حكمت محكمة سعودية بعدم مسؤولية أي جهة عن كارثة سقوط رافعة الحرم المكي، التي وقعت خلال موسم الحج العام قبل الماضي، والتي أودت بحياة أكثر من 108 شخصًا وجرح 200 آخرين. كانت مجموعة بن لادن السعودية، وهي أكبر شركة مقاولات في المملكة، المسؤولة عن الرافعة التي لم تُؤمَّن جيدًا أثناء العاصفة التي هبت خلال ذاك اليوم.
حكمت محكمة سعودية بعدم مسؤولية أي جهة عن كارثة سقوط رافعة الحرم المكي على اعتبار أن الكارثة وقعت لأسبابٍ طبيعية
وقد أصدرت المحكمة الجزائية في مكة يوم الأحد حُكمًا يُفيد أن الشركة التي أسّسها والد أسامة بن لادن ليست مُضطَرة لدفع تعويضات للضحايا أو عائلاتهم، أو أن تدفع مقابل الأضرار التي لحقت بالمسجد، وقد أفردت الصحف السعودية مساحات لهذا الحكم، مشيرةً إلى أن المحكمة خلُصت إلى حكمها على اعتبار أن "الكارثة وقعت لأسبابٍ طبيعية وليس هُناك عنصر بشري وراءها".
كما صرّح القاضي أن المحكمة استندت في حكمها إلى تقارير فنيةٍ وهندسيةٍ وچيوفيزيائيةٍ وميكانيكيةٍ مُستنسَخة من الصندوق الأسود للرافعة، فضلًا عن مُحاكاة الظاهرة الجوية غير العادية عن طريق الدراسة المُتأنِية للتقارير التي نقلتها الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والتي أوضحت أن "الأمطار الغزيرةِ والعواصف الرعدية هي التي تسببت في انهيار الرافعة حينها". وقد جاء في نص الحكم: "الرافعة كانت مرفوعة في وضعيةٍ صحيحةٍ وآمنة، وأن شركة بن لادن اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة للسلامة".
اقرأ/ي أيضًا: تدمير مكة.. هكذا حوّل آل سعود تراث الرسول إلى رحلة استهلاكية!
إلا أن الحقيقة تقول إنه إذا كانت الرافعة مرفوعة لأعلى (والصور تُثبت أن ذراع التطويل كان مرفوعًا خلال العاصفة) فلا يمكن أن تكون أبدًا في وضعيةٍ صحيحة وآمنة في ظِل الظروف الجوية خلال هذا الوقت، إذ تُشير التقارير إلى أن سرعة الرياح كانت بين 50 - 60 ميلًا في الساعة، وهي تعني أن قوتها كانت 10 درجات على مقياس بوفورت.
وكانت هُناك الكثير من أعمال التشييد التي تدور في محيط الحرم المكي خلال هذا التوقيت، وأثبتت الصور وجود أكثر من 20 رافعة مُثبتة في هذه المنطقة، وجميعها لم يتعرض لسوء خلال العاصفة. على الرغم من هذا، كانت الرافعة التي تسببت في الكارثة من نوعيةٍ مختلفة، وهي رافعةٌ Liebherr LR-11350 زحافة - مُجنزَرة - مُثبَّت بها سير لتسهيل حركتها في جميع أنحاء الموقع، ويبلغ طول ذراع التطويل الخاص بها 200 مترًا.
تُصمم الرافعات بطريقة تجعلها لا تسقط للأمام عندما تحمل أغراضًا ثقيلة، إلا أن الرافعات الزحافة المُتحركة يُمكن أن تسقط إلى الخلف إذا لم يتم التعامل معها بطريقة صحيحة، وهو ما حدث في مكة. تُفسِّر مقالة نُشرت في إحدى المدونات الهندسية هذه المشكلة:
"طالما وُضعت في الحسبان مسألة الثبات الخلفي للرافعات، وهي دائمًا تُفهَم بطريقة خاطئة ومن ثم يجري إغفالها، إذ أن الرغبة تكون دائمًا في اتجاه إجراء دراسةٍ دقيقةٍ للمخططات البيانية للحُمولات كي يضمن تحقيق الاستقرار الأمامي عند الرفع. وبطريقةٍ ما، يبدو القلق بشأن الاستقرار الخلفي غير بديهي لأن عملية الرفع تتم من الجهة الأمامية. وفي واقع الأمر، لا يقل عدد حوادث الرافعات نتيجة فقدان الاستقرار الخلفي عن عدد الحوادث التي تحدث لأسباب أخرى. فجميع الرافعات عرضة لفقدان الاستقرار الخلفي".
وقال أحد الخبراء، من مجموعة ليبهير عقب وقوع الكارثة، إن "الرافعة، التي استُخدمت بشكل متقطع، لم تكن مُجهَّزة تجهيزًا صحيحًا لمواجهة الظروف الجوية المتوقعة".
الرافعات الزحافة المُتحركة يُمكن أن تسقط إلى الخلف إذا لم يتم التعامل معها بطريقة صحيحة، وهو ما حدث في مكة وأكده خبراء مختصون
وأوضح الخبير قائلًا: إن "التعليمات التشغيلية للرافعة LR 11350 وخرائط سرعة الرياح المُلحقة بها توضح أن الرافعة الزحافة لا يمكنها أن تصمد أمام رياح بهذه القوة وأن ذراعها كان من الواجب أن يُخفض مستواه إلى مستوى الأرض كخطوةٍ احترازية لتجنُب تعرض الرافعة الزحافة للميل". وأضاف: "تسببت الرياح القوية في ميل الرافعة فوق آخر بكرات تدعم سيور الزحف الخاصة بها".
تبنت السلطات السعودية موقفًا مماثلًا لرأي الخبير، فقد أشار تقرير أُرسل إلى عاهل السعودية، إلى عدم اتباع تعليمات التشغيل التي نصت عليها الشركة المصنِّعة للرافعة، وأنها تُركت في وضعيةٍ ضعيفةٍ تجعلها عُرضةً للسقوط. ونتيجةً لهذا، حُظرت شركة بن لادن (مؤقتًا) من إبرام أي تعاقدات حكومية، ومُنع كبار المديرين التنفيذيين في الشركة من مغادرة المملكة.
وبعد شهرين من وقوع الكارثة، أصدرت السلطات السعودية قواعد جديدة تتعلق بمشغلي الرافعات، إذ نصَّ أحد هذه القواعد على أن المقاولين ينبغي عليهم أن يتحروا سُرعة الرياح ليضمنوا أنها دائمًا عند المستويات الآمنة التي تحددها الشركات المصنعة.
اقرأ/ي أيضًا: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا.. بإذن "الريال"
براءات مُتكرِّرة
أشار تقرير سعودي إلى عدم اتباع تعليمات التشغيل التي نصت عليها الشركة المصنعة للرافعة، وأنها تُركت في وضعية تجعلها عُرضة للسقوط
على الرغم من هذا، كانت المحاكم السعودية - التي لا يُعرَف عنها تساهلها – مُتردِّدة في العُثُور على خطأ وقعت فيه شركة بن لادن.
خضع 14 شخصًا مرتبطين بالشركة للمحاكمة خلال العام الماضي، واتُهموا بـالتقصير الذي تسبب في وقوع وفيات، والإضرار بالممتلكات العامة، وتجاهل إرشادات السلامة. لم يُكشف عن هُوّية أي منهم، إلا أن وسائل الإعلام المحلية قالت إن من بينهم مليارديرًا سعوديًا، وموظفين من باكستان والفلبين وكندا وبعض الدول العربية.
وأفادت تقارير أن أحد المتهمين أخبر المحكمة، خلال سلسلة من جلسات الاستماع، أنهم لم يطلِعوا أو يروا طاقم تشغيل ودعم الرافعة وبعضهم لا يعلم من الأساس أن هناك أحدهم.
وفي نهاية المطاف، قررت المحكمة عدم اختصاصها بالبت في ادعاءات انتهاك إرشادات السلامة، ورفضت الاتهامات الموجهة إلى 13 من المدعى عليهم (فيما لم يكن هناك أي إشارة إلى المدعى عليه الرابع عشر). وقد طعن المدعي العام السعودي ضد الحكم في أيار/ مايو من هذا العام، لتُعاد المحاكمة مرة أخرى.
هذا الموضوع مترجم عن الرابط التالي
اقرأ/ي أيضًا: