من الصعب الجزم بأن نسبة النساء السوريات المطلقات باتت تتزايد بشكل كبير، خصوصًا في دول اللجوء، كما من غير المستحسن الاعتماد على تجارب وأقاويل لتقديم إجابات جاهزة ووضعها ضمن مادة صحفية للحديث عن الموضوع عينه. وذلك لعدة أسباب أهمها عدم وجود دراسة اجتماعية مختصة ترصد حالات الطلاق الموجودة، أسبابها ودوافعها، مبنية على تجارب فعلية لنساء واجهن موضوع الطلاق وقررن العيش وحدهن في دول الاغتراب. هذا إلى جانب مجموعة كبيرة من التحليلات السطحية التي بدأت تقال، ويمكن وصفها باللغو، حول إطلاق تسمية أزمة أو ظاهرة على تغيير اجتماعي يواجه الأُسر السورية في مجتمع جديد. زد على ذلك مشكلة القدوم من مجتمع يعيش في حرب حطمت كل أساساته. لن نطيل بتعداد الأسباب التي تدعو للنظر بهذه القضية وتحليلها بشكل علمي ومن قبل مختصين.
ازدادت نسب الطلاق بين السوريات في دول اللجوء لأسباب كثيرة أولها شعورهن بالاضطهاد والتهميش الاجتماعي
إحدى الأمور التي يجب أن تراعى عند الحديث عن الأمر هي التحليلات السطحية والمباشرة، مثل أن نقارن بين المرأة الأوروبية والمرأة العربية، والاعتراف بحق الأولى في حريتها وتجريم الثانية عن المطالبة به. مثل تلك المقارنات والأفكار الشائعة عن تعصب مجتمعات وتحرر أخرى دون أخذ بعين الاعتبار الحالات الفردية، والسماح لما يسمى بالـ"ستيريوتيب" والكليشيهات الاجتماعية بتكريس صورة معينة عن المجتمعات الغريبة. من الحقيقي الاعتراف بالاختلاف ولكن بمنطقية ظروفه ونتائجه.
الكثير من الكليشيهات الاجتماعية الناتجة عن تسطيح وتهميش الحالات المختلفة عن السائد والمتفق عليه تصادف القادميين الجدد، من اللاجئيين والمقيمين السوريين على وجه الخصوص في المجتمعات الأوروبية المضيفة. وأهمها بعد مسألة الاندماج تأتي مناقشة موضوع الطلاق وازدياد نسبته بين العائلات السورية في أوروبا.
اقرأ/ي أيضًا: التسول والاستغلال.. واقع لاجئات سوريات بالمغرب
من الواجب الاعتراف بأن أغلب النساء تلقى تهميشًا وتأطيرًا لدورها ببناء نفسها ومجتمعها واتخاذ القرار، وإن أمعنا النظر أكثر نجد أنه في بعض الحالات لا يسمح لها بتقرير مصيرها، كتزويجها أو إجبارها على الزواج من شخص معين، مثل هذا الأمر قد يؤخذ بعين الاعتبار عند الكثيرات اللواتي قدمن إلى أوروبا، فشعورهن بالارتياح في العلاقة مع أنفسهن حين أعطين مساحة من الحرية لتقرير مصيرهن. وفيما لو قررن أغلبهن طلب الطلاق فهذا مرده بشكل أو بأخر إلى التهميش والاضطهاد الذي تعرضوا له، وتم تعويضه بشكله السليم والمناسب في مجتمعات تعتمد القانون كضامن أساسي لحقوق الأفراد في المجتمع.
