أصبح تلقي الدروس الخصوصية في الجزائر، أمرًا شائعًا يلتجئ إليه الطلبة والتلاميذ مهما كان مستواهم المعيشي، وذلك أملًا في تحسين المستوى الدراسي وتحصيل أعلى النتائج في الامتحانات الرسمية، لا سيما بالنسبة للطلبة المقبلين على اجتياز امتحاني الثانوية العامة/الباكالوريا ونهاية المرحلة الإعدادية، وهما امتحانان مصيريان يحددان مستقبل الطالب وتوجهه العملي.
اقرأ/ي أيضًا: الدروس الخصوصية.. هوس طلاب الثانوية العامة في غزة
انتشرت الدروس الخصوصية في الجزائر رغم وجود برنامج للدعم المدرسي أقرته الحكومة على مستوى المؤسسات التربوية
انتشرت الدروس الخصوصية في الجزائر، في الوسطين العائلي والتربوي، ورغم وجود برنامج للدعم المدرسي أقرته الحكومة على مستوى المؤسسات التربوية، إلا أن هذه الظاهرة تفاقمت وأخذت أبعادًا خطيرة في السنوات الأخيرة، تضر بسمعة التعليم ومستوى التلاميذ. تحولت الدروس الخصوصية من وسيلة دعم وتدارك للتلميذ إلى سلاح غش في الامتحانات بالتعاون مع بعض الأساتذة الذين يروجون لهذه الظاهرة لكسب أكبر قدر من "الزبائن"، بهدف تحقيق الربح المادي.
ورغم غياب قانون ينظم هذه الدروس، التي تعتبرها وزارة التربية غير مرخصة وغير شرعية، إلا أن هذا النشاط يشهد رواجًا واضحًا، يجني من ورائه الأساتذة ثروة هائلة لا تقارن بالراتب الهزيل الذي يتقاضونه نهاية كل شهر، ويفوقه بالنسبة لبعض الأساتذة بأضعاف المرات. يتراوح سعر أربع حصص دروس خصوصية أي ثماني ساعات في الشهر ما بين عشرة دولار بالنسبة للعائلات المتوسطة الدخل والفقيرة ويصل حتى خمسين دولارًا أو أكثر بالنسبة للعائلات الميسورة، والذين يختارون أكفأ الأساتذة وأكثرهم شهرة، من أجل تحسين مستوى أبنائهم ورفع مردودهم العلمي. وساهم تطور هذه الظاهرة في فتح الباب على مصراعيه، أمام فئات أخرى لتدخل هذا النشاط بغية جني مكاسب مادية، خصوصًا بالنسبة لفئة الطلبة الجامعيين والعاطلين من ذوي الشهادات العليا.
تعتبر العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء، وكذلك الفلسفة واللغات الأجنبية، أهم المواد التي يتلقى فيها التلاميذ دروسًا خصوصية، وكلها مواد تحتل مكانة كبيرة في "سلم التنقيط" ضمن المناهج التربوية الجزائرية، والحصول على نتائج محترمة فيها يضمن للطالب النجاح بسهولة.
يقول نصر الدين نواري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سطيف، لـ"ألترا صوت": "لفهم هذه الظاهرة يجب تحليل رؤية ثلاثة أطراف، الأولياء والتلاميذ والأساتذة، الذين انغمسوا جميعهم في هذا التوجه بحثًا عن المصلحة الشخصية، فالأولياء يرون أن الانخراط في تلقي الدروس الخصوصية هي الطريقة المثلى لنجاح أبنائهم، أما التلاميذ، فقد وجدوا في تلك الدروس ملجأ للهروب من الواجبات المنزلية والاجتهاد، زيادة إلى انجرارهم وراء المحاكاة وتقليد زملائهم، مما يعني أن الدروس الخصوصية أصبحت بالنسبة إليهم أمرًا ضروريًا بغض النظر إن كانوا يستفيدون من ذلك أو لا". ويتابع نواري: "أما الطرف الثالث في المعادلة، ونقصد بهم المعلمين والأساتذة، فالملاحظ أنهم اتخذوا من تلك الدروس مطية لتحقيق الأرباح".
يبرر"أحمد"، وهو أستاذ في مادة الرياضيات بإحدى الثانويات، تقديمه دروسًا خصوصية للطلبة: "الدروس الخصوصية عمل إضافي مكنني من تحمل أعباء البيت، أنا لا أقوم بعمل حرام أو غير شرعي يضر المجتمع، ومن حقي أن أحسن مستواي المعيشي، فلولا هذا النشاط لما تمكنت من شراء سيارة أو أثاث لبيتي، على اعتبار أن راتبي لا يكفي لتغطية جميع مصاريف العائلة".
تقدم الدروس الخصوصية في الجزائر في أماكن غير مهيئة ومهينة في الكثير من الحالات، يتكدس بداخلها عشرات التلاميذ، هي عادة مرائب سيارات أو أقبية عمارات سكنية، وتفتقر للكراسي والطاولات المناسبة وحتى للتهوية. ورغم ذلك، يدفع بعض الأولياء بأبنائهم لحضور هذه الدروس، وفيهم من يقبل بها إرضاءً لأبنائه، الذين أصبحوا يلجؤون إلى هذه الدروس من أجل الحصول على نماذج لأسئلة الامتحانات، وهو ما يضر بالعملية التعليمية ويقلل من قيمة الشهائد المقدمة.
وبمجيئها على رأس وزارة التربية، منذ فترة، شنت الوزيرة "نورية بن غبريت" حربًا على ظاهرة الدروس الخصوصية، إذ أعلنت عن تنصيب مجموعة عمل مكونة من جميع الأطراف المعنية بقطاع التربية، من أجل إيجاد حلول عملية لمكافحة هذه الظاهرة، بعد أن انتشرت عدواها إلى جميع الأطوار التعليمية ولم تعد تقتصر على التعليم الثانوي.
اقرأ/ي أيضًا: