لم ينته الحديث في تونس عن علاقة الدين بالدولة مع إصدار الدستور قبل سنتين، بل تواصل وأخذ منحى جديدًا في الأيام الأخيرة على ضوء الجدل حول تحفيظ القرآن في المدارس الحكومية خلال العطلة الصيفية. حيث أعلنت وزارة الشؤون الدينية توقيعها اتفاقًا مع وزارة التربية والتعليم لاستغلال المدارس والمعاهد لتعليم القرآن الكريم للتلاميذ أثناء العطل، إضافة إلى أنشطة أخرى كالمسرح وتعليم الموسيقى.
لم ينته الحديث في تونس عن علاقة الدين بالدولة مع إصدار الدستور قبل سنتين، بل تجدد مع قرار تحفيظ القرآن في المدارس الحكومية خلال العطل
اقرأ/ي أيضًا: الحداثة والقرآن.. تمرحل النصّ
ويعارض فريق هذا الاتفاق خشية تدريس الأطفال الأفكار المتطرفة، مشدّدًا على ضرورة حياد المرفق العمومي، فيما يؤيده فريق آخر بالتأكيد على ضرورة الاهتمام بالتربية الدينية للناشئة خاصة بتحفيظ القرآن الكريم. ولقيت هذه المبادرة دعمًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي تزايد مع تصاعد الجدل حولها.
وفي هذا الجانب، رفضت نائلة السليني، وهي جامعية في الحضارة الإسلامية، الاتفاق الوزاري حيث قالت لوسائل إعلام محلية، "هل سنُدرّس أبناءنا آية (فاقتلوهم حيث ثقفتموهم) على سبيل المثال؟ وهل سيتمّ تدريسهم بعض الآيات الأخرى مثل (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله؟