منطقيًا، الهدف الذي تُكوّن من أجله التنظيمات الطلابية في الجامعات هو الدفاع عن حقوق الطلبة وخلق قيادات فاعلة في الوسط الجامعي وتكوين كفاءات تواصل المسيرة النبيلة بعد التخرج، لكن أي حال لهذه التنظيمات في الجامعة الجزائرية خاصة وأن مكوناتها منضوية تحت ألوية أحزاب سياسية ناشطة في الساحة الوطنية؟
مع نهاية التسعينيات، لم يعد للمنظمات الطلابية الجزائرية أي تأثير خلافًا لما كانت عليه في السابق لتداخل المصالح بينها وبين إدارات الجامعات
بتحريك عجلة الزمن إلى الوراء، نحو أربعين سنة، كانت الجامعة الجزائرية تقبع تحت رحمة تيارين من التنظيمات الطلابية هما: الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين والاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، المنظمة الجماهيرية التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني. في تلك الفترة، كانت منحة الطالب الجزائري، إبان حكم الرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، تقدر بـتسعمائة دينار جزائري، وبقيت على ما هي عليه إلى غاية رفع قيمتها في السنوات الأخيرة إلى أربعة آلاف دينار جزائري (حوالي أربعين دولار أمريكي) من قبل رئيس الجمهورية الحالي عبد العزيز بوتفليقة. كانت منحة الطالب الجزائري أكبر من راتب بعض الموظفين والعمال، الذين كانوا يتقاضون أجرًا شهريًا أقلّ من تسعمائة دينار جزائري، ما يعكس الاهتمام الكبير الذي كان يولى لطلاب الجامعة آنذاك.
أمّا اليوم، فقد اختلف الحال. منذ إقرار التعددية الحزبية سنة 1989، اهتمت التنظيمات الطلابية بالتأسيس لقاعدة طلابية جماهيرية هائلة، وكان من بين أهدافها تكوين الطالب سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، فضلًا عن الدفاع عن حقوق الطالب "المغتصبة" من قبل الإدارة أو الأستاذ. لكن مع نهاية التسعينيات، لم يعد للمنظمات الطلابية الجزائرية أي تأثير خلافًا لما كانت عليه في السابق لتداخل المصالح بينها وبين إدارات الجامعات والمعاهد والمدارس التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ما أنتج شبه قطيعة بينها وبين الطلبة في غالب الأحيان.
ولا يزال هناك فروع لمنظمات طلابية ناشطة في بعض الجامعات، ملتزمة ومهنية وتضع الطالب أولوية وخطًا أحمر لا يمكن المساس به أو تجاوزه، لكنّها قليلة، رغم تحقيق بعضها لنتائج ملموسة من خلال الإضرابات والوقفات الاحتجاجية. تؤكد حنان رمضاني، طالبة في السنة الثالثة إعلام واتصال بجامعة الجزائر، لـ"الترا صوت" أنّها "شاركت مع عدد من التنظيمات الطلابية في احتجاجات مطالبة بحقوقهم وتوصلوا إثرها إلى نتائج طيبة".
لكن لا تخفي حنان أنّ "بعض فروع التنظيمات الطلابية تهدف من وراء احتجاجاتها وإضراباتها إلى تحقيق مصالح شخصية، وتلبي الإدارة مطالبهم حتّى وإن كانت غير منطقية خوفًا من إحداث الفوضى والإزعاج"، لذا تعتقد أنّ "هذه الهيئات الطلابية حادت عن مسارها وانحرفت شعاراتها إلى سبيل غير علمي بعدما أصبحت تضم في صفوفها من هبّ ودب لتمثيل الطلبة".
بدوره، يرى الأستاذ الجامعي محمد شيحات في حديثه لـ"الترا صوت" أنّ "النشاط الطلابي في الجامعات خاصة في إطار التنظيمات الطلابية أمر ضروري وأكيد، لكن في الجزائر لا يزال العمل الطلابي تعتريه الكثير من الشوائب بالنظر للأبعاد التي أسست على أساسها هذه التنظيمات من جانب والأدوار التي تلعبها من جانب آخر".
وأوضح أنّ "التنظيمات الطلابية تقوم على دعم الطلبة وخدمتهم بحسب ما تؤكد لوائحها التنظيمية وقد حققت جملة من الخطوات في هذا السياق لكن بعض الأدوار والمهام المنوطة بها لا تصب مطلقًا في الصالح العام للنشاط الطلابي بالجامعات بل تتميز بسلوك أقرب للضغط والابتزاز، للحصول على مكاسب ضيقة للقائمين على مكاتب التنظيمات أو حتى الأطراف الداعمة لها من أحزاب وشخصيات". ويضيف: "للأسف يفرض المنخرطون في التنظيمات الطلابية العديد من الإضرابات على آلاف الطلبة ويحرمونهم من دراستهم دون فائدة تذكر، وقد شهدنا الأمر مرات عديدة بصفتنا طلبة أو أساتذة".
بقدر ما سعت المنظمات الطلابية الجزائرية إلى أن تكون صوت الطلبة وسفيرهم لدى الإدارة الجامعية، بقدر ما خلقت للطلبة عديد الأزمات بسبب لعبة المصالح الشخصية أو المصالح الأعمق والتي تحركها السياسة ورجالها.
اقرأ/ي أيضًا:
لا تغير جذري بعد الثورة في نقابات طلاب تونس