22-فبراير-2016

بلطجة وداخلية.. رديفان في مصر (أ.ف.ب)

كان مشهد اقتحام وحرق أقسام الشرطة من أبرز المشاهد التي حدثت في أغلب المحافظات إبان ثورة "25 يناير"، دون تخطيط مسبق أو اتفاق معلن أو سري، أو تآمر من الشعب على الداخلية كما يدعون. اقتحام أقسام الشرطة والاعتداء على رجال الأمن هو الشيء الوحيد المشترك الذي يحدث في أي حراك ثوري مخطط له، أو مجرد حراك عفوي كرد فعل من الجماهير ضد بعض الانتهاكات الحاصلة بحقها، كما حدث مع أهالي الدرب الأحمر كرد فعل على قتل أمين شرطة لسائق أجرة من المنطقة.

حين يصبح المسؤولون عن تحقيق الأمن والعدل منتهكين لهما، يتجه الجمهور لانتزاع حقوقهم المسلوبة بأيديهم

دومًا تتجه الجماهير، فور وجود الفرصة الملائمة، نحو الأقسام محاولةً أخذ الحق بالقوة الذي طالما سُلب منهم باسم القانون، عندما يفقد الناس الأمل في عودة الحقوق، ويصبح المسؤولون عن تحقيق الأمن والعدل هم أنفسهم منتهكو الحقوق والحريات، وقتها يسود قانون الغابة ويتجه الأهالي لانتزاع حقوقهم المسلوبة وأخذ القصاص بأيديهم بعد أن ماتت دولة القانون.

حدث شجار بين أمين شرطة وسائق أجرة، فقام الأمين بكل بساطة بإطلاق الرصاص من سلاحه الميري على الشاب، وهو يعلم جيدًا أنه لن يحاسب، وكيف يحاسب وقد أعلنها رئيسه السيسي من قبل، أنه لن يتم حبس من يقتل المتظاهرين، وما أسهل أن يُقال على هذا الشاب أنه كان في تظاهرة أو حاول إثارة الشغب، أو حتى إرهابي خطير يهدد البلاد، وربما يكافئون أمين الشرطة بنوط الشجاعة.

لكن هذه المرة بالذات غضب الأهالي وثاروا ضد الظلم، واتجهوا نحو مديرية أمن القاهرة وحاصروها مرددين هتافات تزعج الداخلية ونظامها: "الداخلية بلطجية"، "موتونا.. موتونا"، "مش هنمشي"، "يا حكومة وسخة يا ولاد الوسخة".. هذه الحركات العفوية غير المتفق عليها هي ما تشعل فتيل الثورات، جموع الشعب غير المسيسة والمستحيل إلصاق تهمة بهم أو حسابهم على تيار سياسي معين، هؤلاء هم من يشعلون فتيل الثورة عندما يفيض بهم الكيل، ولا أحد يعلم متى يفيض الكيل بهؤلاء، ولماذا يغضبون على حادثة قتل فردية من النظام ولا يثورون ضد حوادث القتل والتعذيب الجماعية؟ هذه الجموع ليس لها "كتالوج" خاص بها، لا يفهمون السياسة ولا يمارسونها، ولكنهم في لحظة ما يقررون قلب الطاولة على الجميع.. ويفعلون.

درب الداخلية المصرية منذ الأزل هو درب أحمر مفروش بالدماء، تاريخ من الانتهاكات والتجاوزات ضد هذا الشعب، كأن وزارة الداخلية أنشئت خصيصًا من أجل قتل وتعذيب وهتك عرض المواطنين، ثم يخرج علينا اللواء المبجل أيمن حلمي، مدير إدارة الإعلام بوزارة الداخلية، ليعلن أن كل هذه الانتهاكات هي حالات فردية لا يمكن القياس عليها! 

سيادته لا يعلم أن الحالات الفردية التي يتحدث عنها تسببت خلال العام الماضي فقط في مقتل 700 حالة بسبب التعذيب في مقار الاحتجاز، و474 بسبب الاحتكاك بالأجهزة الأمنية، و464 حالة اختفاء قسري، و175 حالة تصفية فورية، و25 حالة وفاة بطلق ناري أثناء مسيرة، وأخيرًا 23 حالة وفاة بطلق ناري أثناء مشاجرة مع رجال الشرطة. 

لا قانون يحميك ولا قضاء ينصفك ولا دولة تهتم لأمرك، نحن الشعب المصري مجرد نكرة

هذه الإحصاءات حسب مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، الذي صدر أمر أمني ضده خلال الأسبوع الماضي بغلقه، والسبب واضح هو فضح كوارث الداخلية، وهذه ليست الحادثة الأولى، فأيضًا قامت الداخلية في إجراء وقائي قبل ذكرى "ثورة 25 يناير" بإلقاء القبض على الطبيب طاهر مختار من منزله وتوجيه تهمة محاولة قلب نظام الحكم، والسبب واضح، طاهر مختار الطبيب الذي كان يسعي لمحاربة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز، ولكن الداخلية تأبى أن تعالج المرضى، بل تأبى أن يتحدث أحدهم عن الانتهاكات الحاصلة ضد المحتجزين خاصة المعرضين للموت نتيجة الإهمال الطبي.

قتل المتظاهرين في الشوارع، وتعذيب المعتقلين، والاعتداء على السيدات، واغتصاب الفتيات، وتصفية المعارضين، وحبس كل من ينطق بكلمة ليست على هوى النظام، كل هذا وأكثر تنظر إليه الداخلية المصرية على أنه حالات فردية لا يمكن القياس عليها، هل يعلم حضرة الضابط، أننا عندما نتحدث عند ضابط "محترم" حسب الوصف المصري، فنقول إن الضابط الفلاني هو صحيح ينتمي للداخلية ولكنه في قمة الاحترام وليس مثلهم أبدًا، وهذه هي الحالات الفردية الحقيقية، فرد وحيد وسط الجموع الظالمة، يقتلون الناس ويكسرونهم ويسجنونهم ويعذبونهم وينتهكون خصوصيتهم ويهتكون عرضهم، ثم عندما يخرج هذا الكره على هيئة غضب شعبي ويحاول الناس استعادة ولو جزء بسيط من كرامتهم المهدورة وفش هيجانهم في حرق الأقسام، يغضب الضباط ويطلقون على الشعب ألقاب البلطجية والإرهابيين، هؤلاء البلطجية والإرهابيون ما هم إلا نتيجة لما فعلتموه، أنتم لا تحمون الأمن بل تصنعون الإرهاب.

الحديث طويل عن درب الداخلية الأحمر المفروش بالدماء، ولا يكفيه مئات المقالات، ولكن يكفي أن يعلموا، أننا نشعر بالخوف عندما نمر على كمين أو لجنة مرورية، رغم أننا "ماشيين في السليم وجنب الحيط"، ولكن في مصر لا أمان في وجود أفراد الأمن، قديمًا قالوا "من لزم بيته فهو آمن" أمّا اليوم، فحتى من لزم بيته لم يسلم ولم يأمن من تنكيل الداخلية، أنت غير آمن لا في الشارع ولا في المنزل ولا في العمل ولا في أي مكان، أينما كنت تطولك أياديهم المتسلطة، لا قانون يحميك ولا قضاء ينصفك ولا دولة تهتم لأمرك، نحن الشعب، بالنسبة لهم، مجرد نكرة ولا أكثر!

اقرأ/ي أيضًا:

"دربكة" مات.. انتظروا "جمعة الغضب"!

توحش الشرطة المصرية (1).. محمية الميري

الشرطة المصرية (2).. عقيدة الفشل

سجن العقرب .. ماذا يحدث في جوانتانامو مصر؟