08-سبتمبر-2015

يتفاوت الخطر بين البر والبحر (دان كيتوود/ Getty)

كأن البلاد تضربها عاصفة ريح شرقية منذ سنوات. الريح الشرقية، وهي ربما تسمية "طبيعية" جديدة لما يجري، عنيفة قاسية وجافة، لا تحمل أمطارًا يأتي بعدها الربيع، بالإضافة إلى أنها تحمل ما في طريقها نحو الغرب. الشباب، الأوراق الخضراء، كانت سهلة الاقتلاع والحمل من وطنها، وهذه نقطة يجب التوقف عندها والسؤال عن سببها.

هناك تشابهات عدة في رحلة الهجرة واللجوء للشباب السوري: الوضع العام للبلاد هو السبب، فالهاربون من جحيم الحرب ليسوا فقط من أبناء المناطق التي شهدت اشتباكات عسكرية ودمار، هناك الكثر الذين لا يرغبون بالاشترك في القتال، وهناك من خرج للبحث عن مستقبل في بلاد لا تسترجع ماضيها عند كل مفترق. تركيا غالبًا هي محطة الانتظار ثم الانطلاق إلى أنحاء أوروبا. لجميع المغادرين حقيبة واحدة هي قلوبهم التي أخرجوا منها الخوف عندما غادروا، وعبّأوها بصور الوداع للأهل ولأماكن الطفولة وأصدقائها، وبالأمل الذي يدفعهم نحو الأمام.

يجب العبور برًا إلى النمسا حيث تتوافر أفضل شروط اللجوء

ليالي الأنس في سالزبورغ 

"الحمدلله الوضع هون ممتاز" يقول وسيم (السويداء/28سنة) الذي وصل إلى النمسا قبل شهور، في خطة ترسيخ مدتها سنتان، والدولة متكفلة بكل شي. في دورات لغة، وفي سكن بفندق خمس نجوم، وفي راتب قريب كثير من الراتب اللي منحصل عليه لو اشتغلنا".

يتعامل الشاب الجامعي مع كل سوري يتحدث معه وهو مازال داخل البلد كمشروع مهاجر، فيقدم له نصائح الخروج بحماسة وسخاء: "بدك مهرّب من تركيا لليونان، ومن اليونان لمقدونيا لصربيا بدك تمشي لحالك، وبدك مهرّب من صربيا للنمسا، وفيك تركب مترو بـ100 يورو من النمسا لألمانيا". ويُحذّر.. "الحدود فيها كثير مشاكل وبدا صبر وقدرة تحمل عالية، أنا مثلًا قضيت 17 يوم على الطريق ومشيت 100 كيلومتر تقريبًا". تحتاج الرحلة، حسب وسيم، لنحو 3000 دولار. يتم اجتياز الحدود سيرًا، فيما يستخدم المهاجرون وسائل النقل العام داخل الدول التي يعبرونها. اختار وسيم مقاطعة سالزبورغ النمساوية بعد بحث طويل على الانترنت استمر خلال الرحلة نفسها، ولم يقرر بقاءه في المقاطعة إلا في الطريق بعد أن تبين له أن سالزبورغ تعطي الإقامة أسرع من غيرها، حيث يمكن الحصول عليها بمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، إضافة إلى قربها من ميونخ الألمانية حيث يوجد أصدقاء له مما يمنحه إمكانية التحرك بين المقاطعتين بسهولة بعد الحصول على الإقامة. يختم وسيم حديثه متفائلا: "مغامرة كانت صعبة شوي بس إنشالله ما رح نندم".

الكفيل الألماني إن وجد

المهرّبون يسرقون اللاجئين أحيانًا وقطاع الطرق يستغلون الطرقات المهجورة

يوجد في ميونخ بهمند وهوكر ومحمود ودولوفان وشباب كرد كثر آخرون على امتداد مساحة ألمانيا. "بمجرد أنك كردي ترتفع نسبة الموافقة على إعطائك الفيزا إلى ألمانيا بشكل خاص"، يوضح لنا بهمند (القامشلي/27سنة) الذي هاجر مع جميع أفراد عائلته، بعد أن باعوا جميع ممتلكاتهم ما عدا البيت. عثروا لهم على كفيل من أصل كردي يعيش في ألمانيا منذ سنوات عديدة ويعمل براتب جيد ولديه إقامة دائمة وهي كلها من شروط الكفيل. "وصلنا لألمانيا بدون ما تكلفنا السفرة ولا شي، تأخرت شوي بتركيا حتى كمّلت الإجراءات بالسفارة الألمانية، بعدين سافرت بشكل مباشر من اسطنبول إلى فرانكفورت، وانتقلت قبل شهر إلى ميونخ". ختم بهمند الحديث عن سوريا بقوله "والله بظن ما عاد إلنا مستقبل بالبلد". يفكر الشاب بالعمل بشهادته الجامعية السورية في العلوم الطبيعية، بعد تعديلها وإتمام دورة اللغة الألمانية، مع أنه قد يضطر لإعادة الدراسة سنتين أخريين كما حصل مع خريجين سوريين، وبعضهم ممارسون لمجال تخصصهم لسنوات في بلدهم. "بس اتعلم لغة رح عدل شهادتي وانشالله بلاقي شغل فيها... الله كريم" يختم بإصرار وتفاؤل.

