يُعد المجلس السيادي أحد أهم مكونات الحكومة الانتقالية في السودان، وظل طوال فترة التفاوض بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير نقطة خلاف أساسية، من حيث طبيعة ومهام المجلس، وصلاحياته في ظل مطالب الدولة المدنية، وتعيين رئيس وزراء معني بإدارة الحكومة.
أثار ترشيح المدنيين للمجلس السيادي جدلًا في أروقة قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، بسبب "المعايير المبهمة والمحاصصة الحزبية والجهوية"
وفي الأسبوع الماضي، أدى قسم عضوية المجلس السيادي 11 عضوًا؛ ستة مدنيين وخمسة عسكريين، أوكلت لهم مهمة قيادة البلاد مدة ثلاث سنوات، النصف الأول منه بقيادة الأعضاء العسكريين، والنصف الثاني بقيادة من رشحتهم قوى المعارضة المدنية، فمن هم المدنيون الذي أوكلت إليهم المهمة الصعبة؟
اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: اتفاق المرحلة الانتقالية في السودان.. فرص النجاح والعقبات
جدل الاختيار والمعايير
أثارت عملية ترشيح المدنيين جدلًا عاصفًا في أروقة قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، لجهة المعايير المبهمة، وحالة الرفض لما وصف بالمحاصصة الحزبية والجهوية. ودخل المجلس نتيجة لذلك، امرأتان هما:
- عائشة موسى.
- رجاء نيقولا عبد المسيح.
وأربعة رجال هم:
- صديق تاور.
- حسن شيخ إدريس.
- طه عثمان.
- محمد الفكي سليمان.
وقد تم الدفع بهؤلاء من كتل معارضة مختلفة مع محاولة مراعاة الجندرة، والكفاءة، والتمثيل الجغرافي النسبي، رغم الطعن حول كفاءات عديد من تلك الوجوه، وتبادل الاتهامات إزاء فرض أسماء بعينها عبر المحاباة والانتماءات التنظيمية في عملية الترشيح والاختيار.
ومضى الأمر أكثر من ذلك، بعد خبر تخصيص سيارات ماركة "إنفينيتي" باهظة الثمن في السودان، لكل أعضاء المجلس السيادي بمن فيهم المدنيون، ما أثار حالة من السخط والاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار تخصيص مثل تلك السيارات التي يبلغ سعر الواحدة نحو 100 ألف دولار، مدخلًا للفساد وتبديدًا لموارد الدولة.
أرملة الشاعر.. عائشة موسى
تعتبر عائشة موسى السعيد أكبر أعضاء المجلس السيادي سنًا، فهي في العقد السابع من عمرها. وقد رشحتها منظمات المجتمع المدني للمجلس السيادي.
وعائشة موسى ناشطة أيضًا في تحالف قوى التغيير الأكاديمية، وتقوم برعايا العديد من منظمات الطفولة والأسرة، وهي أرملة الشاعر محمد عبد الحي، صاحب القصيدة الشهيرة "العودة إلى سنار".
كما أنها شبت عن الطوق في مدينة الأبيض، غرب السودان، وتخرجت في جامعة الخرطوم، من ثم انتقلت إلى جامعة ليدز في بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية، ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد ذلك، وعملت في مجال التدريس بالمملكة العربية السعودية، قبل أن تعود إلى بلادها لإدارة معهد التأهيل التربيوي التابع لجامعة الخرطوم. ورغم ميولها اليسارية، لم تنشط عائشة في عمل حزبي مباشر.
عودة الطالب محمد حسن التعايشي
المرشح الثاني هو محمد حسن عثمان التعايشي. شاب خاض دروب النضال السياسي ضد نظام عمر البشير. ينتمي إلى حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، رغم أنه تخفف نسبيًا عن التكاليف التنظيمية، وذلك بعد خلاف مكتوم مع رئاسة الحزب.
وقد دفعت به لجنة صيادلة السودان المركزية ضمن حصة تجمع المهنيين، رغم أنه تخرج في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم. في البداية ووجه ترشيحه بالرفض، لأن الفرصة خاصة بالقبائل غير العربية في دارفور، وتم إبعاده، ما تسبب في موجة غضب وسط أصدقائه، واعتذار أستاذته فدوى عبد الرحمن عن المجلس السيادي، بسبب هذه الخطوة، أعيد التعايشي واستُبدلت فدوى بعائشة موسى.
كان عضو المجلس السياسي، محمد حسن عثمان التعايشي، رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، في دورة 2003/2004.
هذا وقد أثير جدل كبير حول اختيار التعايشي، بسبب ما تردد حول أنه كان يعمل حارس بناية في بريطانيا، ولا يتمتع بالخبرة الكافية التي تؤهله لصعود المجلس السيادي، بينما دافع عنه أصدقاؤه بشراسة، بحجة أن الرجل يتعرض إلى حملة ظالمة، وأنه جدير بالموقع السيادي.
رجاء عبدالمسيح.. قبطية في المجلس
في المرتبة الثالثة ضمن حصة المدنيين في المجلس السيادي، تم اختيار رجاء نيقولا عبد المسيح، وهي تقريبًا أول سيدة قطبية سودانية تتولى منصبًا رفيعًا في الدولة.
رجاء عبدالمسيح، التي ولدت في مدينة أم درمان، وكانت تعمل مستشارة في وزارة العدل بعد أن تخرجت في جامعة القاهرة فرع الخرطوم ثمانينيات القرن المنصرم؛ وقع الاختيار عليها ربما لتكون العضو التوافقي في المجلس السيادي، الذي كان مقدرًا أن يأتي، كمدني بخلفية عسكرية، وتم التوافق على رجاء لإضفاء نوع من مشاركة كافة مكونات المجتمع السوداني في إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
ممثل الشرق.. حسن قاضي
من الوجوه التي تأخر إعلانها، بسبب خلافات حول الأسماء المطروحة، هو حسن محمد إدريس قاضي، ممثل شرق السودان، والذي كان يعمل مستشارًا قانونيًا في الخليج. ويعتبر قاضي مرشح نداء السودان الذي يضم قوى عسكرية ومدنية.
تخرج قاضي في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم، وعمل في وزارة العدل عقب تخرجه، من ثم وكيلًا للنيابة في مدينة كسلا شرق السودان، قبل أن ينتقل إلى البحرين، وسلطنة عمان، ليعمل في وظيفة المستشار القانوني.
وفي السودان كان له نصيب من العمل السياسي، إذ كان عضوًا في البرلمان بعد انتفاضة 1985، كما شغل منصب وزير الإسكان والأشغال العامة في تلك الفترة.
محمد الفكي "مانقة"
أصغر أعضاء المجلس السيادي سنًا هو محمد الفكي سليمان، المنحدر من مدينة أم روابة غرب السودان. وينتمي الفكة إلى كتلة التجمع الاتحادي. وقد حسم ترشحه في وقت مبكر رغم أنه لم يسلم من الرفض بسبب حداثة تجربته السياسية، فأول وظيفة رسمية شغلها الفكي هي عضوية المجلس السيادي.
قبل ذلك كان الفكي ناشطًا في العمل الطلابي. وبعد تخرجه عمل في الصحافة المحلية قليلًا، وعمل "كول سنتر" في إحدى شركات الاتصالات.
حصل الفكي على درجة الماجستير. وله كتابات في السياسة والأدب، ومجموعة قصصية منشورة. وفي الآونة الأخيرة عمل في مؤسسات صحفية قطرية، قبل أن يصبح عضوًا في المجلس السيادي. أطلق البعض عليه لقب "الفكي منقة" أي "مانجو"، بعد اقتراحه تصدير المانجو فقط لإنقاذ الاقتصاد السوداني.
البعثي الأفريقي.. صديق تاور كافي
آخر أعضاء المجلس السيادي من المدنيين، هو الأستاذ الجامعي صديق تاور كافي البالغ من العمر 60 عامًا. ينحدر تاور من منطقة جبال النوبة،غرب السوان.
رشحته للمجلس السيادي قوى الإجماع الوطني، وقد صاحب اختياره لغط شديد بسبب نشاطه في حزب البعث العربي الاشتراكي، رغم انتمائه لمجموعة غير عربية، ما اعتبره البعض مفارقة سياسية.
وتاور أكاديمي متخصص، لديه مساهمات عملية في مجال الفيزياء، وهو كذلك ناشط ضمن منظمات السلام، ويحمل شهادة الدكتوراه، وزميل مجموعة الفيزياء البيولوجية بجامعة ليدن الهولندية.
حكومة شارع المين
يبدو أيضًا من خلال هذا الاستعراض، أن معظم أعضاء المجلس السيادي من شريحة المغتربين، وقد تخرجوا في جامعة الخرطوم، كما لو أن بقية الجامعات لا ترقى لهذا الشرف السيادي، وهو ما دفع البعض للكتابة والهتاف: "لن يحكمنا شارع المين"، وهو أشهر شارع في جامعة الخرطوم، وكانت تقام فيه أركان النقاش والمنتديات السياسية؛ وذلك في إشارة إلى ما اعتبروه "احتكار" جامعة الخرطوم أغلبية المجلس السيادي بقصد أو بدون قصد.
وبدأت الأضواء تطارد أعضاء المجلس السيادي، تحديدًا المدنيين منهم، باعتبارهم من مخاض الثورة الساعية للعدل والمساواة، وسط مطالب انتشرت مؤخرًا بالكشف عن مخصصاتهم المالية وسفرياتهم الخارجية وطبيعة التنسيق أيضًا مع العساكر، بتغليب الوجه المدني للمجلس، ما يعني أن مهمتهم ليست بالسهلة.
جدل سيارات "إنفينيتي"
عطفًا على ذلك، نشرت صحيفة "السوداني" الصادرة في الخرطوم، خبرًا عن شكل الحراسة التي سوف ترافق أعضاء السيادي، إلى جانب تخصيص سيارات "إنفينيتي" لكافة أعضاء السيادي، وأحاديث عن استئجار فنادق ليقيموا فيها.
وأثار خبر تخصيص السيارات باهظة الثمن، موجة من الغضب بسبب ما وُصف بـ"الرفاهية السيادية"، رافقتها حملات مطالبة برفض الأعضاء المدنيين تحديدًا لهذا العرض الذي اعتبره كثيرون "استفزازًا للأوضاع الاقتصادية". وبالفعل كشف الفكي عن رفضهم تلك السيارات.
أثار خبر تخصيص سيارات باهظة الثمن لأعضاء المجلس السيادي، موجة غضب، ما دفع بتصريحهم عن رفضهم استلام تلك السيارات
وقال الفكي في تصريح صحفي، إن السيارات المذكورة هي "ملك للدولة التي تتبع لمؤسسة الرئاسة ويتم استخدامها في المراسم الرسمية"، منوهًا إلى أن أعضاء مجلس السيادة لن يستخدموا تلك السيارات، وأنه سيتم التباحث مستقبلًا عن كيفية "توظيف تلك الأصول الفائضة بما يدعم موازنة الدولة، ويتسق مع أهداف ثورتنا المجيدة" على حد قول الفكي.
اقرأ/ي أيضًا:
نعمات عبدالله.. غموض بعد تأجيل تعيين أول امرأة لرئاسة القضاء في السودان!