يقف الملك وبجواره الأمير الشاب الذي يحمل في نفس الوقت لقب جنرال، على أطراف جزيرته التي تعد أصغر الدول العربية من حيث المساحة، ليلقي نظرة على الجسر الرابط بين بلاده البحرين، والمملكة العربية السعودية. على ما يبدو فقد أوصاه والده أن يتعلم من أمراء وحكام آل سعود كيف يقمع شعبه. وبنظرة إلى الجنوب حيث حكام الإمارات، يستلهم منهم استخدام العلاقات العامة للتغطية على الانتهاكات، لتبييض وجه نظامٍ وحشي.
استطاعت السلطات البحرينية باستخدام كافة أنواع القمع الوحشي، أن تسحق المجتمع المدني الذي كان من قبل نشيطًا إلى حد ما
يتحرك الأمير الشاب ناصر بن حمد آل خليفة رئيس الحرس الوطني ورئيس اللجنة الأوليمبية، وأكثر المعروفين في العائلة الملكية بالتعذيب للسجناء والمعارضين؛ في زيه الرياضي بعد أن خلع الزي العسكري، ليلتقط الصور ويدفع بها عبر وكلاء الدعاية حول العالم في محاولة لتغيير صورة الواقع، غير أن تلك المحاولات لم تضمن لنظام البحرين تكميمًا كاملًا للأفواه، إذ تُصدر بين الحين والآخر منظمات دولية، تقارير حول القمع والقتل والتعذيب وإسقاط الجنسية، وكان آخرها تقرير لمنظمة العفو الدولية، يعرض أحداث عامٍ من القمع الحكومي الذي وصفته المنظمة بـ"الوحشي لسحق المعارضة"، من حزيران/يونيو 2016 إلى حزيران/يونيو الماضي.
وتمكنت السلطات البحرينية، باستخدام شتى أنواع القمع، بما في ذلك المضايقة والاحتجاز التعسفي والتعذيب، من سحق المجتمع المدني، الذي كان من قبل نشيطًا إلى حدٍ ما، "حتى أصبح الآن مجرد أصوات قليلة منفردة لديها من الشجاعة ما يكفي للمجاهرة بآرائها"، وفقًا لنص تصريح فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية.
اقرأ/ي أيضًا: البحرين... ذكرى انتفاضة مغبونة
وأوصت المنظمة دول العالم إلى إدانة حملة القمع في البحرين، والمطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي وكذلك بتوفير الحماية لجميع المدافعين عن حقوق الإنسان وأفراد عائلاتهم، مُناشدةً الدول التي تمد البحرين بمعدات القمع الداخلي، وقف نقل هذه المعدات، كما طالبت الدول التي لها نفوذ لدى البحرين على تطبيق تلك التوصيات والتي على رأسها سماح السلطات البحرينية بإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة على وجه السرعة في الاتهامات المتعلقة باستخدام القوة على نحو تعسفي أو ينطوي على انتهاكات، وأن تبرهن على التزامها باستخدام القوة وفقًا للمعايير الدولية.
ترامب يتعهد بتجاهل القمع
يتضمن تقرير منظمة العفو الدولية الذي جاء تحت عنوان "لا أحد يستطيع حمايتكم.. عام من قمع المعارضة في البحرين"، عددًا من الأزمات المتعلقة بالتضييق الشديد على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، بالإضافة إلى حل جمعيات المعارضة الرئيسية، كجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، أكبر الجمعيات المعارضة، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) العلمانية، وكذا منع الحق في التجمع السلمي وإلقاء القبض على عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان ومنع السفر للبعض الآخر من السفر للخارج، وإسقاط الجنسية البحرينية عن أكثر من 80 شخصًا، مع ترحيل أربعة منهم قسريًا.
يُضاف إلى ذلك أنه خلال العام المذكور، من حزيران/يونيو 2016 إلى حزيران/يونيو الماضي، تعرض ما لا يقل عن 160 من المعارضين السلميين للاعتقال، منهم من تعرض للمحاكمات التي وصفتها المنظمة بالجائرة، ومن من تعرض للتعذيب.
لا يقف الأمر عند ذلك في البلد التي تُوصف أحيانًا كثيرة بالحديقة الخلفية للسعودية، إذ رصد تقرير المنظمة الحقوقية الدولية، التعامل بالتمييز ضد المرأة في القانون وعلى أرض الواقع، وكذا التمييز العنصري ضد العمالة الأجنبية، وذوي الميول الجنسية المختلفة.
وانتقد التقرير الصمت الدولي عن انتهاكات السلطات البحرينية، ذاكرًا على رأس تلك الدول الصامتة، الولايات المتحدة الأمريكية راصدًا التغيير الجذري في تعامل الولايات المتحدة مع البحرين، من رفضها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بيع طائرات مقاتلة للبحرين بسبب تدهور ملف حقوق الإنسان، إلى إلغاء شروط الإمداد بالسلاح هذه في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، صديق بعض الخليجيين الذين استطاع أن يخرج من بينهم بمئات المليارات من الدولارات، ليبدو أن صمت ترامب، الرئيس البيزنس مان، كان مدفوع الأجر.
تصعيد إدارة البحرين في الانتهاكات والقمع للحقوق والحريات، قوبل بتعهد من ترامب بأن العلاقات بين البلدين لن نعرف توترًا كما كان في عهد أوباما، وهو ما اعتبره تقرير العفو الدولية، بمثابة الضوء الأخضر للمضي قدمًا في مزيدٍ من القمع، وربما يدلل على ذلك أنه بعد يومين فقط من هذا التعهد الترامبي، قمعت السلطات الأمنية البحرينية مظاهرات في قرية الدراز بشكل عنيف.
وبالجملة، فخلال العام الذي رصد فيه التقرير الانتهاكات البحرينية، رفضت السلطات البحرينية السماح لممثلي منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، ومن بينها منظمة العفو الدولية، بزيارة البحرين.
يقول فيليب لوثر من منظمة العفو الدولية: "لقد كان من شأن تقاعس الولايات المتحدة، وغيرها من الدول ذات النفوذ في البحرين، عن التنديد بالتدهور الكارثي لوضع حقوق الإنسان هناك؛ أن يُشجع السلطات البحرينية على تكثيف مساعيها لإخراس ما تبقى من أصوات قليلة معارضة".
حرب ضد الجميع.. المعارضة والصحافة وحقوق الإنسان
بشكل عام، يرصد التقرير حالة حقوق الإنسان المتردية في البحرين، وما تتضمنه من اعتقالات وإسقاطٍ للجنسية ومنع من العمل الصحفي، ففي شباط/فبراير الماضي منع وزير الإعلام البحريني علي بن محمد الرميحي، وسائل إعلامٍ من تعيين صحفيين بحجة إهانتهم للبحرين ودول الخليج.
شهدت الشهور الأخيرة في البحرين، تصعيدًا للانتهاكات وأعمال القمع ضد المعارضين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين
كذلك شنت السلطات البحرينية حملات متكررة لاعتقال عدد من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ليس فقط لاجتماعهم على أرض الواقع، بل ولنشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي. فيما كانت أبرز الاتهامات الموجهة للمعتقلين خلال الفترة المذكورة، هي انتقاد السلطات السعودية والحرب التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فضلًا عن اتهامات اُخرى تخص هيبة البحرين وما إلى ذلك من الاتهامات التي اعتادت الأنظمة الديكتاتورية الترويج لها رغم أنها غير ذات معنى.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن
وعرض التقرير لأبرز حالات الاعتقال والمحاكمات "الجائرة" ضد معارضين. من بين تلك الحالات إبراهيم شريف الأمين العام السابق لجمعية وعد، والناشطة زينب خواجة التي أُفرج عنها مُؤخرًا وخرجت من البحرين بعد حملة ضغط دولية، بالإضافة إلى الشيخ علي سلمان، زعيم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، والذي أُؤيد ضده حكم بالسجن لتسع سنوات.
كما استمرت السلطات البحرينية في سجن بعض قادة جمعية الوفاق التي أُوقف نشاطها جبرًا من قبل السلطات وحُلّت وتم التحفظ على أموالها في حزيران/يونيو 2016. وعقب قرار الحل هذا خرجت تظاهرات منددة به، استخدمت ضدها السلطات البحرينية القمع المفرط متضمنًا أعيرة نارية حية، فضلًا عن الاستخدام المكثف للغاز المسيل للدموع.
إسقاط الجنسية والترحيل القسري
عقب تجريد المرجع الشيعي البحريني الشيخ عيسى قاسم، من الجنسية، رغم أنه لم يسبق أن أُدين بأية تهمة؛ اعتصم أتباعه وأنصاره أمام بيته، لتضرب قوات الأمن حصارًا على قريته منعت الدخول والخروج منها، وألقت القبض على عشرات المتظاهرين، من بينهم على الأقل 70 من رجال الدين الشيعة، فضلًا عن عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان. وصدر بحق 11 من رجال الدين الشيعة المعتقلين، أحكامًا بالسجن تتراوح ما بين سنة أو سنتين، بتهم تتعلق بالتجمهر!
وإسقاط الجنسية أو الحرمان منها للمعارضين، يعد أمرًا معتادًا في البحرين، فقد سبق وأن تكرر مع ما لا يقل عن 80 شخصًا، بأحكام قضائية تصفها المنظمات الحقوقية بـ"الجائرة" و"المسيسة". وكما سبق وذُكر، فإن أربعة من بين الـ80 أُجبروا على مغادرة البلاد، من بينهم محامٍ حقوقي هو تيمور كريمي، وكذا الناشط إبراهيم كريمي، الذي كانت السلطات قد اعتقلته في وقت سابق من عام 2015 بتهم تتعلق بالنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي.
إدانات متكررة
وفيما بدا ضربًا بالتقارير الحقوقية عرض الحائط، مع دعم سعودي مفتوح، وصمت أمريكي مدفوع الأجر، قررت النيابة العامة البحرينية في نفس يوم صدور تقرير العفو الدولية، تحويل 25 من المعتقلين السياسيين للمحاكمة.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يواجه فيها النظام البحريني بتقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان، فقد سبق لعدد من المنظمات الحقوقية أن انتقدت ممارسات السلطات البحرينية التي أدت لتدهور وضع حقوق الإنسان في البلاد، على رأسها انتقادات وملاحظات تقدمت بها لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، في أيار/مايو الماضي، تضمنت على وجه الخصوص مطالبة بإنهاء الحبس الانفرادي للناشط الحقوقي نبيل رجب، بالإضافة إلى فتح تحقيق جاد وموسع في الاتهامات الموجهة للسلطات البحرينية لسوء معاملة المحتجزين وتعذيبهم، وفي نفس الشهر تقدم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للسلطات البحرينية، بـ175 توصية تخص ملف حقوق الإنسان، وهو رقم كبير من التوصيات أن توجه لدولة تعداد سكانها، بما فيهم الأجانب، أقل من مليون ونصف نسمة!
منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، أصدرت هي الأخرى عددًا من التقارير المنتقدة لوضع حقوق الإنسان في البحرين، واصفة في تقرير لها عن عام 2016، حالة القمع التي تشهدها البلاد بـ"المتصاعدة والمهدد لحياة النشطاء".
ناصر آل خليفة.. عرّاب التعذيب
لم تتوقف الإدانات عند حد المنظمات الحقوقية المستقلة والأممية، بل وصل الأمر في عام 2014، إلى صدور حكم من المحكمة العليا في بريطانيا، بإسقاط الحصانة عن ناصر بن حمد آل خليفة الأمير البحريني نجل العاهل، عراب التعذيب في بلاده، وذلك فتحًا للباب أمام مقاضاته بتهم تتعلق بتعذيب معارضين بحرينيين.
يأتي على رأس جرائم حقوق الإنسان في البحرين، الأمير سيء السمعة، ناصر بن حمد آل خليفة الذي صدر ضده حكم بريطاني برفع الحصانة عنه
ناصر آل خليفة الابن الرابع لحمد بن عيسى آل خليفة، والأمير المتنفذ في المملكة الصغيرة، يشغل عدة مناصب على رأسها قيادة الحرس الملكي، ويُعرف عنه تورطه في تعذيب عدد من السجناء السياسيين البحرينيين، على خلفية الانتفاضة البحرينية في 2011، والتي ووجهت بقمع غير مسبوق، كان للسعودية فيه اليد الطولى، باعتبار أن البحرين باحة خلفية لها.
اقرأ/ي أيضًا: عندما بحث دوار اللؤلؤة عن ميدان التحرير
ويسعى ناصر آل خليفة، عبر المسابقات الرياضية، التغطية على جرائمه الحقوقية، وهو ما أشارت إليه صحيفة الغارديان، في تقرير سابق لها عن مسابقات الفورميلا في البحرين، التي يستخدمها النظام لتحسين صورته عالميًا، وفي الواجهة من كل ذلك، الأمير سيء السمعة، ناصر آل خليفة، لتصبح منطقة الخليج العربي الآن، رهنًا لأميرين طائشين، أحدهما في السعودية يستعد لاستلام الحكم رسميًا، والثاني في البحرين، يستلهم من المدرسة السعودية في قمع كل من يعارض حكم أسرته، وسط توجيه وتدخل سافر من طرف أبو ظبي للأميرين على طريق تنصيبهما على طريقتها!
اقرأ/ي أيضًا:
15 مليون إنسان حول العالم بدون جنسية.. كارثة متعمدة وراء الستار