20-يوليو-2016

مظاهرات ميدان التحرير يوم 9 شباط/فبراير 2011

يُرجع البعض سبب فشل الثورة المصرية إلى قلة وعي وتعليم الشعب المصري أو إلى استكانته وعشقه للبيادة والحكم السلطوي على حد تعبير البعض مقارنًا إياه بشعوب أخرى (الشعب التركي على سبيل المثال، وموقفه من الانقلاب العسكري الأخير في بلاده) متجاهلًا تجربة الثورة المصرية منذ خمس سنوات فقط.

ولست هنا في محل لعرض التجربة التركية، ولكني أرى أن هذا الكلام، الذي هو الوجه الآخر للعملة للشوفينيين ممن يتغنون بعظمة الشعب المصري، أحد أوجه عملية التنميط البرجوازي الذي تقوم بقولبة فكرية للأشخاص والمواقف بغض النظر عن كل ما هو موضوعي. فالبيض أكثر ذكاءً والمسلمون فاشيون أو كما يقال في مصر فالصعايدة أغبياء والسيناوية خونة.. الخ.

ولكن الحقيقة أن الشعب المصري لا يختلف جينيًا عن غيره من الشعوب، فهو مثل الشعب التركي ومثل أي شعب في العالم مكون من قطاعات شعبية عدة مختلفة ومتفاوته في الوعي. والتجربة تتألم للفساد والاجراءات التقشفية المعادية لها و لكنها لا تستطيع التعبيرعن هذا بشكل برامجي منظم يربط السياسي بالمطلبي، فلا يمكن وصف جماهير بلد معين أو بقعة ما بالثورية أو الإصلاحية أو حتى الرجعية.

الفريضة الغائبة في الثورة المصرية كانت وجود (القيادة/التنظيم الثوري) الذي يربط السياسي بالمطلبي
 

لكن التنظيمات هي ما يمكن أن تكون ثورية وإصلاحية ورجعية. وهنا تكمن أهمية القيادة السياسية للجماهير وهنا بيت الداء في الثورة المصرية والذي أوصلها للهزيمة، فالجماهير التي خرجت بالملايين في ثورة يناير حتى أسقطت رأس السلطة واستمرت في الشوارع لشهور تحاول تطهير المؤسسات لم تجد القيادة السياسية الجماهيرية واضحة الرؤية التي تستطيع بلورة بديل، والإشارة إلى الطريق نحو النصر.

اقرأ/ي أيضًا: 30 يونيو.. فشل الإخوان وغضب الشعب واستغلال العسكر

وربما نظرة مدققة لإحصاءات تؤكد هذا! فقد تراوحت الاحتجاجات التي قامت بها الجماهير المصرية في الفترة من 12 حتّى 14 شباط/فبراير 2011 -أي  بعد سقوط مبارك مباشرة- من 40 احتجاجًا إلى 60 احتجاجًا يوميًا في كافّة المواقع (الإنتاجية - والصناعية - والخدمية)، وشملت مناطق جغرافية متنوّعة بطول البلاد وعرضها لدرجة دفعت المجلس العسكري في 14 فبراير 2011 إلى إصدار بيانه الخامس الذي طالب فيه بوقف الاحتجاجات ومنح الحكومة فرصة للعمل وكان أول المراسيم التي أصدرها هو مرسوم بتجريم الإعتصامات والإضرابات.

كما بلغت جملة التحركات الاحتجاجية على اختلاف صورها فى عام 2012 (3.817) تحرك احتجاجيًّا مطلبيًّا، أي بمعدل 10 تحركات احتجاجية في اليوم. ولتصور مدى ضخامة الرقم سنضعها في مقارنة مع جملة التحركات الاحتجاجية المطلبية على اختلاف صورها من عام 2000 إلى 2010 والتي بلغت (3313) تحركًا احتجاجيًّا مطلبيًّا فى عشر سنوات بمعدل احتجاج واحد يوميًا، ما يعني أن عدد الاحتجاجات في عام 2012 تجاوز عدد الاحتجاجات في 10 سنوات كاملة بنسبة 10:1.

إذن بالفعل مع ازدياد حدة الاستغلال الطبقي قد تقوم الجماهير بالانتفاض العفوي ضد السلطة السياسية، ولكن مدى قدرتها على تخطي فخاخ الخطاب البرجوازي المهيمن وفهمهم للخلفية الطبقية لهذا الاستغلال من جهة، وأيضًا التعامل ما يتولد عن هذه الثورة من خلافات ومناظرات فيما بينهم مع كل حدث نضالي حول التكتيك السليم الذي يمكن أن يأخذ الثورة خطوة جديدة إلى الأمام من جهة أخرى، يؤكد على دور القيادة الثورية واضحة الرؤية التي تحمل الخبرات النضالية التاريخية للطبقة العاملة.

ولهذا فنظرًا لضعف التنظيمات الراديكالية وعدم التنظيم المسبق للنخبة التي إستخدمت أدوات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك وتويتر) كأدوات للإعداد والحشد والتنظيم لثورة يناير فقد فشلوا جميعًا في تحقيق انعكاس حقيقي لهم على أرض الواقع على المستوى التنظيمي أو البرامجي. وبالتالي النجاح في قيادة الثورة. وهذا يعيدنا بالمناسبة إلي الخلاف بين لينين الذي طرح التنظيم الثوري المنضبط كأداة جوهرية للوعي الطبقي لابد من بنائها في الظروف غير الثورية وبين روزا لوكسمبورغ التي راهنت علي عفوية الجماهير الثائرة باعتبارها قادرة على خلق قيادتها الثورية أثناء كفاحها اليومي في خضم الثورة.

وهكذا انتصرت هزيمة الثورة المصرية لوجهة نظر لينين. فنظرًا لغياب القيادة الثورية المنظمة التي تستند إلى نظرية ثورية استطاعت الطبقة الحاكمة المصرية، التي أفاقت بعد ثورة يناير لتجد مؤسساتها مكشوفة دون أي غطاء سياسي قادر على تمرير قراراتها وفي مواجهة جماهير ثائرة ارتفع سقف مطالبها إلى أقصى حد على المستوى السياسي والاجتماعي، فكان توظيف الكيانات الإصلاحية وخطاباتها الإنتهازية المترددة حول احترام سيادة القانون والإصلاح من الداخل وغيرها من العبارات فرملة للثورة المصرية وأكثر مسبب لإغراق الثورة في الاستقطاب الطائفي والجدالات العقيمة، ما مهد الطريق لعودتهم المظفرة في 30 يونيو 2013.

فالفريضة الغائبة في الثورة المصرية كانت وجود (القيادة/التنظيم الثوري) الذي يربط السياسي بالمطلبي ويكون مظلة لكل المضطهدين على أساس من الاستقطاب الطبقي قبل الثورة ومن ثم قيادته للجماهير المضطهدة نحو النصر وقت الثورة؛ لذا وحتى لا يتبدد بخار الغضب الجماهيري مرة أخرى ما يجب علينا اليوم هو العمل الجاد الصبور لبناء مثل هذا التنظيم الثوري القادر على ملء الفراغ الذي ستحدثه أي هبة جماهيرية قادمة.

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تحاول السلطة المصرية ملء فراغ الإسلاميين؟

أبو نضاره.. حكاية الساخر المصري الذي ألهم ثورة