يتصدر نابولي جدول الدوري الإيطالي بفارق 18 نقطة عن أقرب ملاحقيه، وأصبح التتويج بالكالتشيو مسألة وقت لا أكثر، فريق نابولي لا يمكن لأحد أن يقف أمامه في أرض الرومان، تحول من مجرد حالم بالوصول إلى المراكز المؤهلة لدوري أبطال أوروبا إلى بطلٍ ينتظر تتوجيه بفارغ الصبر.
فريقٌ عاش أجمل أيامه مع مارادونا في عزه عندما ظفر بالدوري الإيطالي، وكانت له لحظات جفت فيها الدموع في الدرجة الثالثة. الآن تعود أيام مارادونا، لكن بدونه. الأيام التي يخاف فيها الجميع من مواجهة نابولي، هي أيامٌ تخص الكثير من الناس، وهم من سنتحدث عنهم اليوم. هؤلاء من يجب أن تكرمهم المدينة كلها وتحملهم على أعناقها أثناء تتويج نابولي بالدوري الإيطالي.
الإدارة التي وثقت في سباليتي
يستيقظ مشجع نابولي كل أسبوع على خبر رحيل أحد نجوم الفريق، قائمة طويلة اعتاد عشاق كرة القدم أن يروا لاعبيها في دوري أبطال أوروبا، أو في مواجهاتٍ إيطالية ساخنة في الدوري المحلي، هذه القائمة ضمت كوليبالي، ميرتنز، إينسيني، أوسبينا وأسماء أخرى من الفريق. يدرك المشجع في كل إعلان رحيل لهؤلاء أن النادي في الأغلب يقوم بتصفية لاعبيه لكي يتجه إلى منافسات دوري المؤتمرات، ويركز على منتصف الجدول داخل إيطاليا.
لكن كل هؤلاء جاء من يأخذ أماكنهم في الفريق ليصل به إلى القمة، وقد يبدو أن الرحيل الجماعي كان كارثيًا، لكن بالحصول على خدمات لاعبين عندهم الشغف للوصول إلى أعلى القمم في عمرٍ مبكر كان الهدف الأول لسباليتي.
الهدف الذي أحرزته إدارة النادي بالسماع لكل طلبات المدرب المخضرم كان هو أهم هدف يمكن أن تحرزه، وهذا مع فريق التعاقدات ومراقبة اللاعبين الذي تكبد العناء للوصول إلى هذه المواهب بدون الحاجة لكسر أي قواعد مالية أو وضع الديون على الزرق.
لوسيانو سباليتي
كل شيء في سباليتي مختلف. هو نفسه لا يعرف هذا تقريباً، لكن كل ما يقوم به داخل وخارج الملعب مختلف بشكلٍ لم يره أحد في مدرب كرة قدم من قبل. المدرب الذي يعتمد على تكتيكٍ يجعل كل لاعب يلعب في مركزه بشكلٍ مريح يجعله يخرج أفضل ما عنده.
التكتيك الذي يلعب به هو أكثر تكتيك هجومي مناسب بالنسبة للكرة الإيطالية الدفاعية، وتكتيكه يعتمد على أخذ شكل الزمردة -Diamond- على أرض الملعب لكي يحط أكبر عدد من اللاعبين بالكرة لاستقبالها عند الهجوم أو قطعها عند الدفاع. لكن الميزة هنا هي أن تكتيك نابولي عند بداية الهجمة يتحول من شكل الدايموند لشكل مستطيل على أطراف الملعب ويغلق نفسه، مما يضع المدافعين في ضغطٍ حتى تصل الكرة إلى أوسيمين الذي يخدمه هذا التكتيك لكي تصل له الكرة بسرعة.
حتى تكتيكه الناجح هذا لم يكلف تطبيقه الكثير. توجه سباليتي للاعبين "متوسطين" من فرق مثل فولهام، ساسولو وحتى فنربخشة كان هو سبب نجاح هذا التكتيك، وكما ذكرنا، هذه الأسماء لم تكلف النادي أموالاً طائلةً للحصول على خدماتهم.
بعيداً عن الملعب، يظل سباليتي مثالاً يُحتذى به. الرجل لم يجد منزلاً قريباً للنادي فقرر أن يعيش في فندق قريب من وسط المدينة لكي يصبح الوصول إلى مركز التدريب أمرٌ سهل. رجلٌ بسيط لا يظهر إلا بالشكل الذي يريحه وكأنه في مزرعته في توسكانا، لا شك في أنه يستطيع أن يرعى أي شي، فما نراه في الملعب من دعمٍ للاعبيه وحبه لهم يجعله قادراً على أي شيء.
مدافعه الأساسي كيم مين-جاي
لا نعرف إن كان مدافع أم منجنيق يطرد الكرة من أرضه أثناء الدفاع عن عرينه. أفضل لغة للحديث عن قوة أي لاعب هي إحصائياته، وما يقدمه كيم يجعلك تخاف أن تراه في خط دفاع نابولي إن كان فريقك المفضل سيواجه زرق إيطاليا. كيم هو اللاعب الأفضل في إيطاليا في التمرير وإيقاف التمريرات، هذا يجعله أفضل مستخلص لكرات الفريق المنافس، ويستطيع أن يحولها لاستحواذٍ في الثلث الأول من ناحية نابولي.
هذه ليست نقطة القوة الوحيدة عند كيم الذي يعتبر الثاني في الالتحامات الفردية، والصراعات الهوائية، وإيقاف التسديدات، والتمرير من أول لمسة، والثالث في الفوز بالصراعات على الكرة في الدوري الإيطالي. نادراً أن تجد كل هذا في مدافع واحد؛ مدافع يستطيع أن يوقف الهجمة أثناء حدوثها ويستطيع أن يمنع حدوثها، وعلى صعيد التلاحم الهوائي وعلى صعيد التمرير جيدٌ أيضاً؟ يستحق كيم لقب مدافع الموسم على كل هذا المجهود.
فيكتور أوسيمين الذي رفع كفة الهجوم
بما أن كفة الدفاع مرفوعة، فيجب أن توازنها كفة الهجوم. هذه الكفة التي تضع عليها أوسيمين لكي يجعل نابولي قوة ضاربة. الأرقام، مرةً أخرى، ستتحدث عن نفسها لأن فيكتور أوسيمين هو رقم 1 في كل شيء يخص قناصاً للأهداف في الدوري الإيطالي.
هو الهداف بـ 19 هدف، صاحب أكبر معدل للأهداف المتوقعة "xG" بـ 19.25 هدف، الأكثر تسديداً على المرمى بـ 38 تسديدة، صانع لـ 70 فرصة تهديف بأعلى رقم والأعلى تسجيلاً بالرأس أيضاً بخمسة أهداف. أرقامٌ مرعبة؛ لكن الأرقام تعكس جودة اللاعب، وجودته تكمن في أنه يعرف دوره جيداً .
يعرف أن دوره هو لعب الرقم 9 بالشكل الحديث. على عكس رونالدو الظاهرة الذي كان يلعب بالكرة وكأنه في ساحات روزاريو بمهارياته وسرعته، يلعب فيكتور بنفس أسلوب هالاند وهاري كين. لاعبٌ قوي يقف في الأمام ينتظر الكرة لكي يدخلها بين القائمين. أوسيمين أيضاً قائد بطبعه؛ هو اللاعب الكبير الذي له صوتٌ مسموع في الملعب مثل فان دايك في ليفربول أو تشاكا في آرسنال، لكنه يجمع بين هذه السمة وبين التأثير على مجريات المباراة بأهدافه، ولا شك أن معركة الصيف ستكون حوله.
صديق فيكتور المفضل.. خفيتشا كفاراتسخيليا
اسمه صعبٌ للغاية، لكن الأصعب أن تقابل الجورجي في الملعب. نفس الأرقام التي تثبت قوة مين-جاي وأوسيمين هي نفسها الكافية بأن تقنعك أن هذا أفضل صانع ألعاب/جناح في الدوري الإيطالي.
خفيتشا يملك في رصيده عشرة أهداف وصنع تسع أهداف تجعله يتربع على عرش صناع الأهداف في الدوري. ليس هذا فقط، بل هو أيضاً الأول في الصراعات الثنائية، الثاني في صناعة الأهداف داخل الصندوق والثاني في صناعة الفرص داخل الصندوق.
هذه الإحصائيات كافية لأن تتغنى فيه جماهير نابولي، لكن ما الذي يجعل صاحب الـ 22 عاماً بهذه القوة في مركزه؟ السرعة والذكاء في التعامل مع المدافعين على حدة. مثل روبن، يبدأ هجمته من مركز الجناح ويصل بها إلى الصندوق بشكلٍ سريع وسلس بسبب سرعته العالية، ومن هنا إما أن يقوم بالتسديد أو بتمرير الكرة لصديقه المفضل أوسيمين.
اللاعب يعتمد على قدمه اليمنى إما في تحريك الكرة لليمين أو في محاولة سريعة للتحرك لليسار مرةً أخرى لكي يتعدى المدافع بسرعته الرهيبة، في بعض الأحوال يقوم بالعودة حتى ينتظر تكدس لاعبي نابولي في منطقة الخصم لخلق الكثافة العددية التي تسمح لفرصة ميتة في عينه للعودة مرةً أخرى، كل هذه المزايا كلفت نابولي 12 مليون يورو فقط. سرقة الموسم التي لا يشعر الكثير بها.