شهدت منطقة جنوب تركيا وشمال سوريا زلزالا عنيفا فجر الإثنين تبعه زلزالان مشابهان وأكثر من 250 هزة ارتدادية في الـ24 ساعة التالية. ووفقا لآخر حصيلة، فقد راح ضحية الزلازل أكثر من 4000 شخص وتجاوز عدد الجرحى 20,000، في حين أن آلاف المنازل دمرت جزئيا وكليا، ولا زالت هذه الأرقام مرشحة بقوة للازدياد، فلماذا كان الزلزال في تركيا وسوريا مدمرا إلى هذا الحد؟
ما الذي جعل الزلزال الأخير في تركيا وسوريا مدمرا إلى هذه الدرجة؟
نتج كل هذا الدمار عن الزلزال بفعل مجموعة من العوامل، إذ إن كلا من توقيت الزلزال وموقعه وعمقه وضعف نوعية البناء، كل ذلك زاد في حجم الخسائر.
موقع وقوع الزلزال
أشارت مراصد الزلازل إلى أن مركز الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا كان مدينة نورداي في غازي عنتاب وبلغ عمقه 18 كم عن صفيحة الأناضول الشرقية، كما كانت الموجات الزلزالية باتجاه الشمال الشرقي ونتج عنها دمار واسع في وسط تركيا وشمال سوريا.
يؤكد علماء أن الزلزال كان الأشد في المنطقة منذ عام 1939 ويزيد من حجم أضراره أنه وقع في منطقة مكتظة سكانيا وعلى عمق غير بعيدٍ عن سطح الأرض.
تقع تركيا في منطقة من أكثر مناطق العالم نشاطا من ناحية الزلازل، ولكن صفيحة الأناضول الشرقية لم تنتج عنها زلازل شديدة منذ أكثر من قرنين، الأمر الذي قد يعني أنه دفع بالسكان إلى تجاهل خطر الزلازل.
تقع تركيا في منطقة من أكثر مناطق العالم نشاطا من ناحية الزلازل، إذ إنها تقع فوق صفيحتين تكتونيتين هما صفيحة الأناضول الشرقية والصفيحة العربية. ولكن صفيحة الأناضول الشرقية لم تنتج عنها زلازل شديدة منذ أكثر من قرنين، الأمر الذي قد يعني أنه دفع بالسكان إلى تجاهل خطر الزلازل.
أضف إلى ذلك أن الزلزال الأول حصل على عمق منخفض، كما أن الهزتين اللاحقتين والزلازل الارتدادية التي بلغ عددها إلى الآن أكثر من 250 حسب إدارة الكوارث والطوارئ التركية، وقعت جميعها على عمق أقرب من السطح، وبذلك فقد نتج عنها دمار أفقي كبير وفادح.
يقول ديفيد روثري، العالم في مجال جيولوجيا الكواكب، "تكون الهزات القريبة من سطح الأرض ذات تأثير أشد من تأثير تلك التي تقع على عمق أكبر حتى لو كان لها جميعها القوة ذاتها."
كل ذلك ترافق مع اكتظاظ كبير للسكان، إذ يقدر نظام التحليل الآلي للكوارث ورسم الخرائط التابع لبرنامج الأغذية العالمي أن هنالك أكثر من 2.5 مليون شخص يعيشون على بعد 50 كيلومترا من مركز الزلزال.
توقيت الزلزال
وقع الزلزال الأول في تمام الساعة 4:17 فجرا بالتوقيت المحلي في تركيا، وهو ما يعني أن الجميع كانوا نيامًا ليحاصر معظمهم تحت الأنقاض من دون أن تتاح لهم الفرصة للهرب أو للاحتماء من الأنقاض المتساقطة والانهيارات.
وقع الزلزال في تمام الساعة 4:17 فجرا بالتوقيت المحلي في تركيا بينما كان الجميع نيامًا ليحاصر معظمهم تحت الأنقاض.
كما أن الزلزال وقع في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة عاصفة ثلجية تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما يقارب درجة التجمد، وهو ما من شأنه أن يتسبب بوقوع المزيد من الضحايا بسبب برودة الجو وصعوبة عمليات الإنقاذ في مثل هذه الظروف، في حين أن الناجين الذين أضحوا من دون مأوى سيضطرون إلى المبيت تحت الأمطار الغزيرة ولتحمل البرد القارس إلى أن تصل لهم الخيام والمساعدات الأولية.
ضعف جودة البناء
تبين خطة العمل والاستراتيجية الوطنية التركية للزلازل للأعوام 2012- 2023 أن موجات اللجوء الكبيرة والسريعة في الخمسينيات من القرن الماضي نتجت عنها مناطق حضرية حظيت بالقليل من الإشراف والتنظيم، وهو ما أدى إلى إنشاء مدن ضعيفة البناء و"معرضة على نحو خطير" للتأثر بالكوارث الطبيعية.
بعد الزلزال المدمر عام 1999 أقرت تركيا قانونا يوجب إجراء فحوصات لتصاميم جميع الأبنية في البلاد، ويؤكد مصطفى إيردك، الأستاذ في مرصد ومعهد البحوث الزلزالية في جامعة كانديلي، أن "المباني التي تدمرت في الزلزال كانت قد بنيت قبل عام 2000"، في حين أن المباني التي بنيت وفق تصاميم مقاومة للهزات الأرضية ظلت قائمة.
المباني التي تدمرت في الزلزال في تركيا لم تكن مبنية وفق تصاميم مقاومة للزلازل، في حين أن جودة المباني في سوريا لم تكن تلقى أي اهتمام من قبل النظام السوري.
وإن نظرنا إلى الحال في الشمال السوري، فإن سنوات طويلة من حكم النظام السوري للمنطقة شهدت تجاهلا كبيرا لنوعية الأبنية أو حتى لتنظيم المدن بشكل عام، ناهيك عن أن أعوام الثورة التي خرج فيها السكان عن سطوة النظام وما تبعها من ترهل إداري شهدت مئات الهجمات من قبل قوات النظام وقوات قسد على حد سواء، والتي أسقطت أو أضعفت ما كان قد صمد من المباني، ليأتي الزلزال الأخير ويقضي على قدر كبير مما نجا من تلك المباني ومن نجا من الناس.