بعد دقائق من الوقوف أمام بوابة المحاضرات، تعرضت سالي محمد (اسم مستعار بحسب طلبها) للضرب والشتم ثم التوقيف لساعات والاستجواب في جامعة صنعاء، كبرى الجامعات الحكومية في اليمن، إذ تقول في حديثها ل"ألترا صوت" إن مجموعة من النساء التابعات لملتقى الطالب الجامعي -البديل غير الشرعي للاتحاد العام للطلاب والمفروض من قبل سلطات أنصار الله (الحوثيين) في الجامعة- اعتدين عليها وضربنها أثناء وقوفها أمام بوابة قاعة المحاضرة وهي تنتظر خروج الطلاب لتدخل القاعة لحضور محاضرتها المقررة، ومن ثم أخذنها وسلمنها لأمن الجامعة الذي بدأ بالتحقيق معها بتهمة محاولة الاختلاط مع زملائها الذكور، ولم يتم الإفراج عنها إلا بعد ساعات بعد أن تعهدت خطيًا بعدم التحدث مع أي من زملائها الذكور داخل الجامعة.
وكانت السلطات قد أصدرت تعميمًا في جامعة صنعاء بفصل الطلاب عن الطالبات في مقاعد الدراسة وأوكلت لملتقى الطالب الجامعي تطبيق ذلك، ففرض الملتقى بدوره قوانين صارمة على تواجد الطالبات داخل الجامعة من بينها عدم الاختلاط لأي سببٍ كان وقراراتٍ أخرى تتعلق بلباس الطالبات، كما عينت كيانات داخل الجامعة تتولى مراقبة الطالبات ورجال أمن يوقفون المخالفين.
كما أنشأت السلطات نادي الخريجين، الذي يقتصر دوره المعلن على تنظيم حفلات التخرج لطلاب الجامعات، لكنه في الواقع يحدد الطالبات اللواتي لهن أن يحضرن في حفلات التخرج ويراقب التزامهن بالشروط المفروضة على الملابس.
يبرر الحوثيون انتهاكاتهم ضد المرأة بما يطلقون عليه اسم "الحرب الناعمة" التي يدعون أن أطرافًا خارجية تشنها ضدهم باستخدام النساء.
بل إن السلطات في السنوات الأخيرة فصلت بين الذكور والإناث في أغلب المدارس الابتدائية والثانوية، بالإضافة إلى المعاهد والمراكز التعليمية، وأغلقت كل المنشآت التعليمية التي تلتزم بذلك.
خنق النساء في الفضاء العام
لم تكتف السلطات بفصل الجنسين في المقاعد الدراسية، بل ضيقت الخناق على النساء في مجالات عديدة أخرى، إذ أصدرت في عام 2018 تعميمًا لكافة المطاعم في صنعاء بمنع عمل النساء فيها، ومنعت النساء من العمل في المنظمات الدولية كما منعتهن من السفر والتنقل والتواجد في الأماكن العامة والحدائق والمنتزهات بمفردهن.
في هذا الصدد تقول فاطمة القباطي إنها تفاجأت بقرار فصلها من إحدى الهيئات التابعة لوزارة الأوقاف في صنعاء دون سابق إنذار، وعندما حاولت الاستعلام عن سبب فصلها من العمل لم تحصل على إجابة وافية أو مقنعة. وتضيف القباطي في حديثها لألترا صوت أنها كانت ملتزمة بعملها بشكل كبير رغم توقف راتبها منذ سنوات وكانت تحاول الحفاظ على وظيفتها، غير أن قرار الفصل جاء فجأة ضمن توجه الوزارة إلى إقصاء الموظفات، إذ تؤكد أن معظم النساء فصلن من أعمالهن في الفترة ذاتها وقد أصبحت الوزارة بكل هيئاتها و ومكاتبها وفروعها شبه خالية من النساء.
"الحرب الناعمة"
في خطاب مسجل لزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، بثته قناة المسيرة المحسوبة على الجماعة، يتهم "اللوبي الصهيوني اليهودي العالمي باستهدافه المرأة لاستهداف بنية المجتمع وتفكيك أواصر المجتمع الإنساني والأسرة"، ويضيف أن الأعداء يشنون حربًا ناعمة "شيطانية مفسدة تستهدف المرأة لإفسادها والسعي لتحويلها أداة لإفساد المجتمع."
منذ ذلك الحين والحوثيون يبررون ممارساتهم ضد النساء بمجابهة "الحرب الناعمة"، كما يستخدمون جوانب دينية وقبلية للترويج لها. وهكذا استطاعت السلطات بصنعاء إغلاق معظم المقاهي والكافيهات والنوادي وأماكن تجمع الشباب من الجنسين بالإضافة إلى فصل الجنسين في معظم أماكن العمل والهيئات والقطاعات الحكومية.
تقول الناشطة والحقوقية هديل علي إن جماعة الحوثي تسعى إلى تضييق الحياة العامة للنساء، من خلال قرارات وانتهاكات تستهدف وجود النساء في الحياة العامة والعمل والتعليم وغيرها، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على حياة النساء، وتشير هديل في حديثها لألترا صوت إلى أن "الحوثيين يمارسون جميع أشكال العنف والتحريض بحق النساء في اليمن، وهم يشرعنون أي ممارسات وانتهاكات تحدث ضد النساء، وهذا بحاجة إلى تدخل فوري."
وكان تقرير فريق الخبراء البارزين المعني بالتحقق من انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن الصادر في العام 2020 قد ذكر أن هناك شبكة تابعة لجماعة الحوثيين تعمل على قمع النساء المعارضات لهم ويتم استغلالهن نفسيًا وجنسيًا وأن الجماعة قد زجت بالكثير من النساء في السجون دون أي ذنب. وفي العام التالي لصدور التقرير، رفضت السلطات دخول مسؤول بارز في الأمم المتحدة إلى صنعاء للتحقيق والكشف عن انتهاكات تتعلق بالعنف الجنسي الممارس ضد النساء بحسب الأمم المتحدة. وتعتبر اليمن من أسوأ البلدان في العالم للنساء بسبب الانتهاكات ضدهن، بحسب منظمة العفو الدولية.
انتهاكات قانونية
من ناحيته، يرى المحامي والخبير القانوني عبدالحكيم الدبعي أن ما تقوم به جماعة الحوثي لا يختلف عما تقوم به أي جماعة دينية متطرفة أخرى وأنها تتعامل مع المرأة بذات الطريقة التي تتعامل معها داعش والقاعدة وغيرها.
ومن الناحية القانونية يقول الدبعي في حديثه لألترا صوت إن قرارات فصل الجنسين في المقاعد الدراسية والعمل وغيرها من الأماكن تعد انتهاكًا جسيمًا بحق النساء ومخالفة للقانون اليمني ولا مشروعية أو مسوغ قانوني لها، وأن الدستور والقانون اليمني واضح بهذا الشأن، ولا يوجد أي مبرر لها غير أنها تأتي من الأيديولوجيا الخاصة بالجماعة، ولا علاقة للقانون بذلك. ويؤكد على أن القانون اليمني ينص على أن المواطنون جميعًا متساوون في الحقوق العامة، وهذا يشمل الجميع دون استثناء، كما يضمن حق الجميع في الإسهام في الحياة السياسية والثقافة وغيرها وهو ما يعني حرية ممارسة الأعمال والحياة العامة دون تمييز.
وتشير المادة (48) في الدستور اليمني إلى الدولة تكفل "للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة متخصصة". ووفقًا لهذه المادة يرى الدبعي أن ما يقوم به الحوثيون يعد انتهاكًا لكرامة المرأة ويتعارض مع المادة القانونية.
من جانب آخر يقول الدبعي إن الجماعة فرضت نفسها وصيًا على أخلاق المواطنين، وهي تمارس هذه الانتهاكات لأنها تعتقد أنها بذلك تعمل على إصلاح أخلاقه، مع أن دور الدولة يتمثل بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين والحفاظ على حياتهم. والحوثيون يتنصلون من مسؤولياتهم تجاه المواطنين في الوقت الذي ينشغلون فيه بتقييد حريات الناس، وفقًا للدبعي.