12-يونيو-2019

يتجه المسار السياسي في السودان إلى مصير مجهول (أ.ف.ب)

الترا صوت – فريق التحرير

أعلنت المعارضة السودانية تعليق عصيانها المدني الذي بدأته قبل ثلاثة أيام في أنحاء البلاد بعد موافقة المجلس العسكري الجلوس إلى طاولة المفاوضات بوساطة إثيوبية، في الوقت الذي لا تزال تداعيات اقتحام ساحة القيادة لفض اعتصام القوى المدنية السودانية بالقوة ترخي بظلالها على الحراك المدني السوداني، بعدما كشفت تقارير غربية عن تورط قوى عربية وخليجية بعمليات القمع الممنهج التي استخدمتها قوات الأمن لردع المعتصمين.

برزت مخاوف دولية خلال الأيام القليلة الماضية من استخدام المجلس العسكري السوداني المزيد من العنف ضد المتظاهرين الذين لا يملكون دعمًا دوليًا واضحًا، مقابل حصول العسكر على دعم الدول المضادة لثورات الربيع العربي

المعارضة السودانية تعلق عصيانها المدني

قالت قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة السودانية الثلاثاء إنها ستعلق حملة العصيان المدني والإضراب العام اعتبارًا من الأربعاء حتى إشعار آخر، ويأتي إعلان قوى المعارضة السودانية بتعليق إضرابها بالتزامن مع تصريحات المبعوث الإثيوبي الخاص إلى السودان محمود درير حول موافقة الأطراف السودانية على المباحثات بشأن تشكيل مجلس سيادي انتقالي، وموافقة المجلس العسكري على إطلاق سراح السجناء السياسيين كبادرة لبناء الثقة، بعد انهيار المباحثات بين المعارضة والمجلس الانتقالي السوداني الحاكم قبل أقل من عشرة أيام.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. ضغوط متزايدة على المجلس العسكري والشارع صامد على مطالبه

وكانت المحادثات قد انهارت بين قوى المعارضة السودانية والمجلس الانتقالي في الثالث من حزيران/يونيو الجاري، بعدما أصدر المجلس العسكري قرارًا بفض الاعتصام بالقوة، وقام الأمن السوداني باقتحام ساحة الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش وسط الخرطوم، وأظهرت مقاطع مصورة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي استخدام الأمن الرصاص الحي في تفريق جموع المعتصمين، وأسفر اقتحام الساحة عن مقتل أكثر من مئة متظاهر، بالإضافة إلى مئات المصابين.

وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن أحد القياديين في المعارضة السودانية عزمها ترشيح ثمانية أشخاص لعضوية المجلس الانتقالي بالإضافة لترشيح اقتصادي بارز لرئاسة الحكومة، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد اقترح الأسبوع الماضي خلال زيارته للخرطوم تشكيل مجلس انتقالي مؤلف من 15 عضوًا منهم ثمانية مدنيين وسبعة من ضباط الجيش لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي لاقى قبولًا لدى المعارضة السودانية.

في هذا السياق، كانت تقارير قد كشفت خلال مطلع هذا الأسبوع، نقلًا عن مصادر أمنية سودانية، أن المجلس العسكري أعفى عددًا من القيادات البارزة في جهاز الأمن والمخابرات السوداني من مناصبهم، مضيفًة أن التغييرات أدت لإبعاد قادة بارزين، وشملت إعفاء 35 ضابطًا برتبة لواء أحيلوا إلى التقاعد، بالإضافة لمدير إدارة الاستخبارات في قوات الدعم السريع اللواء محمد عبد الله الذي أعفي من منصبه.

أعضاء مجلس الأمن يدينون العنف ضد المعتصمين

يوم الثلاثاء، أدان مجلس الأمن أعمال العنف التي تعرض لها المعتصمون أمام مقر الجيش في العاصمة الخرطوم، وطالب بإجماع أعضائه الـ15 الوقف الفوري للعنف ضد المدنيين واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحماية الكاملة للمدنيين والمساءلة والعدالة، بعد إقرار المجلس العسكري تورط من وصفهم بـ"الأفراد من القوات النظامية" في اقتحام ساحة الاعتصام.

وأعلنت المعارضة السودانية سقوط 118 مدنيًا نتيجة أعمال العنف التي مارستها قوات الأمن غداة اقتحامها لساحة الاعتصام، ووضعت شروطًا لاشتئناف عملية المفاوضات مع المجلس العسكري يأتي في مقدمتها، اعتراف المجلس بارتكابه جريمة فض الاعتصام، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لبحث ملابسات المجزرة.

وكشفت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها تسجيل أكثر من 70 حالة اغتصاب خلال فض اعتصام ساحة القيادة، وأضافت الصحيفة البريطانية نقلًا عن أطباء سودانيين أن قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي ارتكبت عمليات اغتصاب في الأيام الأخيرة من الاعتصام، ونقلت عن طبيب في مستشفى "رويال كير" قوله إنه عالج ثماني ضحايا اغتصاب: خمس نساء وثلاثة رجال.

وكان الصحفي الاستقصائي الأمريكي كريستيان تريبرت قد نشر عبر حسابه الرسمي على تويتر صورًا ومقاطع فيديو تؤكد استخدام قوات الدعم السريع التي قامت بفض الاعتصام سيارات مصفحة من طراز عجبان 440A التابعة لمنتجات شركة نمر للسيارات الإماراتية، التابعة بدورها لشركة توازن القابضة التي تعود ملكيتها إلى مجلس التوازن الاقتصادي.

قوات الدعم السريع.. ذراع دول الثورات المضادة في السودان

تلقت قوى المعارضة السودانية دعمًا دبلوماسيًا على مستويات عالية يوم الخميس الفائت بعد إعلان الاتحاد الأفريقي تعليق مشاركة السودان في أنشطته لحين تشكيل حكومة مدنية، فيما يظهر محاولته ممارسة المزيد من الضغوط الدولية على المجلس العسكري الانتقالي ليتخلى عن السلطة، ويقوم بتسليمها للقوى المدنية.

واستطاعت المعارضة السودانية منذ اليوم الأول للعصيان المدني إخلاء مركز المدينة من أي تواجد مدني، باستثناء قوات الدعم السريع التي انتشرت في العاصمة بشكل مخيف أظهرتها في صورة كأنها تعرضت للغزو، بحسب ما وصفت المشهد صحيفة فاينشال تايمز البريطانية، التي أضافت أن الجنود كانوا مسلحين بالقذائف الصاروخية، والمدافع الرشاشة الكبيرة في الوقت الذي واصل ضباط الأمن السوداني اعتقال الأشخاص في ضواحي المدينة.

وتشير معظم التقارير الحقوقية لارتكاب قوات الدعم السريع انتهاكات حقوق إنسان ضد المعتصمين أثناء فضها لاعتصام ساحة القيادة، وكانت القوة قد تأسست عام 2013 لقمع المعارضة في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ويقودها في الوقت الراهن محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، والذي يملك صلات قوية مع الدول المضادة لثورات الربيع العربي، يأتي في مقدمتها الإمارات والسعودية ومصر.

وبعد استخدام قوات الدعم السريع العنف المفرط لتفريق المعتصمين أمام ساحة القيادة، بدأ الحديث عن وقوف السعودية والإمارات وراء عمليات القمع الممنهجة ضد المعتصمين السلميين، فقد ذكرت تقارير أن الرياض قدمت مبلغ ثلاثة مليارات دولار للمجلس العسكري، إضافًة لمنحها له الضوء الأخضر لقمع المتظاهرين، وهو الأمر الذي أعطى العسكريين السودانيين ثقة لمواجهة الحراك المدني السوداني بعد اكتساب اعتصام القوى المدنية نفوذًا كبيرًا نتيجة إصرارهم على تحقيق مطالبهم.

اقرأ/ي أيضًا: المجلس العسكري يفض اعتصام السودان بالقوة.. والشارع يرد بالعصيان الشامل

وبرزت مخاوف دولية خلال الأيام القليلة الماضية من استخدام المجلس العسكري السوداني المزيد من العنف ضد المتظاهرين الذين لا يملكون دعمًا دوليًا واضحًا، مقابل حصول العسكر السودانيين على الدعم من الدول المضادة لثورات الربيع العربي، والتي تمنح الأموال للعسكر السودانيين لإحباط الجهود الرامية لتوفير عملية انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة في السودان، وتحدثت تقارير أنه في حال استمر استخدام العسكر السودانيين للعنف، فإن ذلك قد يدفع أجزاءًا من المعارضة إلى تبني موقف مشابه لما حصل سابقًا في سوريا وليبيا.

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها، نقلًا عن مصادر طبية، تسجيل أكثر من 70 حالة اغتصاب لنساء ورجال خلال فض اعتصام ساحة القيادة في السودان

وكان مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق جوني كارسون قد كشف في وقت سابق أن رؤية بلاده لما يحدث في السودان تختلف عن رؤية دول السعودية والإمارات ومصر، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث لا تشارك واشنطن القيم الديمقراطية الأساسية، ففي الوقت الذي تريد مصر منع صعود الإسلام السياسي والقوى الديمقراطية في السودان، فإن الرياض وأبو ظبي تحاولان الحفاظ على الشراكة العسكرية والمالية مع السودان، بعد تقديم قوات الدعم السريع مقاتلين للقتال إلى جانب الدولتين الخليجيتين في اليمن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشارع السوداني يستكمل انتفاضته بعد بيان الجيش

مليونية الدولة المدنية.. قطار الثورة السودانية يشق طريقه الوعر