"المسرح الذي نملكه هو المسرح الذي يُجيز لنا النّقاد امتلاكه، لأنّهم يقصون ما يرون أنّه لا يتعيّن علينا رؤيته، فارضين قوانين لم تُكتب قطّ، وهي، من جملة أمور أخرى، قوانين ذوق وحتّى ذات مضمون أيديولوجيّ"
- آرثر ميلر
للنّاقد سلطة وسطوة، لا يمكن نسفها أو تجاهل قوّتها مهما تردّى حال النّقد وحال الأدب. أن يقوم العمل وينجح بدون وساطته في عمليّة الترويج لأيّ عملٍ أدبيّ فهذا أمر نادرًا ما يحصل، ولا دخل لسلطة الكاتب، وسلطة الناشر، وسلطة النصّ على الآخرين. هذا الوسيط، الذي سُمّي بالعلقة، والكائن الطفيلي (على حدّ قول سعيد عقل في أحد حواراته المصوّرة) الذي لا يمكنه أن يعيشَ إلا من خلال تواجده كعالة أو بارازيت على غيره، ثمّة أسبابٌ قويّة لمَوته، أو على أصحّ تعبير، قَتله. فالنّاقد لا يموت، كما هو حال المؤلف، وحال المترجم. إنّهم جميعًا يُقتَلون بصفتهم أصواتًا مونوفونيّة سلطويّة، لا بدّ من قَتلها على يد الآخرين ليعيشَ النصّ بالذات داخل حيوات هؤلاء الآخرين. ولعلّ هذا القتل الموجود تحت مسمّى "موت المؤلّف" بعبارة بارت وموت "الناقد" بعبارة رونان مكدونالد (الذي حدّد، وليس صدفةً، العصر الذهبي للنقد في منتصف القرن العشرين، وهي المرحلة التي مثّلت أوج ازدهار الرواية الحديثة، وشكّل النّاقد صوتًا موازيًا للأقلام الأدبيّة، لا صوتًا متواريًا يطلّ ويختفي مثل اللصوص، علقةً" تعيش عالةً على غيرها وتقتات من قوت الآخرين: صوتًا شريكًا وصاحبًا لا يقلّ أهميّةً عن الأصوات الفرديّة المتفرّدة (صوتًا هو جزء من الجماعة لا عنصرًا منسلخًا عنها).
للنّاقد سلطة وسطوة، لا يمكن نسفها أو تجاهل قوّتها مهما تردّى حال النّقد وحال الأدب
هذا هو الانتقال إلى عالَم موت الأشياء واندثار الإله، والرغبة في قتل سلطة الأوتوقراط تفشّى مع زحزحة أصول اللعبة وتغيير قواعدها في العصر الأخطبوطيّ/ العنكبوتي/ الميدوزيّ العنيف المعادي للطوباويّة المتنازل عن الأسندة الفوقيّة بحثًا عن بديل مائع، سائل، هلاميّ، متعدّد (حرّ) في الضفّة الأخرى- الحريّة التي تجيزُ القتل باسمها.
اقرأ/ي أيضًا: هل عَضّت الرواية لسانها؟
يذكّرني الهجوم على الناقد و"قتله"، بمشهد الافتتاحيّة في رواية البرتقالة الآلية لأنتوني برجيس عندما يلتقي البطل أليكس ورفاقه بالأستاذ العجوز الذي كان يسير في الشارع ليلًا وحده، ليقترب منه الأربعة بكلّ أدبٍ متبسّمين يسألون عمّ يحمله من كتب "نظيفة" ليبعثروها في نهاية المطاف ويتحول نعت الكتب من النظافة إلى القذارة، والدماثة إلى عنف وشتم العجوز بالفاجر الملوّث:
"ثمّ أحكمنا الحصار حولَه وبدأنا نعبث به شخصيًا، فأمسكَ بيتر بيديه وتولّى جورج فتح فمه بالقوّة على سعته، وعمد ديم إلى انتزاع أسنانه الصّناعيّة علوًا وسفلًا وألقيَ بها على الأرض […] فانبعثَت من العجوز تأوّهات كالفحيح صدرَت من حلقه […] وأخيرًا رفسه بيتر في بطن ثمّ أطلقنا سراحه فأسرعَ يبتعد مترنّحًا متطارحًا، متأوهًا، وهو لا يدري ماذا دهاه ولأي طريق يسلك".
فالعجوز لا ذنبَ لهم إلا أنّه لا ينتمي إلى هذا النظام الرمزيّ العنيف لعصابة أليكس الّذين يمتلكون سلسلة أكوادٍ لم تعد صالحةً لهذا الرجل النظيف، هذا النظيف: القذر الجديد.
عندما تتغيّر الذائقة ويتغيّر القارئ وتعبرُ النصوص إلى حياة أخرى، يستعارُ المَوت لوصف عمليّة التحوّل وانتقالها من عالمٍ إلى آخر، أو من مرحلةٍ إلى أخرى، ثمّة أشخاص في هذا العالَم الآخر لا يعود استخدامهم يفيدُ اللعبة. ربّما تكون الحاجة إلى تنحيتهم بقتلهم، أو السّطو عليهم وعلى إرثهم وتشويه بضاعتهم أفضل الطرق، إن توفّرت الوسائل الحربيّة لهذا الفعل. فهل عادت قيمة النّاقد بنفس قيمته قبلَ قتله؟ هل دُفن الناقد اليوم في العصر الرّقميّ الاستهلاكيّ الذي تعددت فيه الذائقة واختلفت الخطاب النقديّ واستعيض عنه بالمتلقّي على أنواعه بصفتهم النقّاد الجدد؟ وإذا كان الناقد قد قُتل ودُفن، فمَن فعلها، وأين دفنوا الجثة: في جدران الجامعات؟ في المراجعات النقديّة العابرة التي لم تعُد تلقي بسحرها وتبتلع المتلقّين، أم تمّ حرقه ودخلت روحه في أرواح آخرين بأسماء أخرى؟ أم أنّ القتل المتعمّد ربّما حوّل السّؤال الباعث على القلق واللاطمأنينة إلى "ما هو الناقد" عوض السؤال المستكين "من هو الناقد"؟
أسئلةٌ كثيرة تُطرَح حول "سلطة – سطوة - صوت" الناقد ـ ومن يكون، أو ما يكون، وما هي حدود هذه السّلطة، وهل هي سلطة يملكها فردٌ أم أنهّا سلطة الحاضر الغائب، أو بالأخرى المغيّب في العلاقة بين رؤوس المثلث متساوي الأضلاع "المؤلف – الناقد - القارئ".
لقد اختلفت قوانين اللعبة، واختلفَت معها الأدوار التي توزّعت يومًا في شكلٍ تراتبيّ، كلّ يأخذ فيها نصيبه باقتدار. هنا تنتهي الأسئلة، ويبدأ سؤال يُعيدنا إلى الخلف إلى ما قبل القتل، إلى الأستاذ الذي لم يقتله القتلة، أو ربّما إلى القاتل الذي كان يسيرُ حرًا طليقًا بين الناس. ولعلّ الناقد لم يأخذ نصيبه يومًا في عمليّة الرّفع، والإسقاط والتشويش والإخفاق والإنجاح، في أي حقلٍ أكثر من حقل النقد المسرحيّ. هناكَ، كان مدّ الكاتب ومرفقاته تتقلّص أمام جزر الناقد وسطوته.
عندما تتغيّر الذائقة ويتغيّر القارئ وتعبرُ النصوص إلى حياة أخرى، يستعارُ المَوت لوصف عمليّة التحوّل وانتقالها من عالمٍ إلى آخر
لعبت مساهمة النقاد المسرحيين، دورًا في نجاح العمل المسرحيّ أحيانًا، وفي فشله في أحيان أخرى، وهو ما يُشيرُ إلى نفوذ النّاقد الذي يمتلك سلطةً وكفاءاتٍ في حقلِ الخطاب النقديّ المسرحيّ، وإلى قدرته على نقل عمل مسرحيّ من الهامش إلى المركز، والعكس. وهذا يعودُ في طبيعته إلى طبيعة المسرح الذي يقوم على سلسلة من الحرّاس والوكلاء الذين يفصلون ويصِلون بينَ المتلقّين والعمل. فالعمل المسرحيّ لا يقوم على قدراته النصيّة وحَسب، ولا يقوم على شهرة كاتب العمل ولا على الاستثمار المادّي فيه أو على رؤية الإخراج أو أداء الممثّلين أو سينوغرافيا العمل وغيرها. فالنجاح هنا أشبه بفعل المدّ والجزر، والتقلص والتمدّد، وجحود هذا الحقل تجاه الكاتب إذا أخفق، وقسوته مهما بلغ نجاح هذا الكاتب. إنّه القلق الدّائم من الفشل والسقوط إلى الأبد.
اقرأ/ي أيضًا: خمسون عامًا على الرواية الأولى لنور الدين فارح
في سياق ظهور مسرح العبث في الغرب، تُعتبر مسرحيّة "في انتظار جودو" لـ صموئيل بيكيت أول مسرحيّة مؤسّسة لهذا الاتّجاه المسرحيّ. كُتبت هذه المسرحيّة باللغة الفرنسيّة، وعُرضت لأول مرّة عام 1953. أمّا النّسخة الإنجليزيّة، والتي أعدّها بيكيت بنفسه، فقد عُرضت في الثالث من آب/أغسطس عام 1955 في لندن على مسرح الفنون Arts Theatre بإخراج بيتر هول (Peter Hall). قوبِلَت المَسرحيّة نقديًا وجماهيريًا بردّات فعل متباينة، وصَدَمت جمهور المتلقّين الّذين استقبلوها بعداوة وهجوميّة (1).
في السابع من آب/أغسطس عام 1955، دخل المَشهد النقدّي للعرض المسرحيّ ناقدان شهيران لهما ثقل في الحقل النقديّ المسرحيّ هما كينيث تاينان وهارولد هوبسون حيث نشرا مراجعتين شهيرَتين، في صحيفة ذا أوبسيرفر وصحيفة سنداي تايمز، أيّدا فيها أسلوب المسرحيّة ورياديّتها، فقد حثّ هوبسون الجمهور على الذهاب لرؤية العرض المسرحيّة فيما رأى فيها تينان مسرحيّة "حيوية" مؤكّدًا أهميّتها ورياديّتها في المَشهد المسرحيّ الغربيّ (2).
بعد ذلك، توالَت المراجعات النقديّة الإيجابيّة حول المَسرحيّة، فكَتب أنتوني هارتلي Anthony Hartly في صحيفة The Spectator في 12 آب/أغسطس عام 1955، محلّلًا الأحداث ورابطًا بين أصالة وخصوصيّة بيكيت في الأسلوب وبين مسرح الفنون اللندنيّ في تفرّده في إنتاج مسرحيّات تتمتّع بالنّضوج والإثارة الدراميّة (3).
لاحقًا، في 5 أيار/مايو عام 1956 كتب هارولد كليرمان في صحيفة The Nation مراجعة نقديّة تناول فيها المسرحيّة بالتّحليل واعترض فيها على بعض الجوانب التي تتعلّق بمضمون المسرحيّة، لكنّه يعترف في بداية المَسرحيّة بقدرة المسرحيّة على إدهاشه. وعلى إيقاع المتعة والإثارة في نفسه، مؤكّدًا أنّه رغم بعض التحفّظات عليها، إلاّ أنّ مسرحيّة "في انتظار جودو" هي رائعة أدبيّة، شعريّة، تجريديّة، اتّخذت منحى فنيًا مختلفًا للتعبير عن مأساة الإنسان الحديث (4).
توالَت بعدها المراجعات النّقديّة والدراسات التي تناولت بالتحليل والنقد هذا النصّ المَسرحيّ الذي تمّت قوننته نقديًا وجماهيريًا في السنوات اللاحقة. يُعدّ دور النّقاد هنا، بما يحملونه من سلطة رمزيّة في حقل النّقد المسرحيّ، دورًا مركزيًا فاعلًا في قبول أو استبعاد نصّ مسرحيّ أو كاتب مسرحيّ. عُرضَت مسرحيّة بيكيت في باريس لأوّل مرّة، وقد ساهَمت نوعيّة الجمهور الذي كان مفتوحًا على الأشكال الفنيّة التجريبيّة الحداثيّة أكثر من غيره، في تقبّل المسرحيّة ممّا أدّى إلى عرضها قرابة ثلاثمائة مرّة. أمّا الجمهور الإنجليزيّ، فقد كان أكثر تحفّظًا، على مستوى الاستقبال الجماهيريّ والنقديّ لهذا النّوع من النصوص المسرحيّة، ممّا أدّى إلى مهاجمة المسرحيّة واصطدامها بردود نقديّة متباينة تنزع نحو السّلبية. شكّل دخول ناقدَين كبيرَين، هوبسون وتينان، إلى المشهد النقديّ، نقطة تحوّل مفصليّة في شكل استقبال المسرحيّة ممّا أثّر دعمهما لها فنيًا ومضمونيًا على قراءتها لاحقًا وعلى الاحتفاء بها.
يشكّل نموذج آخر هو نموذج آرثر ميلر- بروكس أتكينسون أحد النماذج البارزة للعلاقة الوطيدة التي تربط بين النّقاد وبين المؤلّف وعمله المسرحيّ. ففي 29 كانون الثاني/يناير عام 1947، عُرضَت لِميلر مسرحيّة كلّ أبنائي All My Sons على مسرح كورونِت في مدينة نيويورك وأكسبت ميلر جائزة نقاد الدراما في نيويورك وجائزة دونالدسون كأفضل مسرحيّة جديدة في نفس العام. شكّل النجاح النقديّ الذي أحرزته هذه المسرحيّة نقطة تحوّل هامّة في حياة ميلَر المهنيّة، ولعب فيها النّاقد الأمريكيّ الشهير بروكس أتكينسون دورًا كبيرًا بعد فشل مسرحيّة ميلَر الأولى الرجل الذي امتلكَ كلّ الحظّ The Man Who Had All the Luck في عام 1947.
في سيرته الذاتية، كتب ميلَر عن الدّور المركزيّ الذي لعبه الناقد بروكس أتكينسون مؤكّدًا أنّ تجنّد الأخير لصالح مسرحية كلّ أبنائي، هو المسؤول الأوّل عن نجاحها
في سيرته الذاتية كتب ميلَر عن الدّور المركزيّ الذي لعبه الناقد المسرحيّ الأمريكيّ الشّهير بروكس أتكينسون مؤكّدًا أنّ تجنّد الأخير لصالح مسرحية كلّ أبنائي، هو المسؤول الأوّل عن نجاحها وعن تواصل عرضها على خشبة المسرح، وبالتالي عن الاعتراف رسميًا بموهبة ميلَر كمسرحيّ (5).
اقرأ/ي أيضًا: النجاة بالكتابة.. هكذا فعل ناظم حكمت وأنتونيو غرامشي في العزل القسري
في عام 1947، كتب أتكينسون عدّة مراجعات نقديّة حول المسرحيّة حقّقت لميلَر شهرة كبيرة وساهَمت في نجاح العرض المسرحيّ، فقال عن المسرحيّة في 30 كانون الثاني/يناير عام 1947 في صحيفة نيويورك تايمز إنّها "دراما حيويّة ومثيرة"، وفي 9 شباط/فبراير من نفس العام كتب في نفس الصحيفة يقول عنها إنّها "أكثر المسرحيّات موهبةً يكتبها مؤلّف جديد"، وفي 7 أيلول/سبتمبر من نفس العام هاجم أتكينسون في مقالته نقادًا وجّهوا نقدًا ضدّ المسرحيّة لسوء تعامل ميلَر ككاتب مسرحيّ مع موضوع الرأسماليّة الأمريكيّة في مسرحيّته، حيث رأى أنّه من حقّ الكاتب اختيار مواضيع مسرحيّاته (6).
يشكّل أتكينسون كناقد عنصرًا مفصليًا في حياة ميلَر المسرحيّة، وهذا هو السّبب الذي جعل ميلَر يعترفُ بفضل أتكينسون على شهرته كمؤلّف مسرحيّ. جاءت نقطة التحوّل هذه واضحة وبارزة في عام 1947 بعد أن استُقبلَ ميلَر نقديًا بخيبة أمل كبيرة قبلها بثلاثة أعوام. في 23 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1944، عُرِضَت مسرحيّة ميلر الرجل الذي امتلك كلّ الحظّ على مسرح فورِيست Forrest Theatre بإخراج جوزيف فيلدز Joseph Fields، وذلك بعد مرور أربع سنوات على تأليفها. لم تحقّق المسرحيّة نجاحًا نقديًا كاسحًا، وعُرضت على مسرح برودواي أربع مرّات فقط. من جملة الآراء النقديّة المهاجمة للمسرحيّة، كتب الناقد لويس نيكولس في 24 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1944 في نيويورك تايمز ناقدًا لها لكَونها تحمل "أفكارًا فلسفيّة مضطربة"، في حين رأى هوارد بارنز إنها مسرحية متعثرة في الجانب التنفيذيّ (7).
يوضّح هذا المثال دورَ النّاقد ومساهمته، كسلطة رمزيّة مؤسِّسة في حقل النّقد المسرحيّ، في نَجاح أو فشل كاتب أو عمل مسرحيّ. بالتوازي مع أتكينسون، الذي دعم مسرحية كلّهم أبنائي، نُشرت مراجعات نقدية، تؤكّد أهميّة المسرحيّة وترسّخ أهميتها داخل الحقل المسرحيّ الأمريكيّ. في آذار عام 1947، وصف جون غاسنر John Gassner، وهو ناقد مسرحيّ لا يقلّ أهميّةً عن أتكينسون، ميلَر كأوّل كاتب مسرحيّ جديد مهمّ بعد الحرب العالمية الثانية، ووصف الناقد جون ماسون براون Brown John Mason، ميلر بالموهبة الجديدة المتأثرة بأدب كبار المسرحيين من أمثال هنريك إبسن وأنطون تشيخوف (8).
في 10 شباط/فبراير عام 1949، عُرِضَت مسرحيّة "وفاة بائع متجوّل" على مسرح موروسكوMorosco Theatre في مدينة نيويورك، وهي المسرحيّة التي أكسبت ميلر جائزة البوليتزر، وحقّقت انتشارًا محليًا وعالميًا منقطع النّظير. ساهَم النقد المسرحيّ في قَوننة هذه المسرحيّة، ولعبَ أتكينسون، مرّة أخرى، دورًا مركزيًا في نجاحها حين كتب عنها بعد العرض الافتتاحي للمسرحيّة مباشرة ومدحها بقوله إنّها "دراما غنيّة وبارزة".
في 20 شباط/فبراير، من نفس الشّهر كتب أتكينسون مراجعة نقديّة صنّف فيها المسرحيّة كأفضل مسرحيّات المسرح الأمريكيّ الحديث، وقسم المقالة إلى ثلاثة أقسام: تناول القسم الأول الموسوم بـ"المسرح البارع" مكامن الإبداع في هذه المسرحية وتقنياتها الدرامية تمثيلًا وإخراجًا وتصميمًا. تناول القسم الثاني الموسوم بـ"صيغة للفشل" مواطن القوة في هذا العمل المسرحيّ الذي رأى فيه أتكينسون بأنه "مأساة رجل عادي"، حيث يعكسُ التناقضَ الواقعيّ في كون الأبطال بسطاء ومتواضعين وبورجوازيين لكنهم يقعون في أخطاء أبطال المآسي. أما القسم الثالث الموسوم بـ"احترام الناس" فيعلن أتكينسون من خلاله أن وفاة بائع متجول هي أجود مسرحية أمريكية بالإجماع النقدي، ويتوسع في الحديث عن أشكال المهارة في التمثيل والإخراج والإيقاع والترتيب متطرقًا إلى رسم شخصيّة "البطل" ويلي لومان وأسباب سقوطه (9).
في السابق، كانت كلمة الناقد كلمة. كان يكفي أن يقول: "رائع" ليصعد العمل إلى الأعالي، و"مخيّب للآمال" ليردّ العمل إلى أسفل سافلين
في السابق، كانت كلمة الناقد كلمة. كان يكفي أن يقول: "رائع" ليصعد العمل إلى الأعالي، و"مخيّب للآمال" ليردّ العمل إلى أسفل سافلين. بكلمةٍ واحدة كان العمل يعيش وبكلمة يموت، وبكلمة كان الكاتب يستمر، وبكلمة كان يتوقف لسنوات عن العمل.
اقرأ/ي أيضًا: نيتشه.. فلسفة التخفّي
أما اليوم، فنبقى أمام أسئلة كثيرة حيويّة تُطرح حول النصّ وعلاقته مع مدّ الكاتب وجزره ومدّ الناشر وجزره، ومدّ القارئ وجزره، ومدّ الوسائط الإنترنتية وجزرها، مع مدّ وجزر كلّ شيء، إلا علاقته مع هذا النّاقد الذي تشظّى إلى مليارات الشّظايا اختفت تحت جلود الجميع.
هوامش:
1- راجع:
James Knowlson, Damned to Fame: The Life of Samuel Beckett (London: Bloomsbury, 1996), 414.
2- راجع:
Knowlson, 415.
3- راجع:
Anthony Hartly , “Waiting For Godot. By Samuel Beckett”, The Critical Response To Samuel Beckett, ed. Cathleen Culotta Andonian (Westport, Conn.: Greenwood Press, 1988), 91-92.
4- راجع:
Hartly, 93-94.
5- يقول ميلر في سيرته الذاتية "كانت حملة بروكس أتكينسون من أجل مسرحيّة كلّ أبنائي هي المسؤولة عن تواصل عرضها وعن الاعتراف بي كمَسرحيّ":
Miller, Timebends, 138.
6- راجع:
Brooks Atkinson, “Arthur Miller’s All My Sons Brings Genuine New Talent into the Coronet Theatre with Excellent Cast of Actors,” New York Times, 30 January, 1947: 21.
Atkinson, “Welcome Stranger,” New York Times, 9 February, 1947, sec 2:1.
Atkinson, “Mare’s Nest Inquiries,” New York Times, 7 September, 1947, sec. 2: 1.
7- راجع:
Lewis Nichols, “The Philosophy of Work Against chance Makes Up The Man Who Had All the Luck,” New York Times, 24 November, 1944:18.
Oward Barnes “P.S.- He Needed It,” New York Herald Tribune, 24 November, 1944: 22.
8- راجع:
John Gassner, “The Theatre Arts,” Forum 107 (March 1947): 271-75.
John Mason Brown, “New Talents and Arthur Miller,” Saturday Review of Literature, 1 March, 1947: 22-24.
9- راجع:
Atkison,”Death of a Salesman a New Drama by Arthur Miller, Has Premier at the Morosco,” New York Times, 11 February, 1949: 27.
Atkison, “Death of a Salesman: Arthur Miller’s Tragedy of an Ordinary Man,” New York Times, 20 February, 1949, sec. 2:1.