14-يونيو-2016

أدخلت تطورات كثيرة على النص المكتوب من باب الحارة هذا العام(تويتر)

لا تختلف كثيرًا النسخة الثامنة من مسلسل "باب الحارة" عن مثيلاتها من النسخ السابقة، المسلسل ما زال حتى بغياب "عكيده" الأصلي، يحقق أعلى نسب مشاهدة على مستوى الوطن العربي، الأول جماهيريًا، رغم أن نمطًا جديدًا من الدراما العربية، بدأ يحقق فرجًة عالية النسبة، أي الدراما السورية-اللبنانية المشتركة.

يتحدث "باب الحارة" عن دمشق فترة الاستعمار الفرنسي، التاريخ لا يذكر ظهور أي فكر سلفي في تلك المرحلة على عكس ما تم إيراده في الجزء الثامن

في نسخة "باب الحارة" هذا العام، تطورات كثيرة أدخلت على النص المكتوب، وسط تجاهل واضح من صناع المسلسل، للانتقادات التي يحصل عليها سنويًا، مخرج العمل بسام الملا، قال في حديث صحفي مع شبكة CNN الإخبارية، إن "العمل سيستمر، طالما أنه يحقق نسب مشاهدة عالية، ويستقطب المعلنين، وتطلبه المحطات بناء على طلب الجمهور، تلك آلية صناعة الدراما التلفزيونية المعمول بها على مستوى العالم اليوم"، من هنا علينا مناقشة فكرة العمل، أقصد من مستواه التجاري لا من مستواه الدرامي، لأنه هكذا فقط، يمكن فهم حديث صاحب فكرة العمل.

اقرأ/ي أيضًا: 10 مسلسلات سورية للنقد والمتابعة في رمضان

المسلسل أصابته العديد من التغيرات التي طالت شخصياته، في السابق كان يعالج صاحب "أيام شامية" خلافه مع أبطال العمل، عن طريق قتلهم في الجزء الجديد، هذه الطريقة كانت فاعلة مع العديد من الأسماء، لكنها استثنيت في قضية وائل شرف "العكيد معتز"، الذي استبدل بمصطفى سعد الدين، حتى أن الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي أفخاي أدرعي كتب متهكمًا على غياب "العكيد" شرف: "بعد الإفطار‬ وقبل باب الحارة‬ رغم تبديل معتز".‬‬

أيضًا المتفرج، بدأ يلمس التغيرات التي أصابت الشخصيات، مثلًا مصطفى الخاني "النمس"، كان ظهوره في الأجزاء السابقة مختلفًا. حتى الحلقة السابعة في النسخة الحالية، كان ظهوره متتاليًا في المشاهد، أكثر من خمسة أو ستة مشاهد طويلة، لا توازي حجم الدور المسند إليه، الرجل سجل نسبة تفوق نسبة ظهور "العكيد" الجديد، بطل الأجزاء السابقة، الواضح أننا سنشهد تحولات غير مسبوقة، ومليئة بالمواقف الوطنية في الحلقات اللاحقة، سيكون الخاني طرفًا رئيسيًا فيها.

كذلك، يدخل علينا الملا وفي جعبته شيء من السلفية، تاريخيًا المسلسل يتحدث عن دمشق فترة الاستعمار الفرنسي، تحديدًا من 24 تموز/يوليو 1920 وحتى 17 نيسان/أبريل 1946، التاريخ لا يذكر ظهور أي فكر سلفي في تلك المرحلة السورية، والتي شكلت الخريطة الجغرافية الحالية للبلاد.

اقرأ/ي أيضًا: أحوال الدراما السورية وتحولاتها.. شي فاشل!

المشكلة هنا أن المسلسل يصور حقبة مهمة عن التاريخ السوري في تلك الفترة، ناهيك عن تكاثر "العرصات" في هذا الجزء. ومصطلح "العرصات" هنا، يأتي من قول أحدهم إن "الرئيس منيح بس اللي حوليه عرصات"، هي الجملة الشهيرة التي كانت تبرر أوامر بشار الأسد الصادرة بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين.

إذًا، ظهور السلفية في هذا الجزء، شكل نوعًا من الوقاحة التي يستمر مسلسل باب الحارة في تصديرها، شيء مؤلم أن تجد تاريخًا بكامله يزور، إنقاذًا لمسيرة التطوير والتحديث، وعلمانية "وكالة رويترز" في صورها القادمة من بارات دمشق. الظهور السلفي في المسلسل، ألحق بشخصية "المهندس زهدي" التي يجسدها فادي صبيح، وكأن السيناريو كتب مفتونًا برواية النظام السوري عن المؤامرة الكونية.

المتفرج الذي يبحث عن النقد والعثرات النصية، يلاحظ جيدًا الفخاخ الدرامية التي ينصبها النص، صبيح متأثرًا بالحضارة الفرنسية، زيناتي قدسية الذي يشغل شخصية الشيخ السلفي، وفادي الشامي بدور "سمعو"، هذا الأخير شخصيته عاشت الكثير من التحولات في السلسلة الشامية، هكذا يدخل أصحاب المؤامرة إلى أزقة الحواري الشامية، بينما يرفضها رجالات الشام، أولهم دائمًا، وأبدًا عباس النوري "أبو عصام"، الذي عاد من الموت حيًا.

غالبًا، الصراع بين الخير والشر، سيظهر لاحقًا في حلقات المسلسل القادمة، دخول سلاف فواخرجي بشخصية المحامية التي ترفض الدراسة في فرنسا. في الحلقات التي عرضت، تأكيد دائم على فكرة أن الشام هي محور التعايش السلمي، لا تخرج عن طاعة كبيرها، وهي مع زعيمها حتى ولو كان ظالمًا.

في الحلقات التي عرضت من "باب الحارة"، تأكيد دائم على فكرة أن الشام محور التعايش السلمي، لا تخرج عن طاعة كبيرها، وهي مع زعيمها حتى ولو كان ظالمًا

في الحلقة السابعة تتحدث سلاف فواخرجي عن أن "جامعة السوربون" الفرنسية مراجعها عربية، المشكلة يا قوم، أن الأسماء الأربعة التي ذكرت على لسان فواخرجي، يوجد عليها خلاف بين أهم المؤرخين العرب حول أصولهم ونسبهم، وتأثرهم في الفلسفة اليونانية التي قاموا بنقلها للعربية، وهذا معروف بين جميع الباحثين.

المسلسل هذا العام شهد تطورًا جديدًا، وهو تقبل أهالي الحارات الشامية للنساء السافرات، الجانب العاطفي من شخصية "النمس"، ظهور السينما كحدث رئيسي، وعودة عبد الهادي الصباغ بدور "أبو حازم"، علمًا وأن الأخير ظهر في أحد الأجزاء السابقة شيخًا ضريرًا، قتل على يد الخاني نفسه، الذي كان يجسد شخصية "الواوي" الخائن.

لا أحد يعلم من "أبو حازم"، وكيف أصبح مالكًا للمقهى، في الحلقة الثانية أو الثالثة على ما أذكر، ينادي عليه أحدهم باسم "أبو حاتم"، ويستمر المشهد من دون أن يظهر أن هناك خللًا فاضحًا ومفضوحًا في النص، لكن لا يهم طالما أن الجمهور يرغب بذلك.

الفكرة الجوهرية التي يعتمدها المسلسل لهذا العام، بدأت خيوطها تتشكل في الحلقة السابعة، تأكيد "أبو عصام"، ونجله "عصام" ميلاد يوسف، أن السوريين يريدون التغيير، لكن وفق معتقداتهم، لا وفق معتقد الفرنسيين. أشفق على فرنسا في هذا الجزء، لأنها تحمل وزر جميع أولئك "العرصات"، الذين تآمروا من داخل أركان النظام أو خارجه على إسقاطه.

أخيرًا، لا تزال النسخة الثامنة من المسلسل في أولها، لا أحد يعرف ما التحولات التي ستطرأ على شخصيات المسلسل، ولا حتى الرسائل المبطنة، التي لا يزال أركان النظام يحاولون إرسالها، تقديريًا أمامنا خلال الحلقات القادمة، أي أن أمامنا تاريخًا كاملًا يتعرض للتشويه، ومذبحة درامية نادرة الحدوث، ومع كامل الأسف، لا يزال هناك كثيرون في الوطن العربي يصفقون لهذا التزييف الفاقع السواد.

اقرأ/ي أيضًا:

دراما الثورة السورية (1).. سنعود بعد قليل

دراما الثورة السورية (2).. الولادة من الخاصرة