في الخامس عشر من تموز/يوليو الجاري اشتعلت شرارة الاشتباكات الطائفية مرة أخرى بين المسيحيين والمسلمين في صعيد مصر، في المنيا تحديدًا، وفي إحدى القرى الصغيرة من المحافظة وهي قرية أبو يعقوب.
ينادي البعض في مصر بالتخلص من المجالس العرفية، والاحتكام للقانون، لتغيير توصيف المشاكل التي تحدث من "فتن طائفية" إلى "عنف طائفي" يتم معاقبته
بدأت الاشتباكات حين أشيع في القرية أن أحد المنازل المملوكة لأحد المواطنين الأقباط في الطريق إلى تحويله إلى كنيسة فقام مواطنون مسلمون بإشعال النيران وحدثت اشتباكات، أسفرت عن إتلاف وإحراق ثلاثة منازل.
وتأتي الحادثة في سياق متصاعد للأحداث الطائفية في مصر، التي ما إن تنتهي واحدة منها، حتى تبدأ أخرى، والتي دائمًا ما تنحصر أسبابها في اتهام المسلمين للأقباط بمحاولة بناء كنيسة جديدة، أو مشاجرات عائلية تنتهي لفتن طائفية بعد استدعاء الدين فيها.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تفعل القوات الفرنسية في ليبيا؟
تاريخ من الاعتداءات
الاشتباكات الطائفية ليست جديدة على مصر، وهي متجددة وتزداد احتقانًا من وقت لآخر، حتى بات الأمر وكأنه يتم استغلالها لزيادة الاستقطاب في الشارع المصري، ولكنها في حقيقة الأمر أداة لإظهار مدى عجز الحكومة والقانون المصري عن ردع المتجاوزين الذين يقومون بالتمييز على أساس الدين.
منذ الثلاثين من حزيران/يونيو 2013، وتشهد مصر زيادة ملحوظة في تعداد الحوادث الطائفية، ففي تقرير أعدته "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" ذُكر مدى تفاقم واتساع رقعة العنف الطائفي في مصر، وتحت عنوان العنف الطائفي من 30 حزيران/يونيو إلى 17 آب/أغسطس 2013، بعد عزل مرسي، حيث تم توثيق اعتداءات على الأقباط في قرية دلجا بمحافظة المنيا، وقرية نجع حسان بمحافظة الأقصر، كما رصدت المبادرة تعرض 43 كنيسة لاعتداءات مختلفة، من بينها 27 كنيسة نهبت وحرقت بالكامل، أو حرق معظم مبانيها، بينما تعرض للنهب أو التدمير أو الإتلاف الجزئي في الأبواب والنوافذ حوالي 13 كنيسة، وتم إطلاق النار على ثلاث كنائس، وطالت موجات الاعتداء 7 مدارس و6 جميعات أهلية مسيحية، منها مركزان طبيان ودار للأيتام، هذا بالإضافة إلى حرق سبعة مباني خدمية والاعتداء على عشرة منازل لرجال دين مسيحيين.
اقرأ/ي أيضًا: أمريكا والانقلاب الأخير في تركيا
ظاهرة التهجير القسري
ترصد المبادرة، أيضًا، عمليات تهجير قسري قام بها أهالي ضد المسيحين بهدف إجلائهم عن قراهم، منها الحادثة التي حدثت في كفر درويش مرز الفشن بمحافظة بني سويف، والتي قام فيها أحد المواطنين المسيحيين بوضع صورة اعتبرها الأهالي مسيئة للإسلام فقاموا على إثر ذلك بالمطالبة بتهجيرهم من منازلهم.
وامتد التهجير إلى رفح حيث ووفقًا للحوادث الموثقة من قبل اللجنة، فقد قامت مجموعة مجهولة الهوية بتهجير مواطنين مسيحيين من بيوتهم في سبتمبر من العام 2012، حيث تم التهجير تحت أعين الحكومة والمسؤولين بدلا من تطبيق القانون.
كما تعرضت كنيسة مار جرجس والعائلة المقدسة، وهي كنيسة مرخصة افتتحت في رفح عام 1996، لاعتداءات مسلحة، وعمليات نهب وسرقة وحرق، حيث قامت مجموعة من الملثمين يحملون أسلحة نارية آلية، في الرابعة عصرًا بتهديد معلّم الكنيسة بالسلاح، ثم سرقوا محتوياتها. وانضمت لهم أثناء ذلك مجموعة كبيرة من الأشخاص يبلغ عددهم قرابة المائتين هبطوا من سيارات كانت تُقلّهم، وحطموا كشافات الإنارة وزجاج الكنيسة، ثم اقتحموا الكنيسة وهدموا الصليب الموجود أعلى القبة، وسرقوا المقاعد الخشبية والأبواب الداخلية.
و لا تزال المنيا اليوم بطلة الأحداث بعد أن وصل الاحتقان إلى قمته في قرية الكرم، حين قام الأهالي منذ شهور قليلة، بالاعتداء على سيدة مسنة استهدفوا ابنها وحين هاجموا بيتها ولم يجدوه قاموا بسحلها في الشارع وجردوها من ملابسها، ما فجر في حينه، الجدال المتكرر، عن أسباب العنف الطائفي وكيفية مواجهته.
التعامل الأمني
إن لم يكن غض الطرف والتعتيم الإعلامي فإنه البطء والفشل معًا كما وصفه التقرير، حيث اتسمت دومًا الأنظمة المتعاقبة بالتحالف مع الأغلبية المعتدية أو التوسط للوصول إلى حلول ترضيها، أي اللجوء في حل مشكلة العنف الطائفي، للحلول العرفية ومصالحة الأطراف، دون عقاب المعتدين، وهو ما يرى مراقبون أنه يساهم أكثر في تكرار الحوادث، كما أنه يشكل خرقًا للقانون، واعترافًا بعدم أهميته في نفس الوقت.
وتتصاعد في مصر الأصوات التي تنادي بالتخلص تماما من المجالس العرفية، والاحتكام للقانون، لتغيير توصيف المشاكل التي تحدث من "فتن طائفية" إلى "عنف طائفي" يتم مواجهته بالقانون، إلا أن السلطات المصرية ما زالت تفضل اللجوء للحلول العرفية، دون حل جذري للمشكلة، التي لا تتوقف عن تجديد نفسها.
اقرأ/ي أيضًا: