نظم الصحفيون التونسيون يوم الجمعة، وقفات احتجاجية حاملين الشارات الحمراء، فيما خصصت عديد وسائل الإعلام مساحة بعنوان "الصحافة التونسية في غضب"، استجابة لدعوة نقابة الصحفيين احتجاجًا على "الحملة التي تشن على الصحفيين من قبل الأجهزة الرسمية".
نظم الصحفيون التونسيون وقفات احتجاجية خلال ما عرف بـ"يوم غضب الصحافة التونسية" احتجاجًا على الانتهاكات الأمنية المستمرة
وكانت النقابة قد قررت مقاطعة أنشطة كل من وزارة الداخلية والنقابات الأمنية التي تورطت قياداتها في ما سمّيت بـ"حملات التحريض والتشويه ضد الصحفيين".
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. صحافيون بلا حقوق
كما وجهت النقابة رسالة مفتوحة إلى الرؤساء الثلاث، أي رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، تندد فيها بـ"السياسة الممنهجة لاستهداف الصحفيين وحرية الصحافة والتعبير في تونس"، وذلك مع إعلان النقابة عزمها إبلاغ المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير لدى منظمة الأمم المتحدة، بالتطورات الأخيرة.
انتهاكات مستمرة.. والداخلية في قفص الاتهام
وتتهم نقابة الصحفيين وزارة الداخلية بسعيها للعودة لتكميم أفواه الصحفيين، والمس من حرياتهم، وذلك على خلفية تصاعد شكاوى الصحفيين من التضييق عليهم أثناء أداء مهامهم، بل تحدثت النقابة عن عديد الشكاوى من صحفيين حول عودة المراقبة الأمنية لأماكن سكنهم، ومقرات عملهم.
وارتفعت حالة الغضب داخل القطاع الصحفي مؤخرًا، إثر جلسة استماع لوزير الداخلية لطفي براهم، أمام لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، قبل نحو أسبوع، تحدث خلالها عن التقاط اتصال بين صحفي وأحد المحتجين إبان الحراك الاحتجاجي الذي عرفته البلاد الشهر الماضي، تم على إثره استدعاء الصحفي للتحقيق قبل إطلاق سراحه، وهو ما اعتبرته نقابة الصحفيين اعترافًا بشكاويها السابقة بوجود تنصت غير قانوني على الصحفيين.
وما زاد الاحتقان في صفوف الصحفيين والناشطين عمومًا، هو حديث الوزير -الذي تنتقده المعارضة منذ ما قبل تعيينه حينما كان مديرًا لجهاز الدرك وذلك على خلفية علاقته برجل أعمال نافذ مقرب من حزب نداء تونس- في جلسة الاستماع الأخيرة، بلغة تهديد كما وصفها مراقبون، حينما توعد المدونين أن القانون سيكون الفيصل بخصوص النشريات على مواقع التواصل الاجتماعي التي "تمس من معنويات الأمنيين"، وفق تعبيره.
وجاءت التدوينات على مواقع التواصل من جهة الأمنيين لتزيد تعكير الأوضاع، حيث هاجم ناطق رسمي للنقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي عبر حسابه على فسيبوك؛ الصحفيين بعبارات نابية، وهو ما جعل الصحفيون ينتفضون احتجاجًا على ما أسموه "تفشي الإفلات من العقاب"، حيث أعلنوا مقاطعتهم لأنشطة النقابة الأمنية، والتوجه للقضاء، فيما أعلنت النيابة العامة من جانبها فتحها تحقيقًا ضد المسؤول النقابي الأمني.
تتهم نقابة الصحفيين، الداخلية، بسعيها لتكميم أفواه الصحفيين والمس من حرياتهم، وذلك بعد تصاعد شكاوى الصحفيين من التضييق عليهم
من جهتها، تنفي الداخلية وجود نوايا للمس من الحريات الصحفية، فيما أعلن مسؤول أمني نقابي، أنه ليس ثمة أي تعليمات للتضييق على الصحفيين، عدا تعليمات بالتثبت من هوياتهم أثناء عملهم الميداني، وذلك لتفادي تكرار قيام صحفيين يعملون لحساب مؤسسات إعلامية صهيونية بالقيام بتقارير ميدانية في تونس.
اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التونسي في 2017.. مكاسب في خطر
مخاوف الارتداد إلى الوراء
وتأتي التضييقات على الصحفيين متزامنة مع تصاعد الخشية من العودة للوراء، والتفريط في مكتسبات الثورة، وعلى رأسها حرية الصحافة، وذلك على خلفية مشاريع قوانين تصفها النقابة بأنها "فاشية لا تليق إلا بالدول الديكتاتورية"، وكذا الحديث عن مشروع قانون لزجر الاعتداءات على الأمنيين يتضمن عقوبات قاسية على الصحفيين.
وقد قامت الحكومة في وقت سابق، بسحب المشروع على إثر ضغوطات المجتمع المدني لإعادة مراجعته. كما رفضت نقابة الصحفيين المشروع الحكومي المتعلق بقانون إحداث هيئة الاتصال السمعي البصري، والذي انطلق البرلمان في مناقشته قبل أيام، ليزيد من تخوفات الصحفيين من تهديد المناخ العام لحرية الإعلام.
وتطالب نقابة الصحفيين وعشرات الجمعيات المدنية والحقوقية في تونس بسحب المشروع الحكومي المتعلق بهيئة الاتصال باعتباره يشجع"على العودة إلى الوراء، وبوابةً للسيطرة على وسائل الإعلام".
ومن ضمن التراكمات التي أدت كذلك لـ"يوم غضب" الصحافة التونسية، هو رفض سياسات الحكومة في إدارة المرفق الإعلامي العمومي بدايةً من التعيينات، إضافة لما تعتبرها النقابة محاولات التدخل في المضامين الإعلامية خدمة للأجندات السياسية. وقد ارتفع منسوب الخوف من عودة القبضة الأمنية وتدجين الإعلام كذلك، مع الحديث عن إمكانية إعادة إحياء وكالة الاتصال الخارجي التي تم إلغائها بعيد الثورة، وهي وكالة إعلامية كانت تشرف على الدعاية لنظام بن علي وإخضاع المؤسسات الإعلامية والصحفيين.
رئيس الجمهورية على الخط
في الأثناء، ظهر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي على خط هذه الأزمة منذ بدايتها، حيث تعتبر نقابة الصحفيين أن تصريحاته الأخيرة التي هاجم فيها تغطية مراسلي الصحافة الدولية للاحتجاجات التي عرفتها البلاد قبل نحو شهر، هو منطلق تضييقات الأمنيين على الصحفيين الميدانيين وتهديدهم وحجز معداتهم بل وايقافهم.
تأتي التضييقات على الصحفيين متزامنة مع تصاعد الخشية من العودة للوراء، والتفريط في مكتسبات الثورة، وعلى رأسها حرية الصحافة
ومع تصاعد الأزمة خاصة مع إعلان نقابة الصحفيين إقرارها لمبدأ الإضراب في صورة استمرار المضايقات، وعلى إثر الرسالة المزمع إبلاغها للمقرر الأممي، يبدو أن السبسي يعمل على تطويق الأزمة قبل تفاقهما، وذلك بدعوته للقاء نقيب الصحفيين ناجي البغوري، يوم الاثنين القادم، للنظر في سبل إنهاء حالة الاحتقان داخل القطاع الصحفي وتأكيد ضمانات عدم المس بالحريات الصحفية التي دائمًا ما تمثل مقياسًا للحريات العامة في الدول الديمقراطية.
اقرأ/ي أيضًا: