سيلتبس الأمر، بالتأكيد، على المتابع الذي يشاهد فيديو مشاجرة طلابية في إحدى الجامعات الأردنية على يوتيوب، إذ سيظن للوهلة الأولى أنه أمام فيديو من فلسطين مثلًا، لأنّ قيام مجموعة من الشباب الملثمين بالتراشق بالحجارة، مع صيحات "الله أكبر"، ترتبط عادة بمقاطع الفيديو الخاصة بالانتفاضة الفلسطينية وتحديدًا أثناء المواجهة مع قوات الاحتلال.
وإذا كانت المشاجرة إقليمية (بين طلبة فلسطينيين وأردنيين) فإن الأمر سيلتبس عليه أكثر بسبب ظهور الكوفيات الحمراء والبيضاء في المشهد. غير أنّ بعض الأمور تتكفل بإزالة الالتباس ومنها مباني الكليات وأيضًا ظهور الأمن الجامعي الذي يصبح مسالمًا في الأوقات غير المناسبة. كما أن ظهور الأسلحة وإطلاق الأعيرة النارية ستجعل المتابع يتأكد أنه أمام مشاجرة طلابية في الأردن، لأن الملثم الفلسطيني لا يطلق النار في انتفاضة الحجارة.
اقرأ/ي أيضًا: الأحزاب السودانية.. عنف جامعي أيضًا
تقول هبه عصام، وهي طالبة في الجامعة الأردنية، لـ"ألترا صوت": إنها "تشعر بالحزن والخوف كلما شاهدت أو سمعت مشاجرة بين طلبة يفترض أنهم على درجة من الوعي والثقافة تجعلهم قادرين على احتواء أي خلاف". وتضيف: "سمعنا وشاهدنا تصرفات هوجاء وعنيفة تصل إلى استخدام السلاح بين الطلبة، ولو لم يكونوا على ثقة من نجاتهم من العقوبة أو كانت الإجراءات صارمة لما أقدموا على هذا الفعل". وترى هبه أن الأمر يتطلب جدية في العقاب وتضافرًا للجهود بين الجامعة ومؤسسات الدولة كالقضاء والأجهزة الأمنية، كي لا تصبح الجامعة مرتعًا للعصابات والمتطرفين، حسب قولها.
تبدأ المشاجرات الطلابية عادة في الجامعات الأردنية بشكل فردي ولأسباب تافهة مثل الخلاف على الدور في ركوب الحافلة أو قيام طالب بتوجيه نظرة غاضبة لزميله. أما السبب الأكثر تكرارًا فهو جلوس طالب مع فتاة، الأمر الذين يدفع أبناء عشيرتها أو قريتها، وأحيانًا كامل محافظتها، إلى التدخل لحماية "الشرف الرفيع".
تبدأ المشاجرات الطلابية عادة في الجامعات الأردنية بشكل فردي ولأسباب تافهة
يرى صهيب ملكاوي، وهو طالب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، أنّ "الأمر عائد إلى تهاون الجامعات وعدم جديتها في علاج هذه الظاهرة"، ويجد أن "الحل يكمن في إشغال الطلبة بأنشطة مفيدة ودمجهم بعيدًا عن التجمعات العشائرية والمناطقية". ويضيف: "سبق أن درست في جامعة أخرى وكان العنف بين الطلبة مستشريًا، بينما تكاد ظاهرة العنف وملحقاتها تختفي في جامعتي الحالية لأن الطالب منشغل جدًا بالواجبات والامتحانات والأنشطة المتنوعة".
وإثر وقوع مشاجرة في جامعة أردنية، ينطلق الوجهاء وشيوخ العشائر والنواب في أدوارهم، التي صارت مألوفة. لا يتعلق الأمر بالمطالبة بإنزال أقصى العقوبات على المتسببين في المشاكل، إنما من أجل محاولة إنقاذ هؤلاء المشاغبين من العقوبة المستحقة. وهي محاولة تكلل بالنجاح غالبًا، إذ يتم تخفيض العقوبات نتيجة للضغوطات المختلفة.
تحولت الجامعات في الأردن إلى فناء خلفي لشبكة العلاقات التقليدية التي اعتقدنا أنها اندثرت
يقول غسّان عبد الخالق، عميد كلية الآداب في جامعة فيلادلفيا، لـ"ألترا صوت": "تحولت الجامعات إلى فناء خلفي لشبكة العلاقات التقليدية التي ساورنا الظن بأنها في طريقها للاندثار، وهكذا فبعد أن نجحت جامعاتنا في أن تكون واجهة المجتمع المتقدمة لثلاثة عقود، ها هي تعود لتصبح مرتعًا لكل ما نعانيه اجتماعيًا، واسطة ومحسوبية وصراعات وظيفية صغيرة لا تمت لروح الحياة الأكاديمية بصلة، إضافة إلى تصاعد الولاءات الفرعية على حساب الولاء للمجتمع والمصلحة العامة".
في ظل هذه الأجواء المسمومة، تصاعدت وتيرة العنف الطلابي في الجامعات، ووقودها حفنة من الطلبة المتوترين الغاضبين الفاشلين دراسيًا. أمّا عن علاج هذه الظاهرة، فيرى عبد الخالق أنّ "الحل الوحيد هو ببساطة في إعطاء الجامعات الحرية الكاملة في تطبيق التعليمات حرفيًا على الطلبة المتسببين بالعنف". وقد أثبتت تجارب بعض الجامعات على هذا الصعيد نجاعة الاحتكام للتعليمات وتطبيقها بصرامة على المخالفين دون تحيز أو محاباة.
اقرأ/ي أيضًا: فوضى المناهج التعليمية في الأردن