هذه كانت مشكلة سارة (24 عامًا) والتي لم تكن تعرف أن تسمي مشكلتها بالتهميش الاجتماعي والاضطهاد من قبل الزوج وأهله. فتقول في مقابلة مع "ألترا صوت": "منذ خمس سنوات أجبرت على الاقتران بزوج يكبرني بعشر سنوات، وكان سبب هذا الزواج النصيب الذي دق بابي كما أخبرتني أمي يومها". تلك الرغبة التي بدأت تشعر بها سارة إثر وصولها مع زوجها وطفلها إلى ألمانيا قبل عامين تتجلى بالتخلص من حكم هذا النصيب، فكان الطلاق والاحتفاظ بالطفل معها نتيجة حتمية ترى أنها تستحقها بعد سنوات. ولما سألناها عن عدم وجود هذه الرغبة في سوريا من قبل أجابت "لا مكان لي أعيش به تحت اسم مطلقة". من جهة، ترى سارة الإحساس بالأمان والضمان الاجتماعي ووجود من يساعدها برعاية طفلها أمرًا هامًا لرسم خط حياتها من جديد دون خسارة الطفل.
أمّا بالنسبة لأمل ( 33 عامًا) فتقول: "لم يكن هناك أي خلاف بيني وبين زوجي في سوريا، على الرغم من أن زواجي كان تقليديًا عن طريق الأقارب، كل شيء كان على ما يرام إلى حين وصولنا إلى ألمانيا، هو من تغير ولست أنا، فقد فرض على حياتي قيودًا إضافية عن تلك التي كانت موجودة من قبل في سوريا، بدءًا من حرماني الذهاب إلى مدرسة اللغة ونهايةً بمنع الزيارات مع صديقات ألمان. كل هذا خوفًا من المجتمع الجديد، تلك المخاوف التي لم أر لها أي مبرر ومع تفاقم الممنوعات طلبت الطلاق". أمل لم تكن الحالة الوحيدة التي فرضت عليها قيود مشابهة، هناك الكثير من النساء اللواتي واجهن ظروفًا مماثلة، ولم يكن الطلاق خيارهن.
اقرأ/ي أيضًا: السوريون وقصص الحنين.. سنرجع يومًا إلى حيّنا
نتيجة كل التحطيم الحاصل في بنية المجتمع السوري تبدو الأسرة كمتضرر أساسي
تقول عبير (29 عامًا): "لم يتغير الوضع كثيرًا عن قبل، كأنني لا أزال في سوريا، نحن هنا ثلاث عائلات أقارب نعيش مع بعضنا، نواجه معًا ذات المشاكل وذات اليوميات، أية محاولة انفصال ستجعل من المنفصل يواجه قبيلته، لذلك أنا لا أحاول ولست بصدد مواجهة الجميع إن طلبت الطلاق".
بعيدًا عن تعميم الحالات السابقة والتي يبدو بعضها قابلًا للبحث فيه والتساؤل، يمكن اعتبار حالات أخرى طبيعية لا يمكن تسميتها ظاهرة، إذا اعتبرنا أن للمجتمع الجديد تأثيرات مختلفة لا يمكن تجنبها والتحييد عنها، كناتج لعلاقة تأثير وتأثر بين الفرد والمجتمع. أمّا الحالات الأعم فهي تعود لخصوصية كل حالة ويجب أن تُدرس أسبابها حسب طبيعتها وخصوصيتها.
تتراوح نسبة قبول ورفض موضوع الطلاق بين القادميين الجدد، فلا يزال هذا الأمر موضع خلاف واتفاق مثله مثل كل التابوهات المحمولة من البلد الأصيل، والتي من الصعب تجاوزها. يحرض هذا الأمر سؤالًا أخرًا يخص مفهوم الأسرة السورية قبل الحرب، على ماذا كانت تُبنى وكيف تستمر؟ إذا كان موضوع الطلاق بهذا التزايد فهذا يعطي مؤشرًا لضرورة إعادة بناء مفاهيم جديدة والوقوف عند تأمل الخواتيم من شأنه أن يقدم بعض الإجابات.
ومن جانب آخر، ونتيجة كل التحطيم الحاصل في بنية المجتمع السوري تبدو الأسرة كمتضرر أساسي في منظومة مجتمعية تتهالك تباعًا، تركت الحرب أثرًا عميقًا فيها. أمام كل تلك المتغيرات، هل بات من الضروري تشكل وعي مختلف لتغيير الذهنية وكسر النمطية السائدة حول مفهوم الزواج والأسرة والمرأة؟ أم أن هذه الحالات لا تعدو كونها حوادثًا؟.
اقرأ/ي أيضًا: