في عالم يتم فيه تسليع الحقوق والمطالبات بها، تم الاستثمار في خطابات حقوقية وأخلاقية عديدة من أجل تلميع صور أنظمة ودول استعمارية أو شركات كبرى؛ حقوق المرأة والمثليين فيما يُسمى على نطاق واسع الغسيل الوردي؛ حقوق السكان الأصليين في الأمريكيتين وأستراليا ونيوزلندا ودول أخرى فيما يُعرف بالغسيل الأحمر؛ وكذلك الحقوق البيئية ومسائل المناخ فيما يُعرف باسم "الغسيل الأخضر".
الغسيل الأخضر لا يقتصر على الشركات. فالدول والأحزاب السياسية جزء من هذا النهج، حيث تسعى إلى التغطية على جرائمها وانتهاكاتها من خلال تبني خطابات تتعلق بالبيئة
عُرف الغسيل الأخضر في البداية على أنه استغلال تجاري من قبل شركات كبرى لقضايا المناخ والبيئة من أجل ترويج صورة مربحة عن نفسها، أو عن سلعها، باعتبارها صديقة للبيئة، وتساهم في حفظ الكوكب. في شوارع الكثير من المدن الغربية وفي مناطق أخرى من العالم، تجد شعارات شركات كبرى، مذيلة بجمل من قبيل "فلنحافظ على الكوكب"، أو عبارات أخرى مناهضة للاحتباس الحراري. أما المفارقة، فأن هذا الخطاب مستخدم حتى من قبل شركات معروفة بتاريخ من تدمير البيئة.
لكن الغسيل الأخضر لا يقتصر على الشركات. فالدول والأحزاب السياسية جزء من هذا النهج، حيث تسعى إلى التغطية على جرائمها وانتهاكاتها من خلال تبني خطابات تتعلق بالبيئة. وبتحول القضايا البيئة إلى مصدر للشرعية لبعض الأنظمة القمعية، يتم التستر من خلال الغسيل الأخضر على انتهاكات تتعلق بحرية التعبير والاعتداء على الصحافيين، أو الجرائم بحق شعوب أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن شخصيات سياسية في أمريكا وكندا معروفة بلعب دور في سرقة الأرض من السكان الأصليين، تحمل اليوم خطابًا مناصرًا للبيئة، رغم أنه في الواقع على الأرض، لا زالت الانتهاكات البيئية مهيمنة. وبالتالي بدلًا من تحويل الخطاب البيئي إلى سياسات عملية واضحة، يتم عبر الغسيل الأخضر الاستثمار في هذا الخطاب من أجل تبرير نقيضه في الواقع.
يظهر هذا النوع من الغسيل الأخضر أيضًا في الخطابات والممارسات الاستعمارية، وله تاريخ طويل. فلطالما برر المستعمرون سلب أرض السكان الأصليين من خلال القول إنهم يستطيعون إدارة الموارد الطبيعية بشكل أفضل، وهو نمط كما هو هو معروف انتهى إلى تدمير الطبيعة المحلية بحجة استغلالها بشكل أفضل.
في السياق الحديث، فإن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي هو أحد الأمثلة الأبرز على الغسيل الأخضر. ضمن حملات العلاقات العامة والترويج لنفسه، وكذا التستر على جرائمه، قام الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي عبر عقود بتصدير صورة عن نفسه كدولة مسالمة، أخلاقية، مناصرة لحقوق المثليين والمرأة، ونظيفة بيئيًا، وهي كلها بطبيعة الحال صفات مشكوك فيها على نطاق واسع، وتتناقض مع آلاف التقارير حول انتهاكات منظمة للفلسطينيين وللطبيعة الفلسطينية.
قام الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي عبر عقود بتصدير صورة عن نفسه كدولة مسالمة، أخلاقية، مناصرة لحقوق المثليين والمرأة، ونظيفة بيئيًا، وهي كلها بطبيعة الحال صفات مشكوك فيها
على سبيل المثال، تمتلئ صفحات الجيش الإسرائيلي عبر السوشال ميديا بصور وإعلانات تروج له على أنه الجيش الأكثر احترامًا للبيئة، أو فيديوهات ومقابلات مع جنود نباتيين. كذلك فإن هناك خطابًا موجهًا للشباب على نحو خاص من خلال تطبيقات مثل تيك توك، تظهر جنودًا يعتنون بالحيوانات أو يلعبون معها. كما تظهر تقارير أن هناك استراتيجية إسرائيلية للترويج لتل أبيب كمدينة صديقة للبيئة. وهي صورة تختزل المشهد بطبيعة الحال، وتخفي وراءها عنفًا متصاعدًا ضد السكان الأصليين وبيئتهم وأرضهم.