يخوض الإماراتيون والعُمانيون منذ أسابيع وحتّى الآن جدلًا واسعًا وسجالاتٍ حادّة في مواقع التواصل الاجتماعي، حول حقيقة نسب المُهلّب بن أبي صُفرة، المعروف عربيًا بأصوله العُمانية، قبل أن تبدأ إمارة أبوظبي وأدواتها الإعلامية حملة تزييفٍ وتحريفٍ للتاريخ، الهدف الأوّل منها نسب أصول المُهلّب إلى إمارات ابن زايد، والتشكيك في حقيقة أصوله العُمانية. استدعى هذا الزعم ردًّا عُمانيًا سريعًا تمثّل في ندوة عُقدت في العاصمة العُمانية مسقط، أكّد المشاركون فيها علميًا على الأصول العُمانية للمُهلّب. تلتها تصريحات جريئة لمستشار السلطان قابوس للشؤون الثقافية عبد العزيز بن محمد الرواس، وصف فيها ما تروِّجه إمارة أبوظبي حول نسب المُهلّب بالاعتداء على أسلاف العُمانيين وتاريخهم، داعيًا من تنكّروا لعُمانيتهم، وتاهوا في الأرض أربعين عامًا لوقفها.
ما تدّعيه إمارة أبو ظبي وأدواتها حول النسب الإماراتيّ للمُهلّب ليس جديدًا، إذ سبق وأن أصدرت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام كتابًا بعنوان "المُهلّب: من دبا إلى مطلع الشمس"
ما تدّعيه إمارة أبوظبي وأدواتها حول النسب الإماراتيّ للمُهلّب بن أبي صفرة ليس جديدًا، إذ سبق وأن أصدرت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام سنة 2013 كتابًا بعنوان "المُهلّب: من دبا إلى مطلع الشمس"، ينسب مؤلّفه رياض نعسان آغا، سفير النظام السوري سابقًا في الإمارات، ووزير الثقافة في الحكومة السورية المؤقّتة؛ المُهلّبَ بن أبي صُفرة إلى الإمارات. وما لا يقبل الجدل والشكّ أنّ هذا الكتاب الذي تبنّى رواية حكومة أبوظبي وروّج لها، قد أُلِّف خصيصًا لهذا الغرض، ما يؤكّد أنّ ثمّة تخطيطًا مُسبقًا لهذا الموضوع الذي عاد إلى الواجهة مجدّدًا بعد الإعلان عن نيّة تلفزيون أبوظبي إنتاج مسلسل يتناول حياة المُهلّب بن أبي صفرة بناءً على ما جاء في كتاب نعسان آغا. وبلغ الجدل حوله أقصاه مع بدء عرض المسلسل الذي أثار غضب وسخرية العُمانيين في الوقت نفسه.
اقرأ/ي أيضًا: دراما الإرهاب تفاقم تعقيد علاقة السودان بمصر.. ماذا فعل أحمد عز؟
وفي الوقت الذي تسعى فيه الإمارة المُطبِّعة توظيف أدواتها الإعلامية وأعوانها، من مؤرّخين وباحثين ورجال دين، لترويج تزييفها هذا، تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي سخرية لاذعة وحادّة طالت إمارة أبوظبي وحكّامها تحت وسم "التائهون في الأرض"، في إشارة واضحة وصريحة ومباشرة لأبناء زايد. حيث أكّد فيها العُمانيون وغير العُمانيين تحريف الإمارات بوقاحة شديدة للتاريخ العُماني، ومحاولتها سرقته سعيًا منها لسدّ الفراغ الحاصل في تاريخها، وإن وُجد أساسًا.
وجاء المسلسل بجملة أخطاء تؤكّد إعطاء منتجيه الأولوية إلى الرسائل السياسية بدلًا من المضمون والمحتوى الذي يقدّم حقًّا سيرة المُهلّب بن أبي صفرة. ولكن بعيدًا عن مضمونه الذي أثار عاصفة الجدل هذه وردود الأفعال المتضاربة بين الإماراتيين والعمانيين لجهة التزييف والتحريف اللذين طالا سيرة المُهلّب لا نسبه فقط، ثمّة ما يلفت الانتباه فيه، أي في المسلسل الذي بدا واضحًا إصرار القائمين عليه على جعله إماراتيًا أكثر مما ينبغي. ونقصد هنا الرسائل السياسية التي تسعى إمارة أبناء زايد عبره إلى تمريرها خدمةً لأجنداتها المُعلنة والمخفية معًا. وعند أي محاولة منّا لالتقاط هذه الرسائل وفهمها، علينا أوّلًا العودة إلى الأسابيع الأولى التي تلت إعلان دول الحصار عن حصارها لقطر، أي عندما خرج المفتي المصريّ السابق علي جمعة بحديث يتماهى مع سياسات إمارات ابن زايد وشركائها آنذاك. نسب جمعة في حديثه هذا المُهلّب بن أبي صُفرة إلى الإمارات، بعد أن سبق وأكّد في إحدى اللقاءات التلفزيونية أصوله العُمانية. ليبدو هنا أنّ المُهلّب نفسه ليس إلّا وسيلةً لتمرير أفكار مُعيّنة كان علي جمعة أوّل من تبّناها وروّج لها بادعائه أنّ قطر سُمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى قطري بن الفجاءة، زعيم الخوارج الأزارقة الذي تمكّن المُهلّب بن أبي صفرة بنسخته الإماراتية من القضاء عليه.
يبدو هنا أنّ المُهلّب بن أبي صفرة ليس إلّا وسيلةً لتمرير أفكار مُعيّنة كان علي جمعة أوّل من تبّناها وروّج لها
حوّل هذا الادعاء القطريين ككل إلى أحفاد لقطري بن الفجاءة، بمعنى أنّهم خوارج هذا العصر. وصوّر الإمارات التي يُنسب إليها المُهلّب بن أبي صفرة زورًا بالمنقذ لأنّ التاريخ يُعيد نفسه الآن بحسب جمعة الذي حاول شرعنة عداء إمارات ابن زايد، ومحمد بن زايد تحديدًا، لدولة قطر.
اقرأ/ي أيضًا: صراع نتفليكس مع أباطرة البث.. من يغير قواعد اللعبة؟
وتاليًا، الرسالة التي سعى علي جمعة وأدوات أبوظبي الإعلامية للترويج لها، هي الرسالة نفسها التي يبدو أن المسلسل الذي أنتجه تلفزيون هذه الإمارة يسعى لترويجها من خلال المُهلّب بن أبي صفرة وقطري بن الفجاءة، وهي منح عداء ابن زايد للقطريين أسبابًا تاريخية وغطاءً دينيًا مزوّرًا تنسجه "دراهمه" الموزّعة هنا وهناك لشراء الذمم.
اقرأ/ي أيضًا: