في مدينة طنجة، شماليّ المغرب، تفتح الجمعيات الموسيقية أبوابها لاستقبال الشباب، والأطفال أيضاً، من الراغبين في تمرين الحنجرة على المقامات الأندلسية، الخفيفة والثقيلة. يأتي ذلك في إطار يعكس اهتمام الناس بإتقان هذا النوع الموسيقي.
جمعية أبناء وبنات زرياب للموسيقى الأندلسية والروحية، حيث لا يمكن فصل الروحي عن هذه الموسيقى لاشتباكها مع المدح الصوفي، كانت الفضاء الذي استمعنا فيه إلى الشباب، وإلى دوافعهم للانخراط بالجمعية واتباع برامجها.
لا يمكن فصل الروحي، في الموسيقى الأندلسية، لاشتباكها مع المدح الصوفي
يجمع الأعضاء أنهم جاؤوا ليكملوا مسيرتهم التعليمية، لأنّ المعاهد الموسيقية، في طنجة أو خارجها، لا توّفر لهم كامل احتياجاتهم، بالإضافة إلى حب الموسيقى الأندلسية التي تربّوا على سماعها في بيوتهم منذ الصغر.
تقول نبال قداد: "هوايتي هي الموسيقى الأندلسية، وأفتخر عندما أضيف ذلك إلى السيرة الذاتية. وهي بالنسبة لي غذاء للروح. من لم يستمع لها ولقصائدها وأشعارها لن يعرف قيمتها كفنّ أصيل، يجب أن تكون سمّاعاً. فيها الزجل وفيها الغزل وكلام مغربي قديم".
تتحدّث ذات الخمسة والعشرين عاماً عن انخراطها بالجمعية بوصفه نوعاً من المشاركة مع شباب آخرين لكل ما تتعلمه عن الموسيقى، وتجد أن للشباب دوراً مهماً في الحفاظ على هذا الموروث لأنّهم "الفئة المستهدفة في المجتمع، والقادرة على تسويق هذا المنتج التراثي للعالم بطرق جديدة". ومن خلال تجربتها مع هذا الفن، تقول: "لا تشترط الموسيقى الأندلسية التعلّم، إنما تحتاج للممارسة والتدرب على يد أستاذ قادر على التوجيه، لأنها بحر من المقامات والنوبات".
ربيع اليعقوبي شاب آخر منخرط بالجمعية، يرى أنه يجب أن تكون تربية الطفل تربيةً فنّيةً قبل أي شيء، وعن تربيته وتكوينه الموسيقي يقول: "نشأت في حفظ القرآن والسماع والمديح. بعدها انتقلت إلى دراسة الموسيقى، وذلك بعد دراستي للحقوق والإعلام. أنا متخصص في العزف على آلة الكمان. بداياتي في التكوين والتعليم الموسيقي كانت بين الزوايا الصديقية والكتانية. هناك تعلّمت المقامات والمديح، كما شجعني والدي على متابعة دراستي في معهد الموسيقى".
أما عن دور الشباب في هذا الإطار، فيؤكد "أنهم يحافظون عليها وعلى قوالبها، والباقي على النغمة التي يجب أن تتجدد". وعلى المستوى الموسيقي العربي، لا يجد اليعقوبي أية جهود مبذولة من قبل وزارات الثقافة، أو منظمي الفعاليات الثقافية، في إقامة مهرجانات للموسيقى التراثية، يشارك فيها كافة الشباب العرب، بحيث يمثّل كلٌّ يمثل موسيقاه".
توجيه الشباب إلى الحفاظ على الموسيقى التراثية هو مسؤولية الإعلام والدولة
هرباً من معهد الموسيقى في طنجة، ولجوءً إلى الجمعية، جاءت هناء المرابط لتبحث عن فرصة لتطوير مهاراتها في الغناء والعزف، وساعدها على الاستمرار في الجمعية هو الجوّ العائلي، تقول: "بدأتُ منذ أربعة أعوام، تعلّمت أصول الغناء الأندلسي وكيفية إخراج الصوت، كما حفظت الكثير من الأشعار الأندلسية، وتعرفت على المقامات والنوبات، وعزفت على الكمان. في المعهد كنّا نتعلم الموسيقى الكلاسيكية فقط، ولا مكان لهوايتي في الموسيقى الأندلسية".
صعوبة الوصل بين اللحن والميزان، هي أبرز الصعوبات التي تواجه أي متعلم للموسيقى الأندلسية، بحسب المرابط التي تقول: "هناك إقبال كبير من الشباب على التجريب والتعلم، ولكن ينقصهم الصبر والرغبة. هي موسيقى صعبة لمن ليست هوايته".
رئيس فرقة "أبناء وبنات زرياب" محمد العوّامي يرى أن توجيه الشباب إلى الحفاظ على الموسيقى التراثية هو مسؤولية الإعلام والدولة. وعن دور الجمعيات في ذلك قال: "نحن نقوم بأقصى جهدنا كي نوصل الرسالة إلى الشباب. كثير منهم انخرط في الجمعية وأعجبته الموسيقى وبقي منخرطاً، بحيث تتغير شخصياتهم وأفكارهم نحو الأفضل".
توفر "أبناء وبنات زرياب" جميع الوسائل المتاحة لتعلم الموسيقى، وتتبع برنامجاً خاصاً به يتناسب مع احتياجات الأطفال أو الطلبة الراغبين في التعلم، يقول العوامي: " تعلم الموسيقى يحتاج للصبر. بعض الطلبة لا يمكنهم قضاء وقت طويل في التعلم، وبعضهم يترك معهد الموسيقى ويلتحق بالجمعية، أو سواها من الجمعيات، لأن المعهد يقارب وجهة نظر أوروبية ونتائجه بعيدة المدى، أما بالجمعية فيمكن للمنخرط أن يلمس النتائج مباشرة في العزف والغناء".
لا يتعدّى الأمر رسوماً رمزية، قد تؤهل أي شاب أو شابة لكي ينخرط في جمعية، أو معهد موسيقى، ويصبح مغنياً في أحد الأجواق الموسيقية، ولكن "تعلمه وتعليمه يبقى ناقصاً" على حدّ قول العوّامي.