من جديد تتصاعد مطالب منظمات حقوقية وأممية بضرورة تنفيذ الإمارات العربية المتحدة وعودها حول تطبيق كافة تعهداتها والتزاماتها بموجب المعاهدة الأممية المانعة لكافة أشكال التمييز العنصري. وتأتي المطالبات على هامش اجتماع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، تجديدًا لمطالب سابقة بمنع تصاعد التمييز العنصري داخل الإمارات.
من جديد تطالب منظمات حقوقية وأممية، الإمارات، بوقف كافة أشكال التمييز العنصري الممارس على أراضيها
وصدر بيان من اللجنة حول أعمال اجتماعها، رصد ما دار من مناقشات تمت أثناء انعقاد اللجنة في الثامن آب/أغسطس 2017. وأشار البيان لعدد من المحاور التي تمت مناقشتها خلال الاجتماع، وتعد أبرز ملاحظات خبراء اللجنة الأممية على الإمارات في ملف التمييز العنصري "العمالة الأجنبية، والمرأة والمساواة أمام القانون، وضمانات المحاكمة العادلة، والبدون والشيعة والأفارقة، وعاملات المنازل".
ملاحظات خبراء لجنة الأمم المتحدة
كان للخبراء في اللجنة الأممية العديد من الملاحظات حول التزام الإمارات بوقف ممارسة كافة أشكال التمييز العنصري على أراضيها. والمثير للاهتمام في الأمر هو أن معظم هذه الملاحظات سبق وأن تكررت في عدة تقارير حقوقية، فلم تكن هذه المرة الأولى.
وتركزت معظم هذه الملاحظات على ماهيّة العقوبات المتعلقة بالتمييز في العمل، والساعات المناسبة للعمل، والسكن اللائق للعمال، واعتماد مشروع القانون المتعلق بالعمال المنزليين، وفجوة المرتبات بين العمال الأجانب والمواطنين، وحالة العمال اليدويين، وكذلك نقل جنسية المواطنات المتزوجات من أجنبي لأبنائهن، ووضع الأشخاص غير الحاملين للجنسية (البدون)، وحقوق المرأة في الإمارات، ومدى تنفيذ الإمارات لاستراتيجية التمكين الوطني للنساء، وكذلك ضمانات المحاكمة العادلة، والوصول إلى العدالة دون تمييز.
وتساءلت رئيسة اللجنة الأممية، أنستازيا كريكلي، عمّا إذا كانت حكومة الإمارات تعتزم إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وما هي معايير توفير السكن الكافي للعمال المهاجرين. أما فيما يخص جانب القضاء فكانت الأسئلة الرئيسية من رئيسة اللجنة حول كيفية حل المسائل القانونية اليومية في الدولة بين المسلمين وغير المسلمين، وأيضًا المسلمين غير السنة، وعن الفرق بين الجريمة والجنحة، وكيفية تطبيق القانون بالمساواة بين الجميع.
ترد الإمارات نفس الردود على نفس الانتقادات التي تواجهها على مدار سنوات، مع تجاهلها ملف البدون جنسية تمامًا
أمّا أنور كمال عضو لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، فقد تساءل عن آلية تقديم الشكاوى من جانب الأجانب وخاصة العمال، قائلًا إن "العاملين في القطاع الخاص يخشون التقدم بشكوى بشأن التمييز". كما كان هناك بعض الغموض بشأن نطاق المرسوم بقانون رقم 2 لعام 2015، الذي لا ينطبق إلا على المواطنين، مُتسائلًا كمال عمّا إذا كان هناك أمين مظالم عُمّالي في الإمارات.
المنظمات الحقوقية: متى ينتهي التمييز العنصري؟
وكان من بين الحاضرين في جلسة المناقشات، مرصد مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة "لجنة العدالة" وهي منظمة حقوقية مقرها جنيف. وقال المرصد في بيان تلقى "ألترا صوت" نسخة منه عبر البريد الإلكتروني، إن "دولة الإمارات تقدم وعودًا برّاقة أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، ثم تقوم بمحو تلك الوعود في تعاملاتها اليومية"، مُؤكدًا على أنّ الردود الإماراتية لم تكن وافيةً، مُطالبًا الإمارات بالعمل على الاستفادة من مناقشة وضعها أمام اللجنة، باعتبار ذلك ركيزة للتغيير الفعلي الذي يُؤسس للعدالة المانعة للتمييز العنصري، في بلدٍ تُعاني العمالة الأجنبية فيها من ويلات الاضطهاد والتمييز.
