"الحمّام" بالنسبة للمغاربة أكثر من فضاء للنظافة، هو ثقافة تجذرت عبر التاريخ وتوارثوها لأجيال وأحيانًا يمثل الحمام لدى البعض وسيلة لكسب قوت العيش. نساء ورجال يعملون لساعات طويلة، بين جدران الحمام، قصد كسب نقود ولو قليلة، لكنها تكفيهم لسد البعض من حاجاتهم اليومية. "الترا صوت" ينقلكم إلى أحد الحمامات الشعبية المغربية، حيث نساء يروين قصتهن في العمل لتوفير، ما أسموها، "لقمة الحلال".
"الحمام" بالنسبة للمغاربة أكثر من فضاء للنظافة، هو ثقافة تجذرت عبر التاريخ وتوارثوها لأجيال وأحيانًا يمثل وسيلة لكسب قوت العيش
عند وضع أولى خطواتك لدخول الحمام، محملة بلوازمك الخاصة بالنظافة، تجد "عاشوراء" في استقبالك، إنها سيدة في الخمسينات من عمرها، طويلة القامة، تجلس بكل أريحية في المكان المخصص لوضع حقائب وأدوات شخصية مثل الهواتف الخاصة للزبائن، تعطيها حقيبتك وتمدها ببعض النقود وتطلب منها أن ترسل إليك إحدى "الكلاسات"، باللهجة المغربية، أي إحدى العاملات التي ترافقك في الحمام وتساعدك إن طلبت ذلك في تنظيف أو تدليك أو غير ذلك. إن كانت زيارتك الأولى، فسترسل إليك إحداهن لكن إن كنت معتادة على قصد هذا الحمام، فستطلبين منها إرسال "الكلاسة" المفضلة عندك أو التي ترتاحين معها.
اقرأ/ي أيضًا: حمامات تونس.. متنفّس أجساد الفقراء
"فتيحة" إحدى "الكلاسات"، اللواتي عملن لسنوات عديدة بين جدران الحمام النسائي. هي سيدة في الأربعينات من عمرها، اعتادت، كما تقول، على هذا العمل، تملأ السطل من البلاستيك بالماء وتحمله للحريفات، أو تهتم بالتدليك و"الماساج"، وأيضًا تخصص وقتًا لإزالة "الجلد الميت" للحريفات اللاتي تطلبن ذلك. وقد قضت فتيحة أكثر من عشرين سنة وهي تتنقل بين الحمامات الشعبية بمدينة الدار البيضاء.
تروي فتيحة لـ"ألترا صوت"، بصوت حاد، والابتسامة لا تفارقها، فهي لأول مرة تتحدث للإعلام كما تقول: "عملت لسنوات في الحمام الشعبي، بين نساء وأطفال، كنت صغيرة جدًا عندما أصبحت "طيابة" أو "الكلاسة" في الحمام". وتضيف: "لم أختر هذا العمل، فهو شاق جدًا لكن ليس بيدي حيلة، فهذا العمل الذي أتقنه والذي ورثته عن والدتي".
عملت فتيحة وهي شابة بالحمام لأنها لم تستطع أن تتابع دراستها، كما أن والدتها أجبرتها على العمل لأجل توفير مصاريف عائلة كبيرة العدد. واليوم فتيحة، ورغم زواجها وإنجابها طفلين أصبحا في ريعان الشباب، لا تزال تعمل بكد لتوفير لقمة العيش، في ظل ضعف مدخول زوجها.
تقاطعها فاطمة، بذات الحدة التي اشتهرت بها "الكلاسات": "ننطلق في تمام العاشرة صباحًا، وننهي العمل في حدود العاشرة ليلاً، عندما تكون صحتنا جيدة نعمل بكد لكن عندما نمرض نجلس في المنزل، وهنا يكمن المشكل إذ لا يقبل رب العمل بأي مبرر ولا نتقاضى أتعابًا خلال فترة المرض مثلًا وليس لدينا أي تأمين صحي يحمينا غدر الزمن".
ازدهرت "الحمامات" في المغرب في عهد المرابطين
وتتابع فاطمة: "أنا في الثلاثينات من عمري، مطلقة، خطئي يكمن في أنني لم أتابع دراستي، لذلك لا أمل لي في عمل آخر، صحيح أننا نكسب القليل من المال، لكن هذا العمل يغنينا عن مسارات أخرى". وتضيف: "أحيانًا يكون الحمام ممتلئًا، خاصة في نهاية الأسبوع، حينها يمكن أن أكسب 100 درهم في اليوم، أي 10 دولار تقريبًا وهو ربح وفير، لكن في بعض الأيام الأخرى وهي كثيرة لا يتجاوز دخلي 50 درهمًا". تتذكر فاطمة "أيام الحظ" كما تسميها، في هذه الأيام القليلة تقدم لها بعض النسوة بسخاء مكافأة مالية عندما تكون راضية جدًا".
اقرأ/ي أيضًا: زيت أرغان.. الذهب السائل للباحثين عن الجمال
في البداية، وجدت الحمامات بالمغرب في مدينة فاس تحديدًا، وتعود بداية إنشائها إلى القرن الثالث الهجري، ثم ازداد عددها في عهد المرابطين وتحديدًا في عهد يوسف ابن تاشفين، مؤسس دولة المرابطين، فإنشاء الحمامات كان من أولوياته لأن الحمام ارتبط ببيوت العبادة في الدولة المرابطية، وقد كانت دولة دينية، إن صح القول، والنظافة، إحدى أهم أسس الدين الإسلامي الذي قامت عليه.
الحمام هو رمز للنظافة بالنسبة للمغاربة وتخفيف لآلام الجسم وبحث عن الجمال أيضًا، خاصة بالنسبة للنساء، وقد كان في الماضي فرصة للنساء للترفيه ولتبادل أطراف الحديث حول أخبار الحي، أما اليوم فتقول فتيحة إنه "صار فرصة للتعارف أو تقديم وصفات للجمال والأهم العثور على عروس المستقبل خاصة في أوساط النسوة اللاتي يبحثن عن عروس لأبنائهن". فتيحة شهدت الكثير من الزيجات التي كان الحمام سببًا رئيسيًا في حدوثها.
اقرأ/ي أيضًا: