لم يعد التساؤل حول سبب شتم الجماهير المتنافسة بعضها بعضًا في المدارج الرياضية بل بات التساؤل حول معجم السّباب ودلائل استعماله. ففي مباراة كرة الطائرة التي جمعت قبل أيام فريقي النجم الساحلي التونسي والسويحلي الليبي، عمدت جماهير الفريق التونسي للهتاف بشعار "الله ليبيا ومعمر وبس"، وهو شعار رفعه أنصار النظام الليبي السابق إبان الثورة سنة 2011، وذلك في خطوة استفزازية تجاه الفريق الليبي. حيث أوقف لاعبوه المباراة احتجاجًا على هذه الهتافات خاصة وأن الفريق ينتمي لمدينة مصراتة وهي واحدة من أكثر المدن التي تعرضت لمجازر من كتائب القذافي إبان حرب التحرير. ولم تقف الصورة عند هذا الحدّ.
عمدت جماهير النجم التونسي للهتاف بشعار الله ليبيا معمر وبس وهو ما استفز لاعبي فريق السويحلي الليبي وأدى لإيقاف المباراة احتجاجًا
وقامت جماهير الفريق الليبي برد الفعل بالهتاف "دواعش دواعش" في إشارة للجماهير التونسية حيث إن أغلبية إرهابيي ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا هم تونسيون. وقد سبق وتعرّض تونسيون مقيمون بليبيا لمضايقات وهرسلة على هذا الأساس.
اقرأ/ي أيضًا: أقرباء مبارك وبن علي.. للواجهة في يناير الثورة
يمثل "التنابز بالإرهاب" معجمًا جديدًا في السباب بين الجماهير الرياضية على الأقل بين الجماهير التونسية والليبية. بداية إن وجود أجواء حامية في المباريات الرياضية بين فرق البلدين المتجاورين ليس بجديد، وهو ليس غريبًا عمومًا فغالبًا ما تتميّز المباريات بين الفرق أو المنتخبات المتجاورة بأجواء خاصة. وبالتالي فهذه الأجواء بين الفرق التونسية والليبية ليست استثنائية، بل إنها محدودة مقارنة بفرق متجاورة أخرى.
فلا توجد عداوة سياسية بين التونسيين والليبيين، ولا توجد سوابق رياضية سيئة على غرار الحالة المصرية الجزائرية، ولكن ما حصل في قاعة مباراة كرة الطائرة بين الفريقين التونسي والليبي هو سابقة.
كان الفريق التونسي منتصرًا بفارق هامّ قبل دقائق من نهاية المباراة، لماذا سارع أنصاره لاستفزاز الفريق الليبي بشعار مستفزّ يمجدّ نظام القذافي؟.
لعلّ الجماهير في المباراة اتجهت نحو أقصى مواضع الاستفزاز لدى الفريق الليبي، فلم يعد السباب بالأمّ كافيًا، كما كان رائجًا، حتى جاء السّباب بتمجيد نظام قتل الآلاف من الليبيين وتحديدًا من مدينة مصراتة. وهذا شاهد جديد على مدى اقتحام المعجم السياسي للفضاء الرياضي غير أنه دائمًا ما كانت هتافات الجماهير ضد شرطة أو نظام البلد المحلي ولم تصل سابقًا لمستوى تمجيد نظام سابق لبلد مجاور.
يمثل "التنابز بالإرهاب" وإقحام المعجم السياسي للفضاء الرياضي جديدًا ما بين الجماهير الرياضية على الأقل بين التونسية والليبية
اقرأ/ي أيضًا: الأولمبياد سلاح السياسة: الحرب العالمية والباردة
لا يُعرف عن جماهير الفريق التونسي دعمها لنظام القذافي، حيث قد يظنّ البعض بأن مدينة سوسة التي ينتمي إليها الفريق التونسي كانت لها علاقات متميّزة مع النظام الليبي السابق. فرفع الهتاف لم يكن إلا بغاية الاستفزاز لا غير.
من جهتها، ردّت الجماهير الليبية بالهتاف "دواعش" نحو الجماهير التونسية، حيث انتشرت في المجتمع الليبي صورة تكاد تصبح نمطية للتونسي الموجود في ليبيا بأنه "داعشي". يعلم الليبيون الذين يبلغ عدد المتواجدين منهم في تونس مليونين حسب إحصاءات بعض المنظمات غير الحكومية، بأن الإرهابيين في ليبيا لا يمكن أن يمثلوا الشعب التونسي. وبالتالي لم يكن هتافهم إلا استفزازًا مضادّا، فلم يكن الحاصل بالنهاية إلا تنابزًا بالإرهاب.
وقد قرّر الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة تسليط غرامة مالية قدرها 3 آلاف دولار على النجم الساحلي، بسبب هتافات جماهيره، وهدّد الفريق التونسي بالتجميد في حال تكرار ذلك، كما طالب النجم بتوجيه أربع رسائل اعتذار موجهة إلى ليبيا وفريق السويحلي واللجنة المنظمة والاتحاد الأفريقي. وهو ما قام به مسؤولي الفريق التونسي على الفور، فيما ساهم في تخفيف أجواء الاحتقان مع الجانب الليبي.
ولا يمكن أن تكون الحادثة منعرجًا مؤثرًا في العلاقات بين التونسيين والليبيين، ولكنها ستظلّ فارقة فالفريق الليبي انسحب من المباراة ولم يكملها، وسيُسجّل التاريخ أن السويحلي انسحب من ربع نهائي بطولة أفريقيا لكرة الطائرة "بسبب القذافي".
اقرأ/ي أيضًا: