يعيش مئات، بل آلاف ممن أوصلتهم أقدامهم إلى البر الفرنسي طلبًا للأمان ولقمة العيش الكريم في ظروف لم يكونوا ليتخليوا أنها ستجابههم في الأرض التي فروا من حروب بلادهم وجوعها إليها، هذا هو الحال الذي يواجهه اللاجئون في مخيم كاليه بالقرب من القنال الإنكليزي، والمعروف بمخيم الغابة، أينما تعرض اللاجئون منذ سنوات وحتى اللحظة لأبشع أشكال وحشية الشرطة القمعية، وكذلك للعديد من المعيقات الإغاثية والإجرائية. ما يحيل إلى تساؤلات واسعة بشأن السياسات الفرنسية تجاه ملف اللجوء، خاصة في ظل العهد الماكروني/"النابليوني" الجديد ومن ضمن لوائح السياسات الأوروبية تجاه هذا الملف متعدد الأوجه الأخلاقية والأنسانية وحتى السياسية والاقتصادية. يقدم الترا صوت عبر السطور التالية ترجمًة مختصرة لتقرير النيويورك تايمز بصدد أوضاع اللجوء في كاليه.
ظهرت مع نهاية الأسبوع المنقضي مزاعم جديدة بشأن مضايقات الشرطة للاجئين في بلدة كاليه الواقعة شمال فرنسا، وذلك في تقرير يوضح الاستخدام شبه اليومي لرذاذ الفلفل ضدهم، فضلًا عن الحد من وصول الطعام إليهم، وتدمير ملاجئ المهاجرين.
يشتكي اللاجئون في كاليه من القمع الممنهج المعتمد ضدهم من طرف الشرطة الفرنسية وبشكل مستمر
فقد أخبر العاملون في مجال حقوق الإنسان وحوالي 60 لاجئًا، تبلغ أعمار نصفهم تقريبًا أقل من 18 عامًا، منظمة هيومن رايتس ووتش بالممارسات اليومية من عمليات التحقق من الهوية، وتقليل عدد ساعات عمل وكالات الإغاثة التي توزع الغذاء، والحالة غير الصحية بسبب نقص المياه والمراحيض، مثلما اتهموا ضباط الشرطة باستخدام رذاذ الفلفل دون وازع.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "نار في البحر".. مأساة لامبيدوزا بعين كسولة
قال مايكل بوشينيك، كبير الاستشاريين القانونيين في حقوق الطفل بهيومن رايتس ووتش: "لا يوجد مكان آخر يمكنني أن أذكر أنني واجهت فيه هذا الحد من استخدام رذاذ الفلفل ضد الناس الذين كانوا ينامون، ولا سيما ضد الأطفال النائمين". ووثّق التقرير عديدًا من الشكاوى حول المعاملة التي يتلقاها المهاجرون منذ تجريف "الغابة"، وهي منطقة في بلدة كاليه حيث كان يعيش 6-10 آلاف لاجئ، وكثير منهم من إفريقيا وأفغانستان ومناطق أخرى، في بيئات رديئة. فقد أُزيلت في تشرين الأول/أكتوبر ونُقل اللاجئون على متن حافلات إلى أماكن أخرى حول فرنسا.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمنعهم، لا يزال اللاجئون يسافرون إلى بلدة كاليه الواقعة على القناة الإنكليزية. إذ يأمل هؤلاء أن يكونوا من بين المحظوظين الذين ينجحون في الانتقال إلى حياة أفضل، على الرغم من الحراسات الجديدة التي تهدف إلى إيقافهم من ركوب الشاحنات أو ركوب قطارات اليورو ستار المتجهة إلى إنكلترا. وخلال انتظارهم، يخيم هؤلاء في الهواء الطلق في جماعات متفرقة، وينامون بين الشجيرات وتحت كباري الطرق السريعة.
لم يشكل انتخاب ماكرون نافذة أمل للاجئين في فرنسا بقدر ما جاء استكمالا لسياسات الحيف الأوروبي بحقهم
قال بوشينيك إن هناك ما يقدر عددهم بـ 400-500 لاجئ حاليًا في منطقة كاليه، وقد يكون العدد أكثر من هذا. بينما اعترضت بلدية كاليه، وهي الجهة الحكومية المحلية التي تشرف على الشرطة، على تصويرها بهذا الشكل في تقرير هيومن رايتس ووتش، وقالت إن المزاعم التي تشير إلى أن الشرطة تستخدم رذاذ الفلفل "بمنهجية وبدون مبرر" كانت محض افتراء".
فيما قال فابيان سوردي، قائد الشرطة بإقليم باد كاليه، في بيان: "تعمل الشرطة في كاليه، مثلما تعمل في أي مكان آخر داخل فرنسا، في إطار قانوني يسمح لها بإجراء عمليات التحقق من الجنسية. إذ يمكنهم، بتفويض النائب العام، تفريق الجماعات والتجمعات غير القانونية، مثلما يمكنهم إبعاد الأشخاص المقيمين في فرنسا إقامة غير قانونية".
وأوضح سوردي إن مكتبه استقبل ثلاث شكاوى فقط حول سلوكيات الشرطة منذ نهاية 2016، كذلك شجع الأشخاص الذين يعتقدون أن حقوقهم انتُهكت بأن يذهبوا ويتقدموا بشكاوى. غير أن اللاجئين الذين يعيشون في ظروف غير الآمنة نادرًا ما يمتلكون المال الكافي أو المهارات اللغوية الضرورية للقيام بهذا، ما يشير إلى أن العدد الرسمي للشكاوى لا يشكل مؤشرًا واقعيًا لانتهاكات الشرطة.
اشتكى اللاجئون وعمال الإغاثة من أن الشرطة تتخذ في الغالب موقفًا عدائيًا ضد المهاجرين بدون وقوع أي استفزازات؛ فمن بين المهاجرين الذين أُجريت معهم مقابلات خلال تقرير هيومن رايتس ووتش، والبالغ عددهم 61 لاجئًا، قال 57 منهم إنهم تعرضوا لهجوم برذاذ الفلفل في وقت ما. وقال 55 منهم إنهم تعرضوا للرذاذ خلال الأسبوعين الماضيين، إذ يقول عمال الإغاثة إنه حتى بعد مرور يوم من التعرض للرذاذ، لا يزال الأطفال يعانون من مشاكل في العين.
اقرأ/ي أيضًا: مخيم "الشوشة".. قصص منسيين في سجن مفتوح
في غضون ذلك، قال لاجئ إثيوبي يبلغ من العمر 17 عامًا، وعُرف في التقرير باسم موتي. و، للباحثين في المنظمة الحقوقية: "كنت أنام هذا الصباح تحت الجسر. جاءت الشرطة ورشّوا الرذاذ على وجوهنا، وشعورنا، وأعيننا، وملابسنا، وأكياس النوم، والطعام. كان كثير من الناس ينامون آنذاك. لقد رشت الشرطة كل شيء". فيما قال بوشينيك إن مصادرة الشرطة لأكياس النوم والملابس الزائدة، وتعطيل توزيع الغذاء، ولا سيما التوزيعات التي تحدث في المساء، يعد أمرًا روتينيًا.
يعد مخيم كاليه، الشهير بالغابة، تذكىرًا صارخًا بمعسكرات الاعتقال النازية في الحرب العالمية الثانية
في سياق متصل، أعلن بيير هنري، المدير العام لمنظمة "فرانس تير أزيل"، وهي منظمة إغاثية تساعد اللاجئين في التقدم بطلب لجوء، إدانته لهذه الانتهاكات، فقال: "لا يوجد أي مبرر لمثل هذه المعاملة المخزية". وقال هنري إن الحكومة ينبغي عليها أن تبذل جهدًا منسقًا للتعامل مع تدفق اللاجئين، بدلًا من الاعتماد على الشرطة. وأضاف إن ثمة حاجةً لمزيد من مراكز الاستقبال حيث يمكن للمهاجرين أن يمكثوا فيها، ويغتسلوا، ويتناولوا الطعام بأمان، ويتقدموا بطلب للجوء.
قد يدعو مقترح حكومي إلى إنشاء مزيد من المساكن لطالبي اللجوء وتعجيل عملية تقديم الطلبات، لكنه قد يسرع كذلك من ترحيل الآخرين الذين لم يستوفوا متطلبات اللجوء إلى فرنسا.
إذ قال جاك توبون، أمين المظالم المتعلقة بحقوق الإنسان في فرنسا، إن الخطة لم تكن كافية؛ إذ ينصح، مثل هنري، بأن تفتح الحكومة مزيدًا من مراكز الاستقبال للتعامل مع الآلاف الذين يصلون إلى فرنسا. وقال هنري "عندما تطالب الشرطة بالتعامل مع مشكلات الهجرة، ولا تتعاون من أجل السماح للاجئين بأن يحظوا بحقوقهم، فإنك تواجه صعوبات". وأضاف أن الحل الوحيد من منظور شرطي هو "تفريق المهاجرين".
هذا كله يحصل على أرض الجمهورية الفرنسية، وتحت ولاية الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون، الذي زخرت حملته الانتخابيه بالشعارات الرنانة عن أن هناك متسعًا للجميع، لكن الواضح من المأساة المستمرة التي يجابهها لاجئو الغابة في كاليه، أن سياسات الاتحاد الأوروبي الانتقائية والمتعالية تجاه طالبي اللجوء هي التعميم المخيم على المساحة الفرنسية الضائقة بمن لجأ إليها.
اقرأ/ي أيضًا: