لا يزال الغموض يكتنف ظروف وملابسات وفاة الصحفي والأديب اليمني محمـد العبسي، الذي توفي مساء الثلاثاء الماضي في العاصمة صنعاء في ظروف مفاجئة، وفي حين أشارت الأنباء الأولية إلى أن سكتة قلبية كانت سببًا في رحيله، إلا أن هذه الفرضية تلاشت بعد ساعات، لتظهر فرضية أقوى تتحدث أن الوفاة ليست طبيعية، وأن ما حدث كان اغتيالًا تم التخطيط له بعناية، وما يعزز هذه الفرضية هو أن ابن عم محمـد الذي تناول معه وجبة العشاء الأخيرة، نقل أيضًا إلى المستشفى بعد تعرضه لحالة إغماء شديدة، ما يعني أن وجبة العشاء نفسها لم تكن بمعزل عن مسرح الجريمة كما يرى كثيرون من أقاربه.
طالبت نقابة الصحفيين اليمنيين بالتحقيق في وفاة الصحفي محمد العبسي، وطالبت بإشراك طبيب شرعي يمثل النقابة في عملية تشريح الجثمان
وكانت أسرة الصحفي العبسي ونقابة الصحفيين اليمنيين قد قدمتا بلاغًا للنائب العام المعيّن من قبل الحوثيين تطالب فيه بالتحقيق في الحادثة، وتشريح جثته وذلك بعد تأجيل مراسيم الدفن الذي كان مقررًا صباح الأربعاء.
اقرأ/ي أيضًا: عدن..انفلات أمني أم إرهاب ممنهج؟
صدمة في الوسط الصحفي ومطالبات بالتحقيق
وأصدرت نقابة الصحفيين اليمنيين بيانًا مقتضبًا طالبت فيه بتحقيق جاد وشفاف في ملابسات وفاة الصحفي العبسي، وطالبت بإشراك طبيب شرعي يمثل النقابة وأسرة الفقيد في عملية تشريح الجثمان، ودعت كافة الجهات إلی عدم الإضرار بعملية التحقيق من خلال استباق التحقيقات والتي قد تعود بنتائج عكسية.
ولم يستبعد وكيل أول نقابة الصحفيين اليمنيين سعيد ثابت سعيد تعرض العبسي للاغتيال، مؤكدًا في نفس الوقت أن" أي تشريح لجثمان الفقيد محمد عبده العبسي يقوم به من يسمى بالنائب العام المعين من مليشيا الانقلاب لا يعتد بنتائجه ونعتبره مؤكدًا لفرضية الاغتيال"، مضيفًا أنه "في حال وافقت أسرة الزميل الفقيد محمد العبسي على تشريح جثته لمعرفة سبب وفاته فإن نقابة الصحفيين تشدد على أن تكون اللجنة المكلفة بذلك لجنة دولية من الصليب الأحمر وبعيدة عن سيطرة المليشيا الانقلابية".
ودعت وزارتا الإعلام وحقوق الإنسان الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتدخل السريع لنقل جثمان العبسي إلى مدينة عدن لتشريح جثته من "أجل حفظ حقوق الفقيد وصون كرامته".
كذلك أعربت منظمة مراسلون بلا حدود عن أسفها لوفاة الصحفي الاستقصائي العبسي وطالبت بتشريح الجثة وتحقيق مستقل للتحري عن سبب موته.
فرضية التسمم التي أوقفت إجراءات الدفن
وأشار الصحفي فاروق الكمالي في منشور بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن المعلومات الأولية تشير إلى تعرض الصحفي العبسي لتسمم لم تعرف طبيعته بعد" مضيفًا أن أسرته قامت بإيداع جثته في مستشفى الكويت بعد أن كانت مجهزة للدفن قبل أن تطرأ مستجدات عن دخول ابن عمه جهاد الذي تناول معه وجبة العشاء غرفة العناية المركزة في أحد المشافي بسبب تعرضه لتسمم بحسب أطباء المشفى طبقًا لما أورده الكمالي.
وبحسب الكمالي فإن مستشفى تونس الذي نقل إليه الفقيد العبسي إثر مرضه المفاجئ كان قد أصدر تقريرًا قال فيه إن الوفاة طبيعية ناتجة عن سكتة قلبية، مشيرًا إلى أن أعراض المرض التي سبقت الموت المفاجئ كانت عبارة عن آلام في المعدة تناول على إثرها حبات من أقراص "لوماك" ليسقط بعدها مباشرة على الأرض، وينقل للمستشفى جثة هامدة.
وقال الكمالي إن معرفة طبيعة التسمم مرتبطة بـ"دقة التشريح، وخروج الشاب جهاد من حالة الغيبوبة".
اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من خارطة التعاطف العالمي؟
تحقيق العبسي الاستقصائي ومراسلاته الأخيرة
تشير المراسلات الأخيرة التي نشرها الإعلامي محمد الربع، إلى تعرض الصحفي العبسي للمضايقات، والمراقبة بما في ذلك عدم قدرته على النشر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأيضًا استخدامه لأرقام جديدة في التواصل مع الربع والبخيتي وإطلاعهما على وثائق تكشف ملف الفساد النفطي التحقيق الأخير الذي كان يعمل على إعداده.
كان الصحفي اليمني محمد العبسي، يعمل، قبل وفاته الغامضة، على تحقيق استقصائي عن الفساد النفطي والمتاجرة به في السوق السوداء في اليمن
وكان القيادي السابق في جماعة الحوثي علي البخيتي تطرق إلى فرضية التسمم، ونشر مقتطفات من محادثته الأخيرة مع الصحفي العبسي عبر تطبيق الواتسآب والتي ركزت الحديث عن قضية فساد تتعلق بالنفط، وظهر عدد من صور المحادثات والوثائق، التي تم تمويه بعض الأسماء الواردة فيها.
كما كشف الإعلامي محمد الربع عن تفاصيل مهمة عن التحقيق الاستقصائي الذي كان يعمل الفقيد العبسي إعداده عن الفساد النفطي والمتاجرة به في السوق السوداء، وبحسب ما ينقله الربع عن الفقيد العبسي فإن ثلاث شركات كبرى تتبع نافذين في جماعة الحوثي هي من تحتكر استيراد النفط، وهذه الشركات هي شركة "يمن لايف" وتتبع الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام، ويديرها شقيقه، وشركة "أويل برايمر" وتتبع تاجر سلاح من صعدة يدعى دغسان محمد، والأخيرة شركة "الذهب الأسود" وتتبع لعلي قرشة عضو لجنة الوساطة خلال الحرب الخامسة بين الحكومة وجماعة الحوثي.
كما يكشف العبسي في تحقيقه الذي لم ير النور بعد أن هناك شركة رابعة تم إنشاؤها في دبي كواجهة لسهولة الحصول على التصاريح اللازمة من التحالف العربي، حتى يسهل تمرير الصفقات المشبوهة لتجارة النفط.
واشتهر الصحفي العبسي "35عامًا" بتوسعه في الصحافة الاستقصائية وكشفه للكثير من الفساد في الملف النفطي وملف الغاز المسال، وملفات فساد أخرى، ويرأس العبسي التحالف الوطني لمناهضة صفقة الغاز الطبيعي المسال وهو رئيس مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة "منظمة مدنية". وشكل موته المفاجئ صدمة كبيرة للساحة الإعلامية اليمنية، وعلامات استفهام كثيرة حول ملابسات اغتياله "الفرضية الأقوى في رحيله الغامض حتى اللحظة".
اقرأ/ي أيضًا: