تُحدد "أجندة 47" لحركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (ماغا) أسس سياسة الرئيس الجمهوري المُنتخب، دونالد ترامب، للسنوات الأربعة القادمة. إنها صورة مصغّرة عن التحوّلات التي ستشهدها العاصمة واشنطن. تعهّد الملياردير المثير للجدل بأنه سيوقع على عشرات الأوامر التنفيذية في أول أيام إقامته في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير المقبل.
يُعرف أيضًا عن ترامب أنه سيلجأ إلى سياسة الانتقام من خصومه السياسيين. وبالفعل يعمل أعضاء من فريقه الانتقالي على بحث إمكانية محاكمة ضباط سابقين وحاليين شاركوا في الانسحاب الأميركي من أفغانستان بتهمة "الخيانة"، محاولة تُقرأ برد غير مباشر أو أوليّ على محاولة الديمقراطيين عزله مرتين في الكابيتول هيل.
اختبار الولاء للترامبوية
يُمكن القول إن "الأغلبية الضئيلة" التي حصل عليها الجمهوريون في مجمع الكابيتول، 53 مشرعًا في مجلس الشيوخ جنبًا إلى جنب مع 218 نائبًا في الكابيتول هيل، ستساعدهم على تمرير بعض المشاريع التي لا يحتاج مرورها 60 مقعدًا في مجلس الشيوخ، ومثلها 255 مقعدًا في الكابيتول هيل. على سبيل المثال، يمكن لترامب ضمان تصويت مجلس الشيوخ على الأسماء التي رشحها لتولي مناصب في إدارته، لأنه يمكن تمريرها بـ50 صوتًا.
من المتوقّع أيضًا أن يواجه ترامب معارضة جمهورية "أكثر اعتدالًا" في الكابيتول هيل، مصدرها النواب أصحاب القاعدة الانتخابية الضعيفة
تُمثل هذه الترشيحات التحدي الأول لاختبار ولاء الجمهوريين للحركة الترامبوية "ماغا"، ويرجع هذا التحدي إلى اعتراض بعض المشرعين الجمهوريين على ترشيح النائب، مات غيتز، لمنصب النائب العام/وزير العدل، اعتراض مردوده إلى تحقيقات كشفت أن غيتز دفع مبلغًا ماليًا لامرأتين كانتا شاهدتان في تحقيقات سوء سلوك جنسي أجراها الكابيتول هيل ووزارة العدل ضده. يعترف ترامب بأن فرص موافقة الجمهوريين على غيتز قليلة، لكنه يقول أيضًا إن لديه الكثير من الأسماء البديلة، وأنهم سيوافقون على المرشحين والمرشحات الآخرين.
يعطينا تقرير لموقع "US Today" لمحة خاطفة على بودار تشكل معارضة جمهورية ضئيلة في مجمع الكابيتول، مصدرها الاعتراض على ترشيح غيتز لمنصب إداري، يقف في صفها مشرعين من المجلسين. منها من هم معروفين بمعارضتهم القديمة لترامب، مثل المشرعتين ليزا ماركوفسكي وسوزان كولينز، ومنها من يحاولون الحفاظ على مقعهدهم في انتخابات 2026، مثل توم تيليس، المتوقع تصويتهم على رفض غيتز. من الواضح أن ما ينتظر ترامب مع بدء ولايته الثانية مواجهة مباشرة مع المعارضة الجمهورية.
من المتوقّع أيضًا أن يواجه ترامب معارضة جمهورية "أكثر اعتدالًا" في الكابيتول هيل، مصدرها النواب أصحاب القاعدة الانتخابية الضعيفة، الذين عليهم خوض انتخابات التجديد النصفي بعد عامين، وهو ما قد يُعرض الجمهوريين لخسارة "الأغلبية الضئيلة". وبالتأكيد يوجد أيضًا نواب أثاروا غضب ترامب سابقًا. لكن العقبة الأكبر ستكون كولينز، التي ترأس لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ، الأمر الذي قد يؤخر تمويل التشريعات التي يريد ترامب تمريرها، خاصة أنها "اكتسبت خبرة كبيرة بعد عملها مع رؤساء من كلا الحزبين"، بحسب قولها.
معارضة جمهورية أخرى تنتظر ترامب، ممثلها قلة من المشرعين الجمهوريين الذين يتقابلون في برامجهم الانتخابية مع نظرائهم الديمقراطيين، والحديث هنا عن القضايا الرئيسية، من بينها خطاب ترامب المناهض للهجرة، وحق الإجهاض، بالإضافة إلى تأييد المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ودعم مشاريع التغير المناخي. هذا التقابل يدفع بعض الديمقراطيين إلى الاعتقاد بأن هؤلاء المشرعين قد يقفون إلى جانبهم ضد ترامب، ويستندون في هذا الاعتقاد إلى توقيع 18 نائبًا رسالة حثّت رئيس الكابيتول هيل الجمهوري، مايك جونسون، على عدم إلغاء قانون خفض التضخم الذي سنّه الديمقراطيون.
شكك #ترامب لأكثر من مرة أثناء حملته بالتغيّر المناخي، واصفًا إياه بأنه "خدعة كبيرة"، كما أنه سخر من مشاريع الطاقة البديلة بينها قانون خفض التضخم الذي أقره الديمقراطيون لدعم مشاريع الطاقة النظيفة.
اقرأ أكثر: https://t.co/nlBZTvypvt pic.twitter.com/oslNTO5aJW
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 13, 2024
الترامبوية أمام خيارين
يتوقّع أستاذ القانون في جامعة بيل، بروس أكيرمان، أن يحثّ الجمهوريون قادة مجمع الكابيتول على تأجيل التصويت على تشريعات "ماغا" إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي في عام 2026، وهو ما يصفه بـ"التأخير الانتخابي". وفي المقابل سيكون لدى الجمهوريين عام 2027 لتشريع مقترحات القوانين التي بنى عليها ترامب حملته الانتخابية، وهو ما سيجعلهم يستفيدون من زخمها في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2028. لكن هذا الخيار سيصطدم بـ"التذمر الصبياني" الذي يميز نهج ترامب في إدارة البيت الأبيض، قد يصل إلى حد وصفهم بـ"الخونة".
على هذا الأساس، يرجح أكيرمان واحدًا من هذين السيناريوهين. يقول السيناريو الأول إن المشرعين الذين يخشون ترامب قد يوافقون على تمرير قوانين "ماغا" عبر الكابيتول هيل قبل انتخابات 2026، وهو ما سيجعلهم هدفًا سهلًا لخصومهم الديمقراطيين في حملاتهم الانتخابية، خاصة مع إلغاء وإضافة قوانين ضريبية سيكون لها تأثير على الطبقة المتوسطة. بينما يدور السيناريو الثاني في سياق تمسك نسبة لا بأس بها بخيار تأجيل سن القوانين إلى ما بعد انتخابات 2026، الأمر الذي سيجعل قادة الحزب يلجأون إلى "التأخير الاستراتيجي". لكن حتى هذا السيناريو قد يؤثر عكسًا على إعادة انتخابهم مرة أخرى، نظرًا لما يمكن أن تؤثر هجمات ترامب الشخصية على المشرعين على خيارات الناخب الجمهوري.
يمكن القول إن الإثارة والفوضى التي شهدها البيت الأبيض في ولاية ترامب الأولى، بدأت تتبلور ملامحها قبل استلامه مهامه رسميًا، ومن المؤكد أنها ستطال مجمع الكابيتول أيضًا. إذ يصف النائب الجمهوري، توني غونزاليس، كواليس قاعات مجمع الكابيتول في تصريح لشبكة "NBC News" بأنها "كانت دائمًا مكانًا فوضويًا، وستبقى دائمًا مكانًا فوضيًا"، مضيفًا أن "أي شخص يعتقد أن الأمور ستكون سهلة لم يقضِ يومًا واحدًا متجولًا في هذه القاعات"، وهو ما يجعلهم "يربحون الكثير، ويخسرون الكثير أيضًا".