يُحكى أن رجلاً ظل ينازع عمه حول حقوقه في الميراث، لكن قلب العم ظل قاسياً، رافضاً منح الرجل ما يخصه. وبعد سنوات سافر العم إلى الأردن لعملية زرع قلب، وعندما عاد معافى كان أول قرار اتخذه أن يعيد للرجل حقوقه، فما كان من هذا إلا أن علَّق: "يبدو أن قلب الأردن أحنَّ عليَّ من قلبك!".
ظلت الأردن تعني للسودانيين الخدمات الطبية الجيدة، وظل "قلب الأردن" يحنّ عليهم لسنوات في هذا الصدد، إلا أن شيئاً تغير الآن
ظلت الأردن تعني للسودانيين الخدمات الطبية الجيدة، وظل "قلب الأردن" يحنّ عليهم لسنوات في هذا الصدد، إلا أن شيئاً تغير الآن، إذ انتبه السودانيون فجأة إلى أن الأردن تعني أيضاً أزمة لاجئين اندلعت نيرانها في مواقع التواصل الاجتماعي منذ السادس عشر من ديسمبر، على خلفية قرار للسلطات الأردنية بفض اعتصام لطالبي اللجوء السودانيين استمر لقرابة الشهر أمام مقر المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة، في العاصمة عمان.
وتحت وسوم (#الجريمة_الاردنية) و(#لن_نغفر_للاردن) و(#Jordancrime )؛ قاد ناشطون سودانيون بينهم إعلاميون وسياسيون وأدباء، حملة لإيقاف ترحيل السودانيين قسراً من الأردن، وأبدى عدد منهم خشيتهم من المآل الذي ينتظر المرحَّلين حين عودتهم إلى السودان. وفي حين تقول "هيومان رايتس ووتش" إن ترحيل اللاجئين يخرق مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العرفي، الذي يحظر على الحكومات إعادة الأشخاص إلى أماكن يتعرضون فيها للاضطهاد أو التعذيب، أو معاملة أو عقوبات غير إنسانية أو مهينة؛ صرّحت السلطات الأردنية بأن شروط اللجوء لا تنطبق على المرحَّلين وأن المفوضية لم تعطهم صفة اللجوء، لكن "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها عن الحادثة تشدد على أنه "رغم أن الأردن ليست طرفا في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو بروتوكولها لعام 1967، فهي ملزمة بمبدأ عدم الإعادة القسرية بحسب القانون الدولي العرفي، أكان طالب اللجوء مسجلا رسميا أم لا". وفي السياق ذاته رفع ناشطون صوراً لوثائق لجوء صادرة من المفوضية السامية يقولون إنها تخص المعتصمين بعمان، وعلق أحدهم، يدعى محمد حسن المهدي بقوله: "مفوضية اللاجئين بعجزها عن منع ترحيل هذا اللاجئ قسرياً إلى بلد هرب منه إنما تعلن رسمياً ألا قيمة لهذه البطاقة".
اللاجئون السودانيون نفذوا اعتصامهم مطالبين بالتوطين في بلد ثالث إضافة إلى "إنهاء التمييز" بينهم وبين غيرهم من اللاجئين في الأردن
اللاجئون السودانيون في الأردن، نفذوا اعتصامهم مطالبين بتأمين مساعدات إغاثية لفترة وجودهم في البلاد، والتوطين في بلد ثالث إضافة إلى "إنهاء التمييز" بينهم وبين غيرهم من اللاجئين في الأردن. والنقطة الأخيرة رغم أنها تمثل "فخّاً" لدحرجة الحملة تجاه موضوعة "العرقية" بالغة الحساسية في تعامل السودانيين مع المحيط العربي، إلا أن الملاحظ حتى الآن أن ردود الأفعال لم توجه إلى "الأردنيين" كشعب، الذين رفض كثيرون منهم ما حدث بحسب ما نشرته بعض الصحف والمواقع، وإنما نحو الحكومة الأردنية التي يتهمها الناشطون السودانيون بالتواطؤ مع السلطات الأمنية السودانية "لتسليم" اللاجئين الذين ينحدر أكثرهم من مناطق النزاعات في دارفور وغيرها، على الرغم من الحديث عن ضحايا بين السودانيين، وبعض الدعوات لمقاطعة كل ما هو أردني.
الموقف من الحكومة الأردنية يلخصه الإعلامي والناشط السياسي المعارض، خالد عويس، لـ"ألترا صوت" بقوله: "إن نظرة خاطفة إلى المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومسألة اللجوء، تبرهن بشكل قاطع، حين قرنها بما جرى لطالبي اللجوء السودانيين في الأردن، على الانتهاكات الجسيمة التي مارستها الحكومة الأردنية بحق هؤلاء اللاجئين، حيث تعاملت معهم السلطات هناك بعنف بالغ، حسب شهادات شهود عيان، وبإرغامهم على العودة إلى بلدهم الذي فروا منه"، ويستطرد عويس: "بحسب المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد". ويؤكد عويس: "الاضطهاد هذا مثبت تماماً في حالة دارفور، وصدرت بشأنه قرارات متلاحقة من مجلس الأمن. عمّان تعلم تماماً بالقرارات الأممية المتعلقة بدارفور، بل وبإحالة الملف للمحكمة الجنائية الدولية، نظرا للجرائم الخطيرة والواسعة والمستمرة حتى الآن".
على "التايم لاين" لموقع "فيسبوك"، تنحو المواقف باتجاه التخوف مما سيحدث للاجئين المرحلين إلى السودان، الذين وصلت الدفعة الأولى منهم بالفعل مساء أمس "الجمعة". الصحفي فيصل محمد صالح، على صفحته بالموقع، بعد وصفه ما حدث لطالبي اللجوء السودانيين بالأردن بأنه "جريمة كاملة الأركان"؛ حمّل المسؤولية للسلطات الأردنية والمفوضية السامية للاجئين. فيصل، ورغم استبعاده أن "تجرؤ" الحكومة السودانية على إساءة معاملة المرحلين، إلا أنه طالب بالرقابة للتأكد من عدم تعرضهم لأي انتهاكات.
موقف الحكومة الأردنية بفض اعتصام طالبي اللجوء السودانيين في عمان، حلقة جديدة في مسلسل العذاب السوداني، بالداخل وفي المنافي
ومثل كثيرين، لا يعفي خالد عويس مفوضية اللاجئين من المسؤولية في ما حدث، كونها – حسب أقوال المرحَّلين – ميزت بينهم ولاجئين آخرين في المعاملة، وهو ما دعاهم للاعتصام، ثم مرة أخرى بغضها الطرف عن مسألة الترحيل، في ما وصفه بـ "فضيحة جديدة لهيئات الأمم المتحدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان في السودان، وحالة التواطؤ المتواصلة مع الخرطوم".
يبقى موقف الحكومة الأردنية بفض اعتصام طالبي اللجوء السودانيين في عمان، حلقة جديدة في مسلسل العذاب السوداني، بالداخل وفي المنافي، الذي ظل يعرض حلقاته على شاشة البلد الموبوء بالنزاعات والفقر والتشظي. ويذكر السودانيون الفض الدموي لاعتصام اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود بالقاهرة 2006 الذي أدى إلى إزهاق أرواح العشرات منهم، وقابلت الحكومة السودانية الحدث أيامها ببرود فُسِّر يومها، كما يفسر اليوم، بتواطؤ الحكومة على شعبها.
مهما يكن من أمر، فيبدو أن أحداث فض اعتصام عمّان مرشحة لمزيد من التفاعل السوداني خلال الساعات المقبلة.
اقرأ/ي أيضا: