شهدت خمسينات القرن الماضي انطلاقة معظم البطولات القارية في عالم المستديرة، فكانت وحدها أمريكا الجنوبية تملك بطولة تجمع منتخباتها بشكل دوري تحت مسمى بطولة كوبا أمريكا، التي تأسست عام 1916، فيما استضافت هونغ كونغ النسخة الأولى من كأس أمم آسيا في أيلول/سبتمبر عام 1956، تبعتها السودان عام 1957 باستضافة كأس أمم أفريقيا، في حين احتضنت فرنسا النسخة الأولى لكأس الأمم الأوروبية عام 1960، بينما انطلقت الكأس الذهبية لقارة أمريكا الشمالية ودول الكاريبي عام 1963.
حظيت هونغ كونغ بشرف تنظيم النسخة الأولى من كأس أمم آسيا عام 1956، فهي لعبت دورًا رئيسيًا في تأسيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، لذلك استحقّت أن تظفر بهذا الشرف، وكانت القارّة الصفراء حينها تعجّ بالمشاكل والأحداث المفصلية في تاريخ دولها، ففي المشرق لم تجفّ دماء حرب الكوريتين بعد، والتي أوقفتها الهدنة سنة 1953، بعد أن خلّفت أكثر من 5 ملايين قتيل، وهو ما يشكّل قرابة 10% من سكّان الكوريّتين، أي بنسبة خسائر بشرية تفوق الخسائر التي مُنيت بها قارّة أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي أقصى شرق شبه جزيرة الهند الصينية، بدأت الحرب الفيتنامية بين الشطرين الشمالي والجنوبي سنة 1955.
اقرأ/ي أيضًا: كأس العالم 1954.. أوروبا تشتعل من جديد
لم يكن غرب آسيا أفضل حالًا من شرقه، فعلى الرغم من نيل أغلب الدول العربية استقلالها، إلا أن هزيمة العرب في حرب 1948، وإعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربيّة المحتلة، أدى إلى تحويل المنطقة إلى فوهة بركان. رفضت الدول العربية المشاركة في تصفيات البطولة احتجاجًا على مشاركة فريق الاحتلال فيها، وهو أمر سيتكرّر في النسخ الثلاث التالية، وصادفت القرعة مواجهة فريق الاحتلال لكلّ من أفغانستان وباكستان في التصفيات، لكنّ الدولتين الأخيرتين أحجمتا عن اللعب مع المحتلّين، فتأهّل الفريق الإسرائيلي إلى النهائيّات دون خوض التصفيات، حاله حال هونغ كونغ مستضيفة البطولة، فيما نال البطاقتين المتبقّيتين في النهائيّات كل من فيتنام الجنوبية، والتي تخطّت كمبوديا وماليزيا، وكوريا الجنوبية التي أقصت في التصفيات الفليبين وتايوان.
كوريا الجنوبية هي الوحيدة التي رفعت اللقب وتلقّت أهدافاً في كلّ مبارياتها
تلعب الفرق الأربعة المشاركة في النهائيات بنظام الدوري من مرحلة واحدة، وينال الفريق متصدّر الترتيب لقب النسخة الأولى، علمًا أن نظام كرة القدم حينها يمنح الفريق الفائز في أي مباراة نقطتين، فيما يتقاسم الفريقان النقطتين في حال التعادل، بينما لا ينال الفريق الخاسر أية نقطة.
صبّت الترشيحات نحو الفريق الكوري الجنوبي، فهو آخر فريق آسيوي شارك في كأس العالم 1954 بسويسرا، وعلى الرغم من الخسارات المهينة بحقّ الكرة الآسيوية التي تكبّدها الكوريون في تلك البطولة، عندما خسروا أمام المجر 9-0 وتركيا 7-0، إلا أن الجميع يدرك الفوارق الكبرى بين القارّة الآسيوية وقارّتي أوروبا وأمريكا اللاتينية في عالم كرة القدم.
اقرأ/ي أيضًا: قصة كأس العالم 1950.. عودة الحياة إلى كوكب الأرض
تأخّر لاعبو كوريا الجنوبية في السفر إلى هونغ كونغ من أجل خوض النهائيّات، وقبل وصولهم بخمسة أيام تغلّب فريق الاحتلال على أصحاب الأرض بثلاثة أهداف لاثنين، وفي نفس اليوم الذي حطّت به طائرة الكوريين كان على اللاعبين خوض مباراتهم الأولى أمام أصحاب الأرض، بدا على الكوريين الإرهاق مع بداية المباراة، وتلقّوا هدفين في الشوط الأوّل، قبل أن ينتفضوا في الشوط الثاني ويعدّلوا النتيجة أمام أكثر من 30 ألف متفرّج ناصروا هونغ كونغ.
وما هي إلا يومين حتّى توجّب على الفريق الكوري أن يلاقي منتخب الاحتلال الإسرائيلي، وانتهى اللقاء بتفوّق الكوريين 2-1، قبل أن تذهب آمال الدولة المنظّمة أدراج الرياح بعد تعادلها الخاسر مع فيتنام الجنوبيّة 2-2، ولم ينفع فريق الاحتلال فوزهم على الفيتناميين 2-1، لأن كوريا الجنوبية اقتنصت اللقب بعد فوزها في المباراة الختاميّة على فيتنام الجنوبيّة 5-3، بذلك دخلت كوريا الجنوبيّة تاريخ كرة القدم الآسيوية كأوّل منتخب يرفع كأس الأمم الآسيوية، وهو الفريق الوحيد حتّى الآن الذي رفع الكأس رغم تلقّيه للأهداف في كلّ مبارياته.
اقرأ/ي أيضًا:
قصة كأس العالم 1938.. انسحابات بالجملة على عتبة الحرب العالمية الثانية
كأس العالم في نسخته الثانية 1934.. حضور مصري مشرّف وإيطاليا الفاشية تنتصر