على قدر الحاجة لتسجيل وتوثيق قضايا كثيرة، لم تقم الدراما الفلسطينية بمهامها. حمل الفنانون الفلسطينيون كاميرا يتيمة، ومضوا بنصٍ ضعيف، وممثل هاوٍ، لتنفيذ أعمال ذات صبغة ألم ومعاناة. فلنكن واقعيين: صناعة الدراما تحتاج إلى تمويلٍ كبير وجيش من الفنيين والخبراء وممثلين محترفين، لكن لن تساعدهم حكومة ولا تنظيمات هنا. تلك الجهات الوحيدة ذات الإمكانيات المادية والخدماتية. في المقابل كان هناك وما يزال جهدًا جبارًا دراميًا وسينمائيًا لتحسين صورة الاحتلال الإسرائيلي من خلال أدوات صناعة الدراما والسينما.
بحكم خبرته الطويلة، يري المخرج والمنتج سعود مهنا أن مشكلة الدراما الفلسطينية تعود إلى أن العديد ممن انخرطوا في مجال الإنتاج على وجه التحديد لم يدركوا معنى الإنتاج الحقيقي في صناعة الدراما، والنتيجة الطبيعة لذلك حسب مهنا أن :"تخرج معظم مسلسلاتنا ضعيفة جدًا وباهتة مقارنة بالمسلسلات العربية". برأيه، لا توجد قاعدة حقيقية للدراما في فلسطين والأعمال الدرامية التي تم إنتاجها في فلسطين هي أعمال تقليدية وضعيفة في الإنتاج والتمثيل والإخراج وفى كل نواحي صناعة الدراما. يبدو قاسيًا لكنه صادق: " ما أنقذ الوضع الدرامي الفلسطيني لحدٍ ما، هو بعض الأعمال العربية التي تناولت قضايا فلسطينية مثل المسلسل الدرامي التغريبة الفلسطينية".
ويعرج مهنا إلى وجود العديد من المبدعين الفلسطينيين في العالم، لكن المهتمين بالدراما في فلسطين لا يهتمون بالتعاون مع هؤلاء المبدعين لأنهم قد يكلفونهم أموالًا كثيرة، وأيضًا كونهم لا ينتمون لتنظيماتهم، فهم يستثنون من الإشراف على الدراما.
بدوره، يقرأ المخرج الفلسطيني سعد كريم حال الدراما على نحوٍ مختلف: "من أهم أسباب ضعف الإنتاج الدرامي الفلسطيني طغيان النزعة التحريضية التثويرية الدعائية والسطحية في المعالجة، وعدم تناول القضايا من الجوانب الإنسانية، وعدم تقديم معالجات حقيقية، كل هذا أفقدنا التأثير".
يوجد العديد من المبدعين الفلسطينيين في العالم لكن لا أحد يدعمهم لأسباب سياسية
كريم، الناقد الفني ورئيس منتدى الفن الفلسطيني يعتبر أن الدراما حولت القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية ألم إنساني فقط، "لذا علينا أن نعمل بتوازن وفكر وذكاء في معالجة قضايا كبيرة دراميًا، وعلينا أن نبني استراتيجية لمواجهة استراتيجية أعدائنا الذين أدركوا خطورة هذا السلاح الناعم وتبنوه".
النظرة المستقبلية لدى كريم، ليست متشائمة، حيث يري أن الأعمال الفلسطينية الحالية يبشر تطورها بتغير ملموس في كل تفاصيل الإنتاج، لكنه يتدارك بالقول :"الأمر لايزال يحتاج جهودًا كبيرة لتطوير هذه الصناعة المهمة، وهذا يتطلب تشجيع الحالة النقدية للأعمال المنتجة، فالنقد أساس التطور ويثري الحالة الإنتاجية".
وفي السياق، يأسف المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه لكون ما قدم في الدراما الفلسطينية مجرد اجتهادات شخصية بعيدة عن الدراما الحقيقية، ولكون أهل الفن في فلسطين يبدأون من الصفر وليس من حيث انتهى الآخرون.. "فقدنا المؤسسة والاستراتيجية الواضحة لدراما فكرية يستحقها شأننا الفلسطيني". لكن أكثر ما يزعج النبيه هو التقيد بالصورة النمطية التي تظهر الفلسطيني دائمًا يعيش في حروب ومعاناة، وتبتعد عن تناول قضايا اجتماعية كثيرة، ويوضح النبيه الذي أخرج فيلم "عصفور الوطن" : "المجتمع الخارجي وضعنا في قالب واحد، و للأسف أي منتج ومخرج يريد تسويق عمله يرضخ لتلك الصورة، ينصاع لتنفيذ القالب الذي فرض علينا، وهو الصورة البكائية للمعاناة والحصار والاحتلال. هناك وجوه أخرى من حقنا أن نتكلم عنها، حتى الآن لم نجد شخصًا يطرح المنغصات التي يعيشها الشعب الفلسطيني، نريد الحديث عن أشياء كثيرة".
حلول ممكنة
يُجمع المختصون الثلاثة على أن المعضلة التي تعاني منها الدراما الفلسطينية، تنحصر في الحكومة والتنظيمات الفلسطينية، ويؤكد لنا المخرج مهنا أن السلطة الفلسطينية والتنظيمات لا يزال يتجلى همها في إنتاج أفلام توثق نشاطاتها وإنجازاتها بثمن بخس، "وهذا ما أبقى تلك الشاشة عاجزة عن التعبير وبعيدة عن المهنية والإبداع"، وعقب ضاحكًا :"قد لا يشاهد ما ينتج هؤلاء إلا العاملون بها ومن أنتجها". كما أن تلك الجهات حسب النبيه :"ساهمت بشكل قاتل في عدم قيام الكاميرا الدرامية بدورها، فهي تدخلت وفرضت أجندتها الفردية عليها، وفي النهاية قدمت شيء يخصها، والنتيجة أن الدراما لم تكن شمولية بل حزبية بعين واحدة". ويقترح النبيه إيجاد صندوق لدعم الدراما، وتبني الشباب الذي يمتلك أفكار رائعة، والأهم "أن يبدأ المخرج من حيث انتهى الآخرون وليس من الصفر". أما مهنا فيأمل أن يفكر المنتج الفلسطيني وشركات الإنتاج والمحطات الفضائية الفلسطينية بالارتقاء بالدراما الفلسطينية، بحيث يتم إنتاج حقيقي لمسلسلات وأفلام روائية بتقنية وإنتاج محترف، كما يتمنى مهنا أن تكون بفلسطين معاهد حقيقية لتعليم التمثيل والتصوير والإخراج.
اقرأ/ي أيضًا:
سينما من أجل الحرية