رغم الانقلاب السلبي لصورة المعلم والعلم لدى الجيل الجديد في الفضاء الجزائري، إذ لم تتجاوز نسبة النجاح في الامتحانات المعتمدة خمسين بالمائة إلا بقليل، غير أن اليوم الأول من الدخول المدرسي بقي محتفظًا بألق وشغف خاصّين لدى الكبار والصغار.
بمناسبة دخول المدارس، انتعشت تجارة الأدوات المدرسية، ليس في المكتبات والمحالّ المعتمدة فقط، بل في طاولات نصبها شباب في الأرصفة والأحياء
المتمدرسون السابقون ملّوا عطلة صيفية قلّت فيها الجهات التي تضمن لهم خلالها برامجَ خاصة، ولهذا النقص في هذا الباب سياق آخر يُناقش فيه، والمتمدرسون الجدد برمجهم الفضول على الرغبة في اكتشاف عالم مختلف عن عوالم الأسرة والحي، وفي الحالتين كلتيهما، هناك تلميذ جزائري يملك الاستعداد لأن يحبّ مدرسته ومدرّسه، لولا جملة من الإكراهات والنقائص والاختلالات في المناهج المعتمدة، داخل المؤسسة التربوية وخارجها، سرعان ما تجعله يقع في مطبات السأم وفقدان الحماس.
اقرأ/ي أيضًا: الطالب المصري.. "ممنوع من السفر"!
تقول الأرقام التي نشرتها "وكالة الأنباء الجزائرية" إنه سيتم استقبال 493.626 تلميذ في القسم التحضيري و4.209.022 في الابتدائي و2.727.160 في الطور المتوسط، في حين سيصل عدد التلاميذ في الطور الثانوي إلى 1.261.198، يؤطرهم 258.403 إداري و459.10 أستاذ، منهم 4.878 من خريجي المدارس العليا و28.075 أستاذ جديد. بحظيرة هياكل قاعدية يبلغ عددها 26.488 مؤسسة تربوية منها 146 جديدة، إضافة إلى 14.427 مطعم مدرسي.
أجواء متميزة
وخلقت المناسبة مناخاتٍ خاصة، أسبوعين قبل الدخول، إذ انتعشت تجارة الأدوات المدرسية، ليس في المكتبات والمحالّ المعتمدة فقط، بل في طاولات نصبها شباب بطالون في الأرصفة ومداخل الأحياء السكنية أيضًا، حتى بات الشارع الجزائري شبيهًا بمكتبة مفتوحة، تعلو منها الأصوات الداعية إلى محافظَ وأقلامٍ ومساطرَ ومقلماتٍ وكراريسَ وأغلفةٍ، تصبغ عليها مختلف الصفات المادحة، علمًا أن معظمها مستورد من الخارج، خاصة من الصين.
الأولياء المرفقون بأطفالهم، كانت نسبة الأمهات أكبرَ بكثير من نسبة الآباء، رغم أنه موسم عطلة، قادتهم روح التقشف المهيمن على اليوميات الجزائرية بسبب هبوط أسعار البترول، وتراجع القدرة الشرائية، إلى التجار الفوضويين، عوض المكتبات المعتمدة، توخيًا لأسعارهم البسيطة، بحكم أنهم يقدّمون سلعًا أقل جودة. تقول السيدة فتيحة. ن: "لدي ثلاثة أطفال متمدرسين، وقد كنت سابقًا أنتقي لهم أجود الأدوات، عكس هذا العام، الذي وجدت فيه نفسي أعمل بمبدأ "المهم أن تكون هناك أدوات"، ذلك أنني خارجة من مصاريف رمضان وعيد الفطر، ومقبلة على مصاريف عيد الأضحى بعد أيام قليلة".
وحمل هذا الوضع، كثيرًا من الأسر على اللجوء إلى الجمعيات الخيرية، التي وضعت سلالًا على مستوى كل مكتبة ليضع فيها المحسنون ما يستطيعون من أدوات. يقول المعلم أمين. س من محافظة معسكر، 400 كيلومتر غربًا، لـ"الترا صوت" إن هذه الطريقة عملية جدًا وقد ساعدت الجمعية الخيرية التي ينتمي إليها على جمع كميات معتبرة من المساعدات. يستدرك: "غير أننا لاحظنا تراجع نسبة المحسنين هذا العام، وزيادة عدد المحتاجين، بما يؤشر على تراجع القدرة المالية للجزائريين".
من جهته اعترف أبو رياض بأن ولديه مسجلان ضمن قائمة التلاميذ المستفيدين من المنحة الحكومية المقدرة بـ3000 دينار جزائري، 30 دولارًا أمريكيًا، مع مجانية الكتب المدرسية. "رغم بساطة المنحة، إلا أنها ترفع عني كثيرًا من الغبن في هذه الظروف". ويبلغ عدد التلاميذ المستفيدين منها ثلاثة ملايين تلميذ.
اقرأ/ي أيضًا: "بفلوسك" فقط.. احصل على ماجستير الطب في مصر
صبيحة ملونة بالفرح والخوف
أخذت صبيحة الأحد لوني مآزر التلاميذ، الأزرق للذكور والبنفسجي للإناث، وعادت فيها الحركة إلى الشارع الجزائري، بعد عطلة دامت ثلاثة شهور، يُعرف الجزائريون بالنوم في صباحاتها والسهر إلى وقت متأخر من لياليها.
ولفت انتباهَنا أن غالبية التلاميذ كانوا مصحوبين بأمهاتهم خاصة، حتى أن الوصول إلى مداخل المدارس كان صعبًا، بالنظر إلى وقوفهن أمامها بالعشرات، يراقبن أطفالهن وهم يدخلون إلى الساحات. وما إن سألنا إحداهن حتى زالت الدهشة، إنه الخوف الذي خلقته ظاهرة اختطاف الأطفال، خاصة أن اختطاف الطفلة نهال وقتلها، كان على بعد أيام فقط، وقد تحولت إلى قضية رأي عام.
لمسنا التخوف نفسه عند كل اللواتي حاورناهن. تقول أم سلمى: "حيرتي كبيرة، من جهة لا أستطيع أن أترك ابنتي الكبيرة تخرج وحدها، وهي نفسها باتت تخاف ذلك بعدما بلغتها قصة المرحومة نهال، ومن جهة أخرى يصعب علي أن أترك أختها الصغيرة في البيت أو أصطحبها معي، خاصة أن الأمر يفرض علي المرافقة أربع مرات في اليوم".
تحدثنا إلى أكثر من تلميذ وتلميذة، فلمسنا الخوف من الاختطاف لدى الإناث أكثر من الذكور، رغم أن معظم حالات الاختطاف التي عرفت إعلاميًا مسّت الذكور أكثر. تساءلت الطفلة صباح، تسع سنوات، "لماذا يحولون فرحتنا بالخروج إلى المدارس، إلى خوف منهم؟ هل هم وحوش أم بشر؟ كلما تصورت نفسي بين مخالبهم، فقدت الرغبة في الخروج".
أطفال كبار
لم يتخلف رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، من مختلف الشرائح والأعمار، عن مواكبة الحدث، إذ أقدموا على نشر صورهم عندما كانوا صغارًا، وصور أطفالهم وهم يلتحقون بالمدارس، خاصة أولئك الذين يفعلونها للمرة الأولى.
في السياق كتب الروائي سفيان مخناش "لم أشعر بالرغبة في أن أكون طفلًا مثلما حدث معي اليوم"، فيما فضّل مصطفى أبو سارة النظر إلى الواقع الجزائري من زاوية متفائلة: "أشعر بأن هناك الكثير من الأمل في الجيل الجديد، رغم القلق الذي يلفنا ومشاريع التقنيط التي تمارسها بعض الجهات، في المقابل هناك معلمون خصصوا وقتًا من عطلتهم لتطوير أساليبهم خلال العام الجديد".
اقرأ/ي أيضًا: