزارة ومجمع الخبر الإعلامي عقب شراء رجل الأعمال يسعد ربراب لأغلبية أسهم المجمع وإيقاف برنامجين سياسيين ساخرين تبثهما القناة وسبقها غلق قناة "الأطلس" في آذار/مارس 2014 وقناة "الوطن" في كانون الأول/ديسمبر المنصرم".
وأقر قانون الإعلام الجزائري، الذي أصدره البرلمان في كانون الثاني/يناير 2012، فتح المجال أمام إمكانية إنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعية المستقلة، وفي نيسان/أبريل 2014، أصدر البرلمان الجزائري قانون السمعي البصري. بهذا التحذير، يفترض على هذه القنوات أن تتوقف عن العمل والبث، وفي مقابل ذلك فإن السلطات تكون ملزمة أيضًا بحجز أي معدات تصوير وغلق أي استوديو أو مقر قناة تعمل دون ترخيص.
هناك مخاوف كبيرة في الجزائر من أن يكون اعتماد القنوات مستقبلًا على أساس اصطفاف سياسي وليس قانوني
اقرأ/ي أيضًا: إيقاف برنامجين سياسيين ساخرين في الجزائر
ورغم أن الفوضى التي يشهدها قطاع الإعلام في الجزائر ساهمت فيها الدولة أيضًا، وهو ما يطرح بإلحاح، برأي الدكتور مدين، تساؤلًا حول "كيف لوزارة تترك أزيد عن 50 قناة تنشط في الجزائر ويتم استدعاؤها لتغطيات رسمية، كما تستقبل يوميًا مسؤولين ووزراء في الحكومة في استوديوهاتها، لتأتي نفس السلطة لتهددها بالغلق حتى تتم تسوية وضعيتها؟".
كما ذهب البعض إلى الحديث عن جدل يتعلق بمسألة صلاحيات تحديد "هوية وشرعية القنوات"، بحسب الإعلامي يوسف التهامي، الذي أضاف لـ"الترا صوت" أن "تدخل الوزارة الآن لم يعد له مبرر ومستند قانوني باعتبار تعيين سلطة ضبط للسمعي البصري وهي التي تتولى تنظيم القطاع بشكل كامل وإعلام القنوات وتنبيهها والتعامل معها".
ويرى بعض السياسيين المعارضين للحكومة أن "الرسالة واضحة من السلطة السياسية الحاكمة في الجزائر وهي تهدف إلى التخلص من عديد القنوات والمؤسسات الإعلامية" وأن سلطة الضبط هي فقط "رادعة باسم القانون"، وبالتالي فالترخيص ليس إلا "حجة تستعملها الحكومة للتضييق على الحريات ورغبة منها في العودة إلى فكر الحزب الواحد"، حسب رأيهم.
وإلى غاية أن تضع سلطة ضبط السمعي البصري في الجزائر دفتر الشروط الذي يسمح بمنح الاعتماد للقنوات الخاصة، هناك مخاوف كبيرة في الجزائر من أن يكون اعتماد القنوات مستقبلًا على أساس اصطفاف سياسي وليس قانوني بمعنى أن تتدخل التوجهات والضغوط السياسية في ذلك وتحرم كل القنوات المعارضة من الاعتماد.
اقرأ/ي أيضًا: