لعب الإعلام السوري دورًا سلبيًا منذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا التي تزامنت مع ثورات الربيع العربي في سنة 2011. حيث أنه لم يحسن التصرف حين وجد نفسه في موقع الدفاع عن النفس في ظل مواجهة الهجوم الشرس الذي تعرض له النظام من المحطات الإعلامية الكبرى في الوطن العربي والعالم، ولكن الإعلام السوري زاد الطين بلة بدلًا من معالجة الموقف، فبدأ بعرض مسلسل التهليل والتطبيل والتزمير بالتزامن مع مسلسل كشف الحقائق وفضح الفساد الذي يعاني منه الإعلام العالمي الفاسد، ليترك الشارع السوري يفلت من بين يديه وينفصل عنه ليلجأ إلى الإعلام المعادي ليعرف ما الذي يجري في حيه!
وهكذا يمكن القول إن الإعلام السوري في المرحلة الأولى من الأزمة السورية ساهم بشكل واضح بترجيح كفة المعارضة على كفة النظام، من خلال الأسلوب الذي تعاطى فيه مع الأحداث السورية، لأن الحقيقة أصبحت حكرًا على القنوات الداعمة للمعارضة، أو بتعبير أدق "الصورة الأقرب إلى الحقيقة".
الغريب حقًا هو أن يعتبر الإعلام السوري تخبطاته الهزلية التي قام بها في بداية الأزمة منهجًا ناجحًا يستطيع الإعلام السوري أن يطبقه
لا وجود لإعلام بريء، ولكن الأمر غير المنطقي أن تكون وظائف الإعلام الرئيسية هي التهليل والتعظيم لرموز النظام التابعين له، وشتم الأعداء والكارهين! فإذا كان مصدرك الوحيد لمعرفة الأحداث السورية هو الإعلام السوري الرسمي أو التابع له، فسيكون عليك كمتابع أن تستنبط الأحداث من خلال تباين اللونين الأبيض والأسود، حيث أن الأحداث جميعها يمكن قراءتها وفقًا لهذين اللونين، ومن الممكن تصنيف أي فعل ضمن قائمة الخير المطلق أو الشر المطلق.
قد يشعر البعض أن ما مرّ به الإعلام السوري في بداية الأزمة أمر طبيعي في ظل الهجوم غير الاعتيادي من الإعلام الخارجي والإعلام المستقل، فكانت التصنيفات الحادة التي يطلقها الإعلام السوري ناتجة عن ردة فعل غاضبة قام بها مجموعة من الإعلاميين غير الاحترافيين. ولكن الأمر الغريب حقًا هو أن يعتبر الإعلام السوري تخبطاته الهزلية التي قام بها في بداية الأزمة منهجًا ناجحًا يستطيع الإعلام السوري أن يطبقه لأعوام وأعوام.
نعم إن منهج التهليل والتذليل بات منهجًا راسخًا في العقلية الإعلامية السورية، تطبقه القنوات الرسمية والتابعة لها في نشراتها السياسية الداخلية والخارجية أيضًا. ومع دخول الحليف الروسي في معركة النزاع الداخلي في سوريا، بدأ الإعلام السوري يطبق منهجه السحري بشكل أوسع لينصر حليفه، وبدأ بالتهليل لإنجازات وانتصارات بوتين، ولم تعد الجملة الشهيرة "شكرًا روسيا شكرًا الصين" التي استخدمها الإعلام السوري في بدايات الأزمة تعبيرًا منه عن الامتنان لوقوف هذه الدول الكبرى إلى جانبه في مجلس الأمن الدولي كافيًا للتعبير عن "المشاعر الصادقة التي تربط بين البلدين". بل أصبحت قنوات النظام تتعامل مع بوتين كبطل قومي! وبدأت تهلل لانتصاراته وتقدس كلماته وتبرر مواقفه، ومن ناحية أخرى، لم يتوانى الإعلام السوري عن مساندة زميله الروسي من خلال شن هجوم شرس على أعداء روسيا السياسيين، وبدأ يسخر من تلك الدول التي ليس لها أدنى علاقة بالشأن السوري، مثل أوكرانيا!
لا شك أن بعض القضايا الروسية مرتبطة بالشأن السوري، ولن تشكل نشازًا على نشرات الأخبار المقتضبة التي بالكاد تصل مدتها لنصف ساعة من الزمن، فالحديث عن الخلاف التركي الروسي، والتركيز على تصريحات بوتين المرتبطة بقضية إسقاط الطائرة، بل وحتى محاورات بوتين السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط يبدو منطقيًا إلى حد بعيد، ولكن ما شأن الجمهور السوري بإشكاليات روسية الحدودية والداخلية!
تخصيص سبعة دقائق من نشرة سورية لعرض تفاصيل شجار حدث داخل البرلمان الأوكراني يبدو أمرًا غريبًا
ولكن الأغرب من قضية التهليل والتطبيل لبوتين، لماذا يهاجم الإعلام السوري أعداء روسيا؟ إن تخصيص سبعة دقائق من أصل نصف ساعة لعرض تفاصيل شجار حدث داخل البرلمان الأوكراني يبدو أمرًا غريبًا بالفعل. إن نشرات الأخبار في إعلامنا باتت تنظر لنظريات في المؤامرة الغربية على روسيا، وبدأت تفسر وتحلل الأسباب التي تدعو الأرض للتآمر على روسيا، دون أن تفوت فرصة للإشارة إلى اشتراكنا وروسيا بهذا العنصر المشترك!
بالنهاية يجب التساؤل عن الآلية التي يختار بها معدو النشرات الإخبارية الأخبار التي سيتحدثون عنها يوميًا،؟ هل هناك معيار للانتقاء في هذه القنوات؟ أم أن الأخبار تصل إلى العرض صدفةً لا أكثر!
إن الجواب الوحيد الذي من الممكن أن يفسر آلية انتقاء الأخبار في الإعلام السوري هو إيمان هذا الإعلام بنجاحه خلال الأزمة، مستشهدًا ببقاء الرئيس السوري على منصة الحكم! وهذا يعني أن منهج الإعلام السوري الذي يعتمد مبدأ التطبيل والتذليل أصبح منهجًا متبعًا حقًا، وقد بدأ الإعلام السوري يطبقه على نطاق أوسع، وها هو اليوم يطبل لحلفائه ويذل بأعدائه. هذا المنهج لا يهتم بدراسة الأخبار التي يهتم بها المتلقي، بل يؤمن بأن المتلقي سلبي بالمطلق من الممكن صناعة آراءه وتغيير معتقداته، فالإعلام قادر على إلباس أي رجل "الزي الأبيض" ليتحول إلى بطل قومي، وبإمكانه أيضًا أن يسلط الضوء على الأسود متى أراد.
اقرأ/ي أيضًا:
موسم ترويع الإعلام في مصر
الرقيب الإسرائيلي الذي يطاردنا