11-يناير-2018

شخصية صطيف في باب الحارة (يوتيوب)

في وطننا العربي يميل الناس إلى التطرف في كثير من جوانب هذه الحياة؛ فإما أن يكون ذاك الشيء ملاكًا طاهرًا أو شيطانًا رجيمًا، فإن أحببنا شخصية حملناها على الأعناق وإن كرهناها أنزلناها سابع أرض، كل ذلك لكون مشاعرنا كعرب متطرفة وجياشة جدًا.

شخصية الكفيف في باب الحارة لم تفارق في أوجه منها الصورة النمطية المنتشرة شعبيًا عن الإنسان الساذج والبسيط والذي يُطمأن له بسهولة

في هذا المقال، نناقش صورة الكفيف التي رسمت في المسلسل الدرامي السوري باب الحارة. بداية لا بد من الاعتراف أن مخرج العمل، بسام الملا، قد استوحى شخصية "صطيف" مما رآه وسمعه وقرأه عن الكفيف في الوطن العربي بشكل عام؛ فالمشاهد أو الصورة التي ظهر فيها صطيف في بداية هذا العمل كانت إلى حد كبير واقعية؛ فالمجتمع بشقيه المتعلم وغير المتعلم يمتلك صورة نمطية للشخص الكفيف، إنه إنسان مبارك أساسًا ويصل الحد بالبعض للاعتقاد أنه وليّ من أولياء الله الصالحين.

استوطنت هذه الفكرة عقول الناس لتدفع بإحدى شخصيات المسلسل لعرض زوجته على هذا الكفيف بحجة علاجها من صداع تشتكيه فلا يأبه بما تلبس أمامه "كونه كفيفًا ومباركًا". ناهيك عن تصوير هذه الشخصية في إطار الساذج والبسيط، إضافة لكونها شخصية شرهة تجاه الطعام تتوسل طبقًا من أرز أو كسرة خبز من الناس لتظهر مع شراهتها جانب كسلها واتكاليتها على الآخر بسبب استسلامها للواقع الذي تعانيه.

اقرأ/ي أيضًا: صناعة "الدراما" في سوريا لصمود النظام

من جانب آخر، يقرر مخرج باب الحارة إظهار نقيض الصورة المتداولة عن الكفيف، فيلبسه ثوب العميل والجاسوس الذي لم ولن يتوقع أحد من سكان حارته أن يظهر بهذه الصورة؛ فكلما ارتكب جريمة استبعد أوتوماتيكيًا من دائرة الشك؛ لأنه في نظر حارته هو ذاك الملاك المبارك حيثما حلّ.

تتتابع أحداث المسلسل حيث ينكشف اللثام عن حقيقة ذاك العميل أو الجاسوس الكفيف في نهاية الجزء الثاني بعد ظهوره لما يقارب جزءًا ونصف الجزء، ليُقتل لارتكابه الخيانة والتخابر مع المحتل الفرنسي.

في الجزء السادس، أطل علينا الملا بصورة نمطية من جديد هي الشيخ فهمي، الذي كان له من اسمه نصيب؛ فقد صُوِّرَ معلم تلاوة القرآن الكريم، كوميديًا وخاصة عند تعامله مع تلامذته في الكتّاب إلا أنه أظهر النصف الآخر من الكأس؛ فصوّره إنسانًا سريع البديهة، حكيمًا، فطنًا، ذكيًا ولا يتورّع عن تقديم النصح إلى من حوله وبطريقة مبالغ فيها أحيانًا.

اقرأ/ي أيضًا: النظام السوريّ يحوّل "أبو عصام" إلى فيمينيست

بالغ الملا في تجهيل شخصية صطيف وفي تعداد سلبياته وفي إظهار حسنات وفطنة الشيخ فهمي إلى حدود الخروج عن المألوف فكأنما شخصية الكفيف في الدراما لا تخرج عن التطرف

هكذا أبرز الملا الكثير من الإيجابيات للكفيف مع الشيخ فهمي بعكس ما أبرزه في شخصية صطيف؛ فالشيخ فهمي ظهر كأحد الذين ساهموا في كشف حقيقة شخصية الواوي، العابث باستقرار وأمن حارة الضبع قبل أن يقتله الأخير بعد كشفه له. بينما صوّر صطيف عميلًا وجاسوسًا فظهرت من خلاله الصفات السلبية.

بالنظر إلى تقديم الملا الشخصيتين، نلاحظ أنه بالغ في تجهيل شخصية صطيف في نظر أهل الحارة، إلى الحد الذي أوهمهم ليجزموا باستحالة ضلوعه في أي من مشاكلها على الإطلاق، ناهيك عن مبالغته في إظهاره بمظهر المتسول الشره. فيها بالغ أيضًا في إظهار الملاك الذي يدعى "الشيخ فهمي"، إلا أنه لم ينجح في السيطرة على مشاعره فأظهره ذلك الرجل الخارج عن المألوف والمبتكر، حينما صوره أثناء لعبه بكرات الدحل مع أطفال الحارة واصطياده لها بدقة مدهشة، وقد ابتكر مشاهد أخرى تتعلق بهذه الشخصية كمشهد فحص جبين تلميذه ليعرف صدقه من كذبه، ومشاهد معرفة الأشخاص من خلال روائحهم.

في النهاية نخلص إلى أن الملا، كغيره من المخرجين في الوطن العربي، وكمعظم الناس، تطرف في تصويره الشخصيتين الآنف ذكرهما ولم يحايدهما؛ لينقل للمشاهد رسالة واحدة، إما أن يكون ملاكًا أو شيطانًا.   

 

اقرأ/ي أيضًا:

"باب الحارة".. الحلاق أبو عصام مثقفًا فرانكوفونيًا

هكذا مسَّ "النمس" من هيبة الدولة السورية