ليس غريبًا، أن يأتي حظر موقع العربي الجديد في مصر، بعد أن تكون كل من السعودية والإمارات قد سبقته في ذلك. يصلح ذلك كمجاز مبتذل تمامًا، من فرط مباشرته، عن الثورة العربية المضادة التي تتحمس لها السعودية والإمارات قبل أي أحد، فيما تنضم مصر إليها بعد أن تكون تأكدت أن ظهرها محمي بالدولتين، اللتين يمكنهما، بما تملكان من قوة اقتصادية ودبلوماسية، أن تقتلا أي إمكانية دولية للضغط عليهما في الملفات الحقوقية.
لا يعتبر حجب المواقع الإلكترونية شائعًا في مصر، ما يعزز أن حظر العربي الجديد لم يكن قرارًا مصريًا خالصًا، وأنه جاء استغلالًا للحجب الخليجي للموقع
عادة لا يعتبر حجب المواقع الإلكترونية من الأدوات الأمنية كثيفة الاستخدام في مصر، ما يعزز احتمالية أن يكون حظر الموقع ليس قرارًا مصريًا خالصًا، وإلا فهناك بالتأكيد عشرات المواقع الأخرى والتي يمكن تصنيفها على أنها أكثر جذرية في معارضتها للنظام كما أنها محسوبة بشكل مباشر على الإخوان المسلمين أعداء النظام الأساسيين، ولم يتم حجبها مع ذلك.
لذلك لا يعدو أن يكون حظر الموقع إلا نتاجًا لأحد السببين، إما طلب خليجي مباشر للسلطة في مصر، بأن تحذو خطاها في حجب الموقع، وإما -وهو السيناريو الذي أرجحه- أن يكون النظام المصري استغل حجب الدولتين للموقع، وحجبه هو الآخر، لاعتقاده أنه لن يحظى بالكثير من اللوم على ذلك، وأن بإمكانه أن يحيل أي اعتراضات بشأن حقوق الرأي والتعبير، إلى السعودية والإمارات، كونهما سبقتاه في هذا القرار، وتستطيعان بسهولة أن تخمدا -بقوة البترول وصفقات السلاح- أي اعتراضات عليهما. يكاد يكون ذلك الموقف تلخيصًا وافيًا لعلاقة السلطة في مصر، بداعمَيها الخليجيَين.
أكثر من تابع، أقل من شريك
لا يحتاج المرء لكثير من الجهد ليرى أن كلا من قيادتي السعودية والإمارات، تشتركان في حمل عداوة جذرية مع "الربيع العربي" بمجمله. وتشعران بجرح نرجسي كونه قد حدث، وأنهما تنفستا الصعداء حين تمكن الجيش في مصر، من إخماد الثورة المصرية، وقدمتا له في سبيل ذلك كل ما كان يحتاج إليه للاستمرار.
لا يعني ذلك صحة النظر لنظام السيسي كمجرد تابع للدول الخليجية التي دعمته اقتصاديًا لتلافي حدوث انتكاسة اقتصادية بعد إطاحته بنظام الإخوان من الحكم، كما دعمته دبلوماسيًا، لتخفيف الضغط الأوروبي والأمريكي عليه، بعد الانقلاب، وتمييع أي خطوات دولية من شأنها التأثير على قدرته على قمع معارضيه.
يمتلك السيسي ونظامه، قناعاتهم الخاصة، المنطلقة من موقعهم الصراعي داخل مصر، وحربهم على الإخوان وقوى ثورة يناير، وينظرون لعلاقات مصر الدولية، كجزء من هذا الصراع، لكن النظام المصري الذي يعلم جيدًا، حجم قوته الاقتصادية والدبلوماسية الضئيلة جدًا، لا يمكنه أخذ أي خطوة قوية إلا متظللًا بمن يعتقد فيهم أنهم قادرون على حمايته.
صحيح أن الحماسة السعودية لتحجيم الربيع العربي، خفتت بعض الشيء، بعد وفاة الملك عبدالله ومجيء الملك سلمان، وبعد تورطها في حرب اليمن، وتعقد الموقف السوري، والاقتراب مع تركيا، وصحيح كذلك أنه بمرور بالوقت أصبحت كلا من السعودية والإمارات تطرحان أسئلة شبه علنية حول مدى استفادة مصر كبلد من كل تلك المساعدات الضخمة التي تم تزويدها بها في فترة ما بعد مرسي، لكن في اللحظات الحرجة، تضع المملكة أي اعتراضات تفصيلية مثل تلك وراء ظهرها لتلقي بكل ثقلها خلف السيسي، حين يبدو لها أنه يحتاج فعلًا إلى ذلك.
لم تستفد السعودية شيئًا من السيسي لدعم رؤيتها الاستراتيجية في المنطقة، بل يمكن القول أن مصر والسعودية، تنتميان لمعسكرين مختلفين تمامًا فيما يتعلق بتحيزاتهما السياسية في المنطقة، ورغم الدعم السعودي الكامل للسيسي، لم يتورط الأخير بشكل حقيقي في حرب اليمن، لأنها على النقيض من استراتيجيته التي تستند على محاربة الإسلام السياسي حصرًا.
النظام المصري، يستفيد من الدعم السعودي السخي له، دون أن يعطي آل سعود أي شيء في المقابل، سوى أنه يظل محافًظا على شهوة قتل الربيع العربي
كما لا يشارك السيسي السعودية موقفها من الحرب في سوريا، وموقفه أقرب للموقف الروسي الداعم للأسد. وعليه فالنظام المصري، يستفيد من الدعم السعودي السخي له، دون أن يعطيها أي شيء في المقابل، سوى أنه يظل محافظًا على رغبتها في قتل الربيع العربي، وهو التفسير الوحيد لاستمرار دعمها له، بجوار عدم رغبتها في تحويله إلى عدو لها تكون هي من صنعته بأيديها.
على التضاد من السعودية، يتشارك السيسي نفس الرؤية الاستراتيجية تمامًا مع الإمارات، التي تخوض حربًا بلا هوادة ضد الإسلام السياسي، والداعمة بشكل كامل، لأي محاولات لهزيمته، وهي لذلك لا تشترك مع السعودية في الموقف من سوريا، كما أنها رغم اشتراكها في حرب اليمن، تظل مهجوسة بكيفية التخطيط لمنع أن ينتج عن تراجع الحوثيين أي تمدد لحزب الإصلاح، كما كانت مع مصر، أبرز الداعمين المتحمسين لمحاولة حفتر الانقضاض على إخوان ليبيا.
أي شيء ما عدا الثورة
بشكل عام، يمكن إجمال القول، أن النظام المصري يعرف جيدًا ضآلة قوته الدولية، فقد أتى بعد أن أطاح بسابقه بقوة السلاح، كما يمتلك ملفًا شديد السوء بخصوص الحريات وحقوق الإنسان، ونظرته الضيقة جدًا للعالم كصراع بينه والإسلاميين، لا تصلح كفلسفة للعلاقات الدولية، لذلك يجد نفسه، مضطرًا للاحتماء خلف داعميه الإقليميين، الذين يعرفون تمامًا كل مساوئه، والتي في حالة السعودية مثلا أضرت جدًا بموقفها الإقليمي، لكن يصبرون عليه، لأنه يظل أهون كثيرًا من عدوهما المشترك الأكبر: الثورات العربية.
اقرأ/ي أيضًا: