تجاهلت الإدارة الأميركية مئات التقارير التي تؤكد استخدام الاحتلال الإسرائيلي للأسلحة الأميركية، في جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها بقطاع غزة، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وقال تقرير الصحيفة الذي صدر، اليوم الأربعاء، إن إدارة بايدن تلقت ما يقرب من 500 تقرير، يشير إلى أن إسرائيل استخدمت أسلحة مقدمة من الولايات المتحدة في هجمات تسببت بمجازر ضد المدنيين في قطاع غزة، لكنها فشلت في الامتثال لسياساتها الخاصة التي تتطلب تحقيقات سريعة في مثل هذه الادعاءات، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
وذكرت المصادر المطلعة، والذين تحدثوا للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، أن بعض هذه الحالات التي عُرضت على وزارة الخارجية على مدار العام الماضي، "ربما ترقى إلى انتهاكات للقانون الأميركي والدولي".
تجاهلت إدارة بايدن الأدلة على الأذى والفظائع التي تلحق بالمدنيين على نطاق واسع، للحفاظ على سياسة نقل الأسلحة غير المشروطة تقريبًا إلى حكومة نتنياهو
وتشمل التقارير عشرات التوثيقات بالصور، لشظايا قنابل أميركية الصنع في مواقع استشهد فيها عشرات الأطفال، ومع ذلك، لم تصل أي حالة واحدة إلى مرحلة "التحرك"، وفقًا لتصريحات مسؤولين حاليين وسابقين للصحيفة. وقالوا إن أكثر من ثلثي الحالات لا تزال دون حل، مع انتظار العديد من الردود من قبل الحكومة الإسرائيلية، التي تستشيرها وزارة الخارجية للتحقق من ظروف كل حالة.
ونقلت الصحيفة عن منتقدي سياسة بايدن المتمثلة بإمداد الاحتلال المستمر بالأسلحة، أن التعامل مع هذه التقارير هو "مثال آخر على عدم رغبة الإدارة في تحميل حليفها الوثيق المسؤولية عن الخسائر الفادحة في الصراع".
وقال المستشار القانوني والسياسي، جون رامينج تشابيل: "إنهم يتجاهلون الأدلة على الأذى والفظائع التي تلحق بالمدنيين على نطاق واسع، للحفاظ على سياسة نقل الأسلحة غير المشروطة تقريبًا إلى حكومة نتنياهو"، مضيفًا في حديثه للصحيفة: "عندما يتعلق الأمر بسياسات الأسلحة التي تنتهجها إدارة بايدن، فإن كل شيء يبدو جيدًا على الورق، لكنه تبيّن أنه لا معنى له في الممارسة العملية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن "الحكومة تتابع عن كثب الحوادث المحالة إلى وزارة الخارجية، وتسأل الحكومة الإسرائيلية عنها"، فيما قال مايك كيسي، الذي عمل في قضايا غزة في مكتب الشؤون الفلسطينية التابع لوزارة الخارجية الأميركية في القدس: "إن كبار المسؤولين يعطون الانطباع بشكل روتيني بأن هدفهم في مناقشة أي انتهاكات مزعومة من جانب إسرائيل، هو التوصل إلى كيفية تأطيرها في ضوء أقل سلبية".
وواصل المسؤول الدبلوماسي الأميركي الذي استقال في تموز/يوليو الماضي: "هناك هذا الشعور: كيف نجعل هذا مقبولًا؟"، وأضاف: "ليس هناك طريقة، كيف نصل إلى الحقيقية لما يجري هنا؟". وبيّن كيسي أن كبار المسؤولين غالبًا ما يرفضون مصداقية المصادر الفلسطينية، وروايات شهود العيان، والمنظمات غير الحكومية، والروايات الرسمية من السلطة الفلسطينية، وحتى من الأمم المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على العملية أن ربع التقارير على الأقل تم رفضها في المرحلة الأولى من ثلاث مراحل تحقيقية، إما لأنها تعتبر غير موثوقة أو لأنه لم يكن هناك ما يشير إلى استخدام الأسلحة الأميركية. وقد انتقلت الأغلبية إلى مرحلة "التحقق"، حيث قال أحد المسؤولين السابقين: "نسأل حكومة إسرائيل عن الحالات بأسئلة من قبيل: "هل تم تحذير المدنيين قبل القصف؟، لماذا ضربتم هذه المدرسة أو هذا الطريق الآمن أو هذه المنطقة الآمنة؟".
مديرة مكتب واشنطن في هيومن رايتس ووتش: "إن الولايات المتحدة هي أكبر مانح لإسرائيل بهذه الأسلحة، وقد مر عام على ذلك، فمتى ستتخذ موقفًا حاسمًا؟".
وقال السيناتور، كريس فان هولين، إنه يشعر بالإحباط الشديد بسبب ما أسماه الافتقار إلى المتابعة، وأضاف: "لا يوجد جدول زمني محدد للحصول على ردود على العديد من الاستفسارات المخصصة التي تم إجراؤها".
وتعد إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات العسكرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد قدمت لها إدارة بايدن ما لا يقل عن 17.9 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية في العام الماضي وحده، وفقًا لدراسة حديثة أجراها معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون.
لكن على الرغم من تزايد القلق بين مسؤولي الإدارة والمشرعين بشأن سلوك إسرائيل في حرب غزة، إلا أن كل المساعدات العسكرية تقريبًا، باستثناء شحنة متأخرة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، استمرت في التدفق دون انقطاع. ويقول المحللون إن وتيرة وحجم الأسلحة يعني أن الذخائر الأميركية تشكل جزءًا كبيرًا من ترسانة إسرائيل، مع وجود أسطول من الطائرات الحربية المصنوعة في أميركا لتوصيل أثقل القنابل إلى أهدافها.
وقال أحد مؤلفي تقرير معهد واتسون وخبير في صناعة الأسلحة والميزانية العسكرية الأميركية في معهد كوينسي، ويليام د. هارتونج، إنه "من المستحيل تقريبا" ألا تنتهك إسرائيل القانون الأميركي "نظرًا لمستوى المذبحة الجارية، وغلبة الأسلحة الأميركية".
وكانت مديرة مكتب واشنطن في "هيومن رايتس ووتش"، سارة ياجر، قد بيّنت أن "الولايات المتحدة هي أكبر مانح لإسرائيل بهذه الأسلحة، وقد مر عام على ذلك، فمتى ستتخذ الولايات المتحدة موقفًا حاسمًا؟".