في برنامجها "أنا مسلم"، تواجه آنا ليندمان، حيرة الأسئلة. ففي وقت تواجه أوروبا موجة "إسلاموفوبيا" مرتفعة، حاولت الصحفية السويدية، طرح قضايا المسلمين في دولة يبدو أهلها منشغلين في معرفة هؤلاء الذين يعيشون بينهم، ويبدو أنهم مادة دسمة للإعلام ومراكز الأبحاث، خصوصًا بعد موجات اللجوء التي دفعت باليمين الأوروبي الى استغلال الظرف وخلق "مخاوف" مبالغ فيها.
برنامج "أنا مسلم" يقدم نماذج لمسلمين في السويد وصورة عن اندماجهم وخصوصياتهم
ولم يحاول جمهور آنا، انتظار انتهاء بث كل حلقات البرنامج، ليسأل بتفاعل عن هؤلاء "المسلمين" الذين قدمتهم في حلقاتها. أسئلة تكاد تؤسس للقلق والخوف أيضًا، من حساسية الموضوع، وتقدير توقيته اليوم على إثر ما يحدث في فرنسا مثلًا، التي تعاني من مخاطر هجمات إرهابية كما حصل في باريس ونيس، إضافة إلى ما يجري في ألمانيا وبلجيكا.
أقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد فوز مسلم بعمودية لندن؟
وقدمت آنا نماذج من الجالية المسلمة وأيضًا مسلمين من أصول سويدية. ولم تحاول تأطيرها أو إخراجها بحلّة "تشويقية"، ولم تخضع لنمطية الإعلام الغربي في تعامله وطروحاته في كل ما يخص المسلمين ومجتمعاتهم في أوروبا، بل كانت عينات عادية، تظهر عيش هؤلاء وأفكارهم في مجتمع السويد، إضافة إلى مشاركة اختصاصيين في الإسلاميات وأساتذة جامعيين، فسروا جوانب كانت بعيدة عن أذهان السويديين. وتظهر حلقات البرنامج خصوصية هؤلاء الأفراد.
ويعطي البرنامج لأشخاص مختلفين مساحة للتعبير عن موقفهم من قضايا مثيرة في السويد، وإجابات عن أسئلة من قبيل: هل السويد بلد ملائم لعيش المسلمين؟، وهل يشعر هؤلاء بالتمييز؟ وهي أسئلة توضح إلى حد ما واقع المسلمين، في بلد ترتفع فيه حالات الانتحار ويعد من أكثر الدول الأوروبية ديمقراطية وأكثرها اهتمامًا بنوعية العيش.
وينتقد بعض الذين قابلتهم آنا، معاملة بعض السويديين العنصرية، فيما يؤكد آخرون على موقف إيجابي من وجودهم واختلاطهم. أما أكثر جوانب البرنامج إثارة فهي النبذة التاريخية عن الوجود الإسلامي في السويد، وعن العلاقة التي توطدت بين المسلمين ومجتمعهم الجديد، حيث يوضح البرنامج بعض حالات دخول سويدييين للإسلام، واعتناقهم الشريعة.
يفتح برنامج "أنا مسلم" مساحة لأفراد مختلفين في طرح أسئلة ومواقف من قضايا مثيرة في السويد متعلقة بالإسلام والجالية المسلمة
ويجول الباحث في تاريخ الإسلام سيمون سورجنفري، مع معدّة البرنامج في مقهى يسمى "شيلسون" في استوكهولم ويقول لها "هنا جلس أول المسلمين الواصلين إلى السويد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وأسسوا لهم فيها أول جمعية إسلامية واتخذوها مقرًا لهم واختاروا من بينهم إمامًا اسمه عثمان". وكانت هذه الدفعة الأولى، وكانوا خمسة مسلمين أطلق عليهم السويديون لقب "المحمدانيين". ويروي لها عن أكبر الهجرات التي حصلت في فترة السبعينيات والثمانينيات، وكان غالبية الواصلين من الإيرانيين والعراقيين وفي فترات متأخرة وصل اللبنانيون والسوريون.
وفي إحدى الحلقات، تستمع آنا إلى ما تقوله السيدة مسيرة. تروي المرأة تجربتها في الانتقال من الحياة الأوروبية العادية إلى الالتزام الديني. وفي القسم الخاص بالمسلمين، تلتقي آنا في مقبرة سويدية عامة بالبروفسور محمد فضل هاشمي، المختص بالفلسفة وعلم اللاهوت والأستاذ المحاضر في جامعة أوبسالا وتسأله عن الإسلام في السويد. وجود المقبرة لوحده يدلل كما قال على وجود المسلمين واقعًا وبسبب التعقيدات الفنية وصعوبة نقل موتاهم إلى وطنهم الأصلي يطلب كثيرون منهم دفنهم على هذه الأرض باعتبارها وطنهم.
لغياب الإحصاءات الدقيقة، يصعب تحديد أعدادهم لكن الأكيد هناك ما لا يقل عن نصف مليون مسلم في السويد، بينهم أكثر من مائة وخمسين ألفًا ينتمون إلى جمعيات إسلامية ناشطة وبينهم كما أكد البروفسور "من يحاول تجسير الهوة بين المسلمين والمجتمع السويدي. يختلفون في درجة إيمانهم وتفسيرهم لمفردات الالتزام الديني والإسلام الصحيح وقطعًا لا يخلو الأمر من وجود متشددين بينهم".
اقرأ/ي أيضًا: