الحجامة والطهور والحلاقة، كانت وظيفة رجلٍ واحد كبيرٍ في حاراتنا القديمة. لم أكن كبيرًا إلى حدّ يشجّع الأهل على تسليم رأسي لأحدهم، لا للحلاقة ولا للحجامة، ولكن الوظائف تبدّلت وتغيّرت منذ ذلك الحين، وما كان شعبيًّا بسيطًا، صار تجارةً و"علمًا"، فصار للحجّام سلطة ورأي في المجتمع تنافس في المجالس الاجتماعيّة حضور الطبيب المختصّ.
انتشرت في عمّان في السنوات الأخيرة الكثير من الأحاديث والفتاوى عن "الطبّ" البديل أو التكميلي، وصار أمرًا يفيد أحيانًا ويضرّ أحيانًا أخرى
انتشرت في عمّان في السنوات الأخيرة الكثير من الأحاديث والفتاوى عن "الطبّ" البديل أو التكميلي، وصار أمرًا يفيد أحيانًا ويضرّ أحيانًا أخرى. ولأنّ هذه الأشكال من التداوي ترتبط بالثقافة الشعبيّة وبالدّين والأحاديث والآثار النبويّة وقصص الأولياء فقد سهّل ذلك على ممارسي هذا العلاج الترويج له وشغل النّاس بقصص الشفاء العجيبة التي تحدث على أيديهم من خلطات ووصفات لا تنتهي عجائبها ولا تنقضي غرائبها. ولم يقف الأمر عند الأعشاب والخلطات الزيتيّة، بل تعدّاها إلى انتشار ممارسة الحجامة. وهي مدرسة قديمة في العلاج الشعبيّ تعود لآلاف السنين، واشتهر الصينيون بها، ولا تزال ممارسة شائعة في العديد من الأماكن حول العالم. وهي طريقة في "العلاج" عن طريق مصّ وتسريب الدم عن طريق استعمال الكؤوس.
اقرأ/ي أيضًا: مخدر "الجوكر" في الأردن.. شبح عام 2016
ويزداد اعتماد النّاس على الطبّ الشعبيّ في الأردنّ لأسباب عديدة، أهمّها أنّ العديد من أساليب الطبّ الشعبيّ البديل مرتبطة بأحاديث وآثار دينيّة، فكثيرٌ من ممارسي هذا النوع من العلاج من الشيوخ، يستخدمون الأحاديث النبويّة والمأثورات في الترويج لهذه الطريقة غير التقليدية والمتوارثة من العلاج. كما أنّ الطبّ البديل، هو البديل الأرخص والأسرع للطبّ الحديث، ولاسيّما مع ارتفاع أسعار الدواء وتكاليف العلاج.
وبالرغم من أنّ الحجامة في الأردن لا تخضع للرقابة والترخيص، إلا أنّ الممارسة لا تزال في انتشار، حيث عادة ما يقوم الشيخ بعمليّة الحجامة في بيته أو في زاوية منعزلة في المسجد خارج أوقات الصلاة. أمّا الأمراض التي يقال إنّ الحجامة قادرة على شفائها فتتراوح بين التخلّص من التعب والإعياء، وصولاً إلى علاج السرطان وردّ البصر، وفق ما يقول أحد الشيوخ المختصّين في الحجامة في الأردن على صفحته على "فيسبوك". ورغم أنّه لا توجد إحصاءات موثوقة بخصوص اعتماد النّاس على الحجامة والطبّ البديل في الأردنّ، ومعدّلات الإنفاق على هذه الأنواع من العلاج، يبقى انتشار اليافطات والإعلانات الخاصّة بممارسي هذا النوع من العلاج دليلاً على شهرة هذا الخيار المتزايدة بين النّاس.
يلجأ بعض الأشخاص للحجامة للتخلّص من التوتّر والقلق أو المشاكل النفسيّة والأرق ويرتبط هذا بمفهوم "العين" أو "السحر" أو "الجنّ"
كما يلجأ بعض الأشخاص للحجامة للتخلّص من التوتّر والقلق أو المشاكل النفسيّة والأرق وغير ذلك، وهذه الأعراض كثيرًا ما ترتبط بمفهوم "العين" أو "السحر" أو "الجنّ"، ولأنّ الحجامة أمر من الدين والسنّة والبركة لدى كثيرين، فإنّه يُروّج لها كذلك على أنّها الشفاء الأكيد من كل مرض، جسديًّا كان أو نفسيًّا. وهذا ما يؤكده الشيخ محمد عبدالرحمن، الذي يمارس الحجامة منذ فترة طويلة، والذي قال في حديث هاتفي مع ألترا صوت إنّ الحجامة "علاج مثبت" للأمراض والمشاكل النفسية كالاكتئاب والقلق والتوتّر. ويضيف الشيخ محمد: "من الأفضل إجراء الحجامة كما ورد في السنّة بعد انتصاف الشهر القمري، خاصة في 17 و19، و21 من الشهر القمري". أمّا عن سبب ذلك فشرح لي بأنّ "الدم يتغيّر بعد نصف الشهر العربي، وأنّ الأخلاط تجتمع تحت الجلد في هذا الوقت من الشهر وهنالك أحاديث صحيحة بخصوص هذه المواعيد".
اقرأ/ي أيضًا: الجامعة في مواجهة الطالب في الأردن: ماذا يحصل؟
الدكتور الأردنيّ محمد أبو صليح أشار إلى أنّه لا يعرف أدلّة علميّة ثابتة تؤكّد على صحّة الفوائد الصحيّة للحجامة، كما أنّه حذّر من بعض الممارسات التي قد تلحق الأذى بالمرضى وقال في حديث مع "ألترا صوت": "الحجامة تتضمّن استخدام أدوات قد لا تكون معقّمة من قبل شخص لا يمتلك بالضرورة معرفة بالإجراءات السليمة لتعقيم الأدوات التي تشتمل على شرط الجلد واستخراج الدم من بعض المناطق المحدّدة المعروفة لدى ممارسي هذا النوع من العلاج" كما نبّه الدكتور محمّد أبو صليح إلى أنّ الحجامة، سواء كانت للوقاية أم للعلاج، ليست مناسبة لجميع الأشخاص، وقد تؤدّي أحياناً إلى آثار ومشاكل لا يعرف الشخص المعالج التعامل معها بالطريقة السليمة، وقد تنتج عنها نتائج خطيرة".
وقد أشارت دراسة حديثة نشرت في المجلّة الأمريكيّة للتحكّم بالعدوى إلى "عدم وجود أدلّة عمليّة واضحة ومعتبرة تدلّ على فوائد صحيّة مرتبطة بالحجامة"، كما تحذّر الدراسة من بعض المخاطر المتعلقة بانتقال أشكال العدوى المرتبطة بالدم أثناء إجراء الحجامة باستخدام أدوات غير معقّمة أو في أماكن غير ملائمة، كما نفت الجمعيّة الأمريكيّة للسرطان أن يكون للحجامة، والتي تعرف بالإنجليزية باسم (cupping)، أيّ أثر في علاج المرض. وقد عمد بعض ممارسي الحجامة مؤخرًا في الأردنّ إلى افتتاح عيادات خاصّة مرخّصة من قبل الجهات الرسميّة، إلا أنّ معظم هذه العمليّات ما تزال تجري عادة بشكل غير رسميّ وغير خاضع للرقابة. كما حاولت بعض المراكز المختصّة في عمّان مؤخّرًا "علمنة" ممارسة الحجامة، إذ ضمن خيارات الطبّ الصيني، باعتبار أنّ هذه الممارسة وجدت أصلاً عند الصينيين منذ آلاف السنين، وذلك في محاولة لنزع السحر أو الخرافة عن فكرة الحجامة، وتدعيمها بأدلة "علميّة" قدر الإمكان لجذب جمهور جديد من العملاء.
اقرأ/ي أيضًا:
الأردن.. المكتبة الجامعية للملائكة فقط
#طلق_مرتك.. تفجّر هواجس المجتمع الأردني