لا ينصح بالسفر إلى فنلندا بينما ينصح بهولندا للعائلات والمهاجرين جماعةً

لا تتحقق في خال عبد الكريم (اللاذقية/26سنة) الموجود في أوغسبورغ شروط الكفيل. قدم له طلبا ثلاث مرات كان يقابل بالرفض، فاضطر الشاب للخروج بطريق التهريب. من بيروت إلى اسطنبول بالطائرة، ثم بحرًا من تركيا إلى اليونان فإيطاليا، ومن إيطاليا إلى ألمانيا بالمترو. يصف رحلته بأنها "رحلة موت". لم يكمل عبد الكريم دراسته الجامعية، ولا يفكر بذلك في ألمانيا مع أنه ترك الجامعة وغادر البلد على أساس أنه سيتابع دراسته في الخارج. "عم فكّر أدرس معهد عالي صناعي لأني قربت خلّص دورة اللغة".

طبقات اللاجئين

"المغامرة" و"رحلة الموت"، تحوّلت عند فادي (حمص/22 سنة) إلى "سياحة". لم تكن كذلك بالطبع، فقد تأخر في تركيا لأربعة أشهر قبل أن يصل إلى السويد. لكن الشاب الثري الذي ترك أملاكًا عريضة من مطعم وأراضٍ ومنازل، ربما يجد صعوبة وتنازلًا في مساواة نفسه بالفقراء والهاربين من العوز والموت، حسب ما يخبرنا صديق له.

يمكن للاجئين أن يختاروا بلد لجوئهم حسب ما يريدون عمله بعد وصولهم، كما أنه كثيرًا ما يختار البلد لاجئيه وذلك حسب التالي:

  • ترحب ألمانيا بالكرد وفيها جالية كردية كبيرة، كما أنها تفتح جامعاتها في وجه من يرغب بإكمال دراساته العليا فيها.
  • ينصح بهولندا للمتزوجين وللعائلات التي تفكر بالهجرة جماعيًا لأن إجراءات "لم الشمل" سريعة فيها.
  • يتردد أن بلجيكا هي الباب أمام مسيحيي سوريا، وهناك حديث عن توجّه في بولندا لذات الأمر، ولم يُلمس شيء من هذا بعد.
  • الحصول على الإقامة سريع في النمسا بشكل عام، وفي مقاطعات معينة أسرع من سواها، لكن النمسا أغلقت باب الهجرة مؤقتا في حزيران الماضي.
  • السويد التي استقبلت أعدادا كبيرة من السوريين منذ بداية لجوئهم إلى القارة العجوز يتأخر الحصول على إقامة فيها حتى سنة.
  • لا ينصح بفنلندا بسبب البرد الشديد والشغل القليل.

أخطار الطريق ومساعدات للمهاجرين

حالات الموت أغلبها تحدث في البحر، ويسمع بها العالم من خلال الإعلام. في البر واجه البعض السجن بسبب افتعال المشاكل داخل البلدان أو إلقاء القبض عليهم رفقة مهربين مطلوبين للشرطة. تؤخذ بصمة المشاغبين من المهاجرين ويمنعون غالبًا من مغادرة البلدان التي أخذت بصمتهم وذلك بموجب اتفاقية دبلن التي وقعت عليها أكثر من 25 دولة أوروبية، مع وجود استثناءات حيث يتم إرسال اللاجئين المشاغبين من هنغاريا إلى مقاطعات محددة في ألمانيا. وعلى صعيد تقديم المساعدة، أسس عدد من الشباب الذي وصلوا إلى بلدان هجرتهم إلى صفحات ومجموعات على "فايسبوك" لمساعدة مواطنيهم الذين يفكرون بالهجرة، يحاولون فيها تحذيرهم من مهربين خطيرين يسرقون الهاربين، ومن مناطق يجب الابتعاد عنها أثناء الرحلات بسبب انتشار "المشلّحين" وقطّاع الطرق، وخاصة في مقدونيا وهنغاريا، وهم من جنسيات مختلفة وأكثرهم من الجزائريين والأفغان. ومن هذه المجموعات مجموعة مغلقة تحمل اسم "معًا للسفر دون مهربين – مساعدة السوريين برًا".