كان أمس الإثنين، الثالث من حزيران/يونيو الجاري، يومًا طويلًا انقضى على السودانيين، وترك وراءه عشرات القتلى ومئات الجرحى، في مجزرة أراد القائمون عليها في المجلس العسكري، فرض حل قسري للمسار السياسي المتعثر في البلاد، وإعادته إلى المربع الأول، أو ربما إلى ما هو أسوأ، مع امتيازات أكثر يحظى بها محور الثورة المضادة عربيًا.
اتضحت التفاصيل جميعها، في الخظ الناظم بين صور حميدتي في السعودية والبرهان في القاهرة، وبين صور عشرات الشباب السودانيين، يغرقون في دماء أراد العسكر من سفكها، قتل الربيع السوداني الجنين
جاء المشهد في البلاد وكأنه يبدو مرتبًا في الأسابيع الماضية. زيارات متتالية لزعماء المجلس العسكري إلى كل من الرياض ومصر، وتنسيق مع السعودية أفصح عن النوايا المكشوفة للانقلاب على نتائج الحراك الشعبي، الذي أسقط السودانيون به عشرات الأعوام من الاستبداد. أما ما ستؤول إليه الأوضاع بعد أيام من ذلك، فقد كانت تجارب عربية سابقة لأنظمة مدعومة من نفس العواصم الناقمة على التغيير، تشي بأن مجرزة دموية تلوح في الأفق السوداني، الذي لا ينفك الدم يشوش وضوحه.
اقرأ/ي أيضًا: المجلس العسكري يفض اعتصام السودان بالقوة.. والشارع يرد بالعصيان الشامل
بدا الوضع في السودان بعد سقوط البشير، وكأنه يسير إلى منحى إصلاحي، تقتنع فيه المعارضة بتغييرات حاسمة وضرورية داخل بنية النظام، ويرضى الجيش خلاله بأدوار محدودة، في فترة انتقالية طال الجدل حول تفاصيلها. وعود وراء أخرى قطعها العسكر في السودان، سواء بالحياد عن العملية السياسية أو بعدم السعي إلى الحكم أو السيطرة على السلطة، جعلت بعض التواقين إلى التغيير في المنطقة، غير المنتبهين إلى تجارب شبيهة عربيًا، على وشك التصديق.
لا يمكن الجزم بأن الجيش كان عازفًا عن الحكم فعلًا، أو زاهدًا بالسلطة، وربما يصعب تصديق ذلك، لكن المتابع لما جرى في السودان يعرف أن ثمة شيئًا تغير خلال الأيام الماضية. كانت مواقف المجلس العسكري على عكس المسار المفترض في هذه النوع من المفاوضات، تصبح معقدة أكثر وأكثر، غير مستعد لتقديم أي تنازلات أو ضمانات للناس أو للمعارضة، وكأنه أدرك فجأة أن في يديه ورقة رابحة جديدة. انتهى الوضع بسبب ذلك إلى أزمة عصية، استقوى بها تجمع المهنيين بالشارع الذي آمن به لكن بشروط. في مقابل ذلك، كان ما يستقوي به رفاق عبد الفتاح وحميدتي جليًا، بعد أن أشارت بوصلتهم إلى الرياض وأبوظبي والقاهرة؛ هناك حيث يجد كل مستبد معارض للتغيير مكانًا.
هكذا بدأت القصة، التي وعد السودانيون أنفسهم وشهداء انتفاضتهم، بأنها لم تنته. اتضحت التفاصيل جميعها، في هذا الخظ الناظم بين صور حميدتي في السعودية والبرهان في القاهرة، وبين صور عشرات الشباب السودانيين، يغرقون في دماء أراد العسكر من سفكها، قتل الربيع السوداني الجنين.
اقرأ/ي أيضًا: حراك السودان ومعركة الحكومة المدنية.. تحولات حاسمة
كان السودانيون المعتصمون في الشوارع وساحات المدن، يعرفون أن لا أحد سينهي هذه المأساة، وأن الانشغال بدور الضحية لن يكون مجديًا أمام نظام بهذا البطش، وعالم يرى مجزرة تلو أخرى دون أن يتحرك. راح التصعيد إلى تصعيد مضاد، وطالبت المعارضة السودانية باحتجاجات أوسع، وبعصيان مدني شامل، ربما نتيجة إدراك متواصل بأن من يقتل أكثر من ثلاثين مدنيًا في ساعات، لن يكون معنيًا بأي تحول ديمقراطي.
انتهى الإثنين الأسود في السودان بمجرزة، لكنه انتهى إلى إيمان أعمق بأهداف الثورة، وربما بطرائق إنجازها. وبدأ في البلاد توقيت جديد، يتمايز به مناصرو التغيير من الواقفين ضده وتصنعه الحناجر الهاتفة للثورة
انتهى الإثنين الأسود في السودان بمجرزة، لكنه انتهى إلى إيمان أعمق بأهداف الثورة، وربما بطرائق إنجازها. وبدأ في البلاد توقيت جديد، يتمايز به مناصرو التغيير من الواقفين ضده وتصنعه الحناجر الهاتفة للثورة. هكذا كان حزن السودانيين على ضحايا المجزرة محكومًا بقواعد المجرم الذي ارتكبها، لكن فرحهم بالعيد لن يكون كذلك، بعد أن أعلن تجمع المهنيين أن هذا العيد سيكون الثلاثاء، لا الأربعاء حسب إعلان المجلس العسكري.
اقرأ/ي أيضًا:
الشارع السوداني يستكمل انتفاضته بعد بيان الجيش
مليونية الدولة المدنية.. قطار الثورة السودانية يشق طريقه الوعر