بالتأكيد مرّ على سمعك ذات مرة لفظ "يوغا" من قبل، يُعتقد أن اليوغا رياضة جاءت من الهند، وأنها تواجدت قبل حتى الحضارات الإنسانية، وظل يتداولها الناس حتى باتت علمًا قائمًا بذاته اليوم .طبقًا لموقع "VEDICFED" فاسم يوغا مشتق من أحد ألفاظ اللغة السنسكريتية وهو "يوج"، والذي يعني اتحاد أو انضمام، واليوغا هي رياضة يدرك فيها المرء الحقيقة المطلقة، وهدفها الرئيسي هو سمو النفس.
بالنسبة لـ"برايدراغ بريكي" لاعب كرة القدم الصربي السابق كانت اليوغا هي سبيلة لخمس سنوات إضافية في نور الملاعب، بل والحصول على أفضل لاعب في الدوري الأمريكي لكرة القدم في سن الأربعين. وإذا عبرنا المحيط الأطلسي، فكانت اليوغا لـ "جارث باري" لاعب كرة القدم الإنجليزي هي السبيل أيضًا ليكون أكثر اللاعبين ظهورًا في مباريات الدوري الإنجليزي بواقع 653 مباراة. نزيدك من الشعر بيتًا، ونقول لك أن التنافسية التاريخية بين رونالدو وميسي كان لليوغا دورًا هامًا فيها، ولا بد أنك شاهدت محمد صلاح وهو يحتفل بأحد أهدافه متخذًا إحدى وضعيات اليوغا.
التمارين الرياضية تساعد على تطوير وتقوية العضلات، بينما تساعد اليوغا على إطالة عمرها، تعمل اليوغا على تمكين اللاعب من جسده، وإمكانية التحكم فيه بالكامل
باتت كرة القدم صناعة، وأصبح اللاعبون يبحثون بشتى الطرق لتعزيز قدراتهم البدنية، حتى يتمكنوا من إطالة أعمارهم داخل ملاعب كرة القدم، فما علاقة اليوغا بكرة القدم؟
المرأة التي حطمت الجدار
"شارون هايدريبور" لاعبة كرة قدم سويدية كانت تلعب كرة القدم لفريق "جتكس" السويدي كجناح أيمن، وكانت تأمل في مسيرة كروية عظيمة، لكن القدر كان له رأي آخر عندما أُصيبت بقطعٍ في الرباط الصليبي وهي في سن الـ 19 عام. بذلت هايدريبور جهدًا كبيرًا من أجل العودة، لكنها لم تعد من الإصابة كما كانت من قبل، وبالرغم من محاولاتها العديدة، إلا أنها سلمت للأمر الواقع، وأعلنت اعتزالها كرة القدم وهي بنت الـ 20 عام.
أرادت هايدريبور العودة لكرة القدم، فكانت اليوغا هي الطريق الوحيد لذلك، سافرت شارون إلى لندن لدراسة إعادة تأهيل لاعبي كرة القدم، ثم حصلت على ماجستير من جامعة "لندن متروبوليتان" في التأهيل الرياضي، ثم شقت طريقها نحو كرة القدم من جديد من خلال العمل مع عدة أندية إنجليزية في البريميرليج، مثل تشلسي وأرسنال.
قامت هايدريبور بانشاء أكاديميتها الخاصة في التأهيل الرياضي، لكن الجديد الذي أتت به هو استخدام اليوغا في عملية التأهيل تلك، وهو ما لم يكن منتشرًا حينها، حتى أنها وصفت أن الأمر في البداية كان بمثابة جدار يحتاج إلى عزمٍ شديد لتحطيمه.
بين الطب والروحانية
في البداية استخدمت هايدريبور الأساليب الخاصة باليوغا في عمليات التأهيل، لكن دون أن تخبر اللاعبين، طبقت ذلك في البداية مع لاعبي أكاديمية الشباب في أرسنال، ثم جذبت هذه الأساليب لاعبي الفريق الأول.
تقول هايدريبور لصحيفة "ذا أثليتك" أنها لاحظت أنه هناك فجوة بين الطب الرياضي والتمارين الروحانية، وهي ما جعلها تعرج إلى اليوغا باعتبارها السبيل لسد هذه الفجوة، والنتائج الأولية كانت مبشرة للغاية، حيث ساعدت هذه التمارين على سرعة تعافي شباب أرسنال، مما جعل النادي يكلفها بتأهيل ثلاثة من أهم لاعبي الفريق الأول حينها، وهم "سانتي كازورلا، ولوران كوسيلني، وروبرت بيريس".
شجعت هذه الخطوة شارون على التوسع في دراسة اليوغا، حيث خاضت جولة في المكسيك وكوستاريكا وتلقت علوم اليوغا على أصولها من مدربين مختصين، ثم عادت إلى إنجلترا بمستوى جديد من المعرفة، وهو ما يمكننا أن نسميه الانطلاقة الحقيقية لليوغا في كرة القدم.
آلية العمل
تخبرنا هايدريبورأن اللاعبين هم بشر مثلنا، قد يتأثرون بالمشاكل الأسرية ومشاكل الحياة وغيرها، وهنا يأتي دور اليوغا في الحفاظ على السلام الداخلي. تعتقد هايدريبور أن مبادئ اليوغا للاعبين الشباب مهمة للغاية حيث تساعدهم في التخلص من مشكلة شائعة، وهي اختلالات مناطق الحوض والورك التي تحدث نتيجة ركل الكرة بساق واحدة طوال الوقت.
وفقًا لهايدريبور فإن معظم الناس لا يتنفسون بشكلٍ صحيح، وأنفاسهم سطحية للغاية، ولاعبو كرة القدم ليسوا استثناء، من خلال اليوغا والوعي الذهني يمكن للاعبين التدرب على التنفس بشكلٍ صحيح، في تمارين اليوغا يتم التدريب على التنفس من البطن والحجاب الحاجز، ويساعد ذلك على تنشيط الجهاز العصبي السمبثاوي، وهو الجهاز المسؤول عن استرخاء الجسم بعد فترات الضغط والتوتر، وتشغيل عمليات مثل الهضم.
وفقًا لـ "شيلا ماكفيتي" وهي معلمة يوغا إنجليزية عملت في عدة أندية، فإن التمارين الرياضية تساعد على تطوير وتقوية العضلات، بينما تساعد اليوغا على إطالة عمرها، تعمل اليوغا على تمكين اللاعب من جسده، وإمكانية التحكم فيه بالكامل، لاعبو كرة القدم عادةً ما يتمرنون بطرق خطية، مثل الجري وما إلى ذلك، مما يعني أن أوتار الركبة وعضلات الفخذ أكثر عرضة للإصابة، تساعد اليوغا في جعل هذه المناطق أكثر مرونة، وبالتالي تقليل احتمالية الإصابة.
رونالدو وجيجز وصلاح والقائمة تطول
يتحدث اللاعب الصربي السابق "بريكي رادوسفاليفيتش" لاعب خط وسط إيفرتون سابقًا، أن اليوغا دخلت متأخرة إلى حياته، لكنها قادته إلى شفق مهني لم يكن متوقع عندما كان يفكر في الاعتزال في سن الـ 38 عامًا. كان الصربي أفضل لاعب في الدوري الأمريكي عام 1997، لكن بحلول عام 2001 شعر بريكي أنه انتهى، وأن جسده لم يعد يستجيب له، حينها نصحته زوجته بممارسة اليوغا، لعب بريكي بعده ستة مواسم إضافية، وحصل على لقب أفضل لاعب في الدوري عام 2003.
"ريان جيجز" الويلزي نجم مانشستر يونايتد سابقًا، والذي ظل في الملاعب حتى تجاوز الأربعين عامًا، كان قد شرط على اللاعبين الشباب في الفريق بضرورة الحضور مبكرًا قليلاً قبل التدريب، وممارسة تمارين اليوغا، واصفًا إياها لهم أنه وصفته السحرية لتظل في هذا العمر في أحد أكبر أندية العالم.
محمد صلاح عندما أراد أن يعرف سر احتفاله بأحد وضعيات اليوغا، كان رده "أنه رجل يوغا"، رونالدو وميسي من ضمن المعجبين بهذه الفكرة أيضًا. وفقًا لـ "شيلا ماكفيتي" وهي معلمة يوغا إنجليزية عملت في عدة أندية، فإن كرة القدم قطعت شوطًا طويلاً في علاقتها مع اليوغا، فلم يعد كل فريق يمتلك لاعب أو اثنين فقط يمارسون اليوغا، بل أصبحت اليوغا ضمن الأساسيات التي يتعلمها الأطفال في المدارس قبل حتى أن يلعبوا كرة القدم، لم يصل الأمر أن تُعين الأندية مدربي يوغا بدوام كلي، لكنها تعتقد أننا قريبين للغاية من هذه النقطة.
في النهاية كرة القدم أصبحت صناعة، وأضحى اللاعبون لا يخشون تجربة كل السبل التي يمكنها مساعدتهم على البقاء أكثر تحت نور الشهرة والمال قبل الاعتزال.