اقرأ/ي أيضًا: ليست مجرد ناطحات سحاب لامعة.. إنها إمارات الظلام
ونقل المرصد أبرز ردود الوفد الإماراتي الذي حضر جلسة المناقشات، واعتبر المرصد أن هذه الردود لم تكن كافية. وقد تضمن التقرير الذي يُمثل رد الوفد الإماراتي حديثًا مكررًا عن القرب من الانتهاء من ملفات حق المساوات بين المواطنين، وبين المواطن والأجنبي أمام القضاء، وهو حديث إماراتي مكرر، وتُوجّه للإمارات انتقادات مكررة في هذه الملفات.
وكان مُثيرًا للاهتمام أن تجاهل التقرير الإماراتي ملف البدون، إذ تحدّث عن التجنيس وشروطه وأشكاله في الإمارات، متجاهلًا قضية البدون جنسية. وتعد الإمارات إحدى الدول القلائل التي بتواجد فيها بدون، وقد وُجّهت لها العديد من الانتقادات سابقًا بخصوص هذه النقطة تحديدًا، ومع ذلك تتجاهلها!
الجنسية والتفرقة العنصرية
الجنسية الإماراتية تعد ملكًا للدولة والحكومة بين منحها وسحبها أو إبقاء المواطن بدونها (البدون)، ووفقًا لتقرير صادر عن المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، عن وضعية حقوق الإنسان بالإمارات في 2016، فإنّ أعداد البدون في الإمارات يصل إلى 100 ألف، مُشيرًا إلى أن سياسة رفض تجنيس المواطنين تعدى إلى سحب الجنسية عن بعض المعارضين كوسيلة لقمع النشطاء وعائلتهم.
ورصد المركز خلال 2016، نحو 16 حالة سحب جنسية وإسقاطها، وقد شملت بعض الحالات الأب والزوجة والأطفال، ما يعطي إجمالي 60 حالة سحب جنسية. هذا ويُعد سحب الجنسية من الأطفال انتهاكًا للمادة الثامنة من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل. فيما لا تضمن الإمارات للمسحوب منهم الجنسية، حق اللجوء للقضاء للتظلم!
ومن أمثلة العنصرية الإماراتية التي تسيطر عليها أبوظبي، هناك منع تجنيس أبناء المواطنات المتزوجات من غير المواطنين، إلا بشروط تعسفية، ويمكن الرفض دون إبداء أسباب. وفي المقابل فإن لحكام أبوظبي، أو قل محمد بن زايد الحاكم الفعلي، الحق في إعطاء الجنسية الإماراتية لأي شخص يريده تحت بند "من قاموا بأعمال جليلة للإماراتن ومن أمثلة ذلك الداعية الأردني وسيم يوسف، أحد أذرع ابن زايد في مواجهة الربيع العربي بالخطاب الديني، وقد حصل على الجنسية عام 2014.
تعرف الإمارات ممارسات عنصرية ضد مواطني الإمارات الشمالية التي يسمونهم بـ"هنود الإمارات" تحقيرًا من شأنهم!
ووفقًا لتقرير صادر عام 2016 عن مركز الإمارات للدراسات والإعلام (إيماسك) (مركز إماراتي مُستقل يعمل من خارج الإمارات) بعنوان "من المسؤول عن العنصرية والتمييز في الإمارات؟"، فإن أشكال التفرقة العنصرية ليست فقط بين الأجانب والمواطنين ولكن بين المواطنين الإماراتيين أنفسهم، وبخاصة إمارات الشمال التي يطلق البعض عليها اسم "هنود الإمارات" تحقيرًا من شأنها، وذلك بسبب سوء التعامل مع مواطني تلك الإمارات من قبل إمارات الجنوب.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تستقدم حكومة أبوظبي من يتجسس على مواطنيها؟
وتتمثل بعض تلك الممارسات العنصرية في منع مواطني بعض تلك الإمارات الشمالية من شراء عقارات في إمارات كأبوظبي ودبي، في حين أنه يحق للأجنبي بشروط القيام بذلك، كما أن بعض شركات التأمين ترفض تأمين سيارة مواطني إمارات الشمال!
العمالة الأجنبية وعاملات المنازل
رغم ما تحاول الإمارات الترويج له من امتلاكها قوانين تقدمية فيما يخص العمالة الأجنبية، إلا أنّ الواقع مخالف لذلك، إذ يكشف عن استمرار ممارسات تمزج بين العنصرية والقمع ضد العمالة الأجنبية، وعلى رأس تلك الممارسات سجب جوازات السفر من العمال الأجانب فيما يشبه احتجازًا لهم، فضلًا عن تسكينهم في أماكن غير آدمية. كما أنّه من غير المضمون رد الفعل حال تقدّم عامل أجنبي بشكوى من صاحب العمل، وجميعها ملاحظات أشارت إليها اللجنة الأممية.
وكان مركز "Global Detention Project" ومقره جنيف، قد تقدم للأمم المتحدة بورقة حول القضاء على التمييز العنصري تخص الإمارات، أشارت إلى أنّ نسبة الأجانب في الإمارات تمثل 90% من إجمالي سكان البلاد، 95% منهم من العمال، فيما تمثل نسبة الأجانب السجناء 87.8% من إجمالي السجناء في البلاد، وفقًا لإحصاء لعام 2014.
ولفت التقرير إلى أنّه ربما تكون القوانين الإماراتية تعطي حقوقًا جيدة للأجانب، لكن الواقع والتطبيق مختلف تمامًا، إذ "يبدو أن هناك فجوة واسعة بين القانون والسياسة في البلد. وهناك اعتقالات تعسفية، واحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، كما أن هناك احتجاز لفترات طويلة قبل المحكمة للمواطنين المعارضين وكذلك لغير المواطنين"، بحسب التقرير.
وكشف التقرير عن وجود شهادات متكررة خاصة بـ"وحشية حرس السجن، والتمييز ضد غير المواطنين، وسوء المعاملة والاعتداء الجنسي على الخدم المنازل الأجانب، والاحتجاز لفترات طويلة، خاصة للفلسطينيين والسوريين".
تُروج الإمارات لنفسها باعتبارها دولة "السعادة"، فيما تعرف داخلها انتهاكات جسيمة للحقوق والحريات وتمييزًا عنصريًا غير مسبوق
ومما استهجنته اللجنة الأممية للقضاء على التمييز العنصرين في اجتماعها الأخير، أن أحدث قوانين العمل الإماراتية الصادر في كانون الثاني/يناير 2016، لم يتضمن ما يخص عاملات المنازل، رغم أنّه ملف تُوجه للإمارات فيه عديد الانتقاداتن حتى أنّ منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، أصدرت في 2014 تقريرًا حول التجاوزات التي تتعرض لها عاملات المنازل في الإمارات. وكانت الأخيرة قد رفضت تمكين هيومن رايتس ووتش من زيارة مراكز لاحتجاز عاملات المنازل.
اقرأ/ي أيضًا: إدانة 8 شيخات من أبوظبي في قضايا "استعباد" ببروكسل
تأتي تلك الملاحظات على التمييز العنصري في الإمارات، في الوقت الذي تعرف البلاد فيه من جهة أُخرى تجاوزات كثيرة في ملف الحقوق والحريات، بمنعها أي معارضة أو نقد عبر أي وسيلة، ومن يخالف ذلك مُعرض للسجن لسنوات.
وفي المقابل تُروّج الإمارات لنفسها باعتبارها بلد "السعادة"، وترشي بأموالها جماعات ضغط وصحفًا ومراكز بحثية في الولايات المتحدة للترويج لنفسها، وجميعها محاولات باءت بالفشل بعد افتضاح أمرها عدة مرات، وممارستها لـ"إرهاب الدولة" سواءً داخليًا أو مع جيرانها، مُخفية وجهها القبيح خلف ما باتت مشهورة به: الرشوة وشراء الولاءات والذمم.
اقرأ/ي أيضًا: