الحصاد المر.. هكذا يمكن تسمية موجز العام الحقوقي في السعودية، حيث إن جل ما نجح فيه ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، كان مزيدًا من القمع والإسكات، حتى بات المال السعودي معروفًا في المحافل الدولية وفي أوساط اللوبيات والمجموعات الضاغطة، بأنه بالضرورة ثمن لصمت الدول عن تحدي النظام السعودي ومواجهته بانتهاكاته الإنسانية الجسيمة ضد المعارضين والنشطاء. نجح هذا المال أحيانًا، لكنه لم يكن كافيًا في أحيان أخرى كثيرة، ليس آخرها ما حدث بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول قبل أشهر.
كل ما نجح فيه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كان مزيدًا من القمع والإجرام
مقاطعة مفتعلة لكندا، وفضيحة اغتيال صحفي مرموق في إحدى قنصلياتها، وحرب طويلة تتناقل وسائل الإعلام اليومية صور أطفالها البارزة عظامهم بسبب حصار الرياض لهم، وجرائم بالجملة بحقهم حتى تم الإعلان مؤخرًا أن ما يربو على 85 ألف طفل يمني ماتوا من الجوع والمرض في حرب لم يجد أحدٌ من المحللين السياسيين أو المراقبين سببًا وجيهًا لاشتعالها حتى الآن؛ هكذا تترك إدارة ولي العهد المثير للجدل سنة 2018، وتستقبل غيرها.
محمد بن سلمان.. رفع سقف القمع السعودي
باتت التقارير الحقوقية الدولية تربط ارتفاع وتيرة القمع ضد النشطاء والمعارضين في السعودية بوصول ابن سلمان إلى سدة الحكم، فهو ولي العهد والحاكم الفعلي في البلاد حيث تعلق صورته في الميادين إلى جوار صورة أبيه.
اقرأ/ي أيضًا: تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع
تذكر منظمة هيومان رايتس ووتش في واحد من تقاريرها عن حصاد ابن سلمان المُر أنه منذ تم الإقرار برفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات "في 24 يونيو / حزيران، بدأت السلطات السعودية في اعتقال ناشطات حقوقيات بارزات، متهمة العديد منهن بجرائم خطيرة مثل الخيانة التي يبدو أنها مرتبطة مباشرة بنشاطهن النسوي. وبحلول أيلول/ سبتمبر، ظلت تسع نساء على الأقل محتجزات دون تهمة، رغم أن بعض التهم المنتظرة يمكن أن تصل إلى السجن لمدة تصل إلى 20 عامًا.
في سياقات أخرى تذكر المنظمة أن أكثر من اثني عشر ناشطًا بارزًا آخر قد أدينوا بتهم تخص نشاطاتهم التي وصفها التقرير "بالسلمية"، ومنهم من يقضون أحكامًا بالسجن لمدد طويلة. مثل وليد أبو الخير، وهو محام في مجال حقوق الإنسان يقضي حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا فرضته المحكمة الجنائية المتخصصة في عام 2014، بسبب انتقاده السلمي لانتهاكات حقوق الإنسان في مقابلات وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وتذكر المنظمة أيضًا أنه في هذا العام، كانت السلطات السعودية قد بدأت بالسعي إلى فرض عقوبة الإعدام ضد المنشقين في المحاكمات التي لم تتضمن اتهامات بالعنف، بما في ذلك دعم الاحتجاجات والانتماء المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين. وهناك عدد قليل من الرجال ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بسبب ارتكابهم جرائم عندما كانوا أطفالًا.
تتحدث منظمة العفو الدولية أيضًا على موقعها عن انتهاكات أخرى، حيث تذكر أن موسى الغانم وخالد الغانم وإسراء الغمغام وأحمد المطرود وغيرهم قد تم جلبهم إلى الرياض لمحاكمتهم محاكمات جماعية من قبل المحكمة الجنائية المتخصصة، حيث سيتم النظر في قضيتهم في كانون الأول/ يناير القادم 2019، وذلك على خلفية مشاركتهم في المظاهرات التي وقعت في القطيف، كما وُجهت لهم اتهامات بالتعاون مع دول أجنبية والسفر لها (إيران) من أجل تلقي تدريبات نظرية حول كيفية تنظيم أعمال الشغب، بل إن بعضهم وُجهت له تهمة دعم القائمين بأعمال الشغب بسبب حضورهم لمآتم القتلى من المشتركين في هذه المظاهرات، وقد دعت النيابة العامة السعودية إلى توقيع أقصى عقوبة بموجب المرسوم الملكي رقم 44 أ، الذي يقضي بعقوبة تصل إلى 20 عامًا في السجن. والخمسة الذين تم القبض عليهم في هذه المظاهرات تم اعتقالهم قبل محاكمتهم بثلاث سنوات، منهم إسراء الغمغام و زوجها اللذين تم اعتقالهما في أواخر عام 2015.
انتهاكات مروعة بحق المحتجزات من النساء
"كن يتمنين الموت ومنهن من حاولت الانتحار بالفعل"، هكذا أوردت تقارير عديدة عن نساء محتجزات في السجون السعودية. ففي 6 حزيران/ يونيو، اعتقلت السلطات السعودية الكاتبة والناشطة نوف عبد العزيز، التي عبّرت علنًا عن تضامنها مع ثلاثة من ناشطات حقوق المرأة من اللاتي قُبض عليهن في أيار/ مايو ، إلى جانب 14 ناشطًا ومؤيدًا آخرين على الأقل. في 10 حزيران/ يونيو، اعتقلت السلطات مايا الزهراني، وهي ناشطة وصديقة لنوف عبد العزيز، بعد أن نشرت رسالة بناء على طلب نوف عبد العزيز في حالة اعتقالها. في الخطاب الموجه إلى زملائها السعوديين، أوضحت نوف عبد العزيز من هي، مؤكدة أنها لم ترتكب أي جريمة: "أنا لست مدخنًة، ولا مخربًة، ولا إرهابيًة، و لا مجرمة أو خائنة... لم أكن أبدًا. ولكني مواطنة صالحة تحب بلدها وتتمنى له أفضل ما يمكن".
وفي وقت سابق كانت هيومان رايتس ووتش قد نشرت بيانًا حول ما تتلقاه النسوة المعتقلات من أساليب تعذيب وانتهاكات شملت الجلد بالعقال والتحرش الجنسي والصدمات الكهربائية، كما أفادت مصادر خاصة للمنظمة أن الرجال المسؤولين عن إساءة معاملة النساء هم من "الأمن السيبراني"، وهي إشارة محتملة إلى ضباط يعملون تحت سلطة مستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني، الذي تم فصله، بحسب مرسوم ملكي، لدوره في مؤامرة قتل خاشقجي.
"كن يتمنين الموت ومنهن من حاولت الانتحار بالفعل"، هكذا أوردت تقارير دولية عديدة عن نساء محتجزات في السجون السعودية
كان القحطاني، المعروف بكونه منفذ أعمال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يشغل من قبل منصب رئيس مركز الدراسات والإعلام في البلاط الملكي، بالإضافة إلى الاتحاد السعودي للأمن والبرمجة على الإنترنت. ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد وجه القحطاني حملات على الإنترنت ضد النقاد السعوديين، ووضع "قائمة سوداء" من المنتقدين لاستهدافها. وهو معروف في الدوائر الدبلوماسية باسم "أمير الظلام". كما قال أحد المصادر لهيومان رايتس ووتش، إن إحدى المدافعات عن حقوق النساء المحتجزات قالت إن أحد كبار المسؤولين حضر عدة جلسات لتعذيبها وهو يرتدي قناعًا، وقد هددها أثناء تلقيها لتعذيب الجلسات الكهربائية بالاغتصاب دون أن ينفذ تهديده. وقال أحد المصادر إن المحققين حاولوا ترويع وترهيب إحدى النساء المحتجزات بالقول لها إن إحدى زميلاتها قد تم قتلها. وإن واحدة على الأقل من النساء حاولن الانتحار عدة مرات.
اقرأ/ي أيضًا: صحف عالمية: الأزمة مع كندا أظهرت الوجه الحقيقي لابن سلمان!
في أعقاب التحقيقات، قالت المصادر إن النساء أظهرن علامات جسدية للتعذيب، بما في ذلك صعوبة في المشي، وارتعاش وعدم تحكم في اليدين، وكدمات على الفخدين، وعلامات حمراء وخدوش على وجوههن وأعناقهن.
خاشقجي .. باب الحجيم الذي فُتح على ابن سلمان
منذ عملية قتل الصحفي السعودي المعروف جمال خاشقجي في الثاني من تشرين الثاني/ أكتوبر في القنصلية السعودية بتركيا، وولي العهد يواجه عزلة عامة، يظهر في قمة العشرين منبوذًا يتجنب معظم زعماء العالم حتى مصافحته. التفاصيل التي تناقلتها وسائل الإعلام عن الرجل كانت كثيرة، ويبدو أن مقتله حرك الضغوط على النظام السعودي في عدة قضايا أهمها حرب اليمن.
منذ وقوع الجريمة، تداعت ردودد الأفعال عالميًا محرجة النظام السعودي، حيث أعلنت ألمانيا والسويد تعليق صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية، ويواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، و إدراته التي دافعت عن تمسكها بصفقات الأسلحة مع المملكة، أزمة انقسام داخلي كبيرة حول تلك السياسة، قد تؤدي إلى تعديلها بطريقة ما في النهاية خاصة بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.
الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية هي واحدة من بعض الدول في العالم التي لم توقع أو تصادق على المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان، على الرغم من أن الممثلين السعوديين ادعوا منذ عام 2009 أن التصديق قيد النظر.
اقرأ/ي أيضًا:
"الذهب الأسود" على حافة فقدان اللقب
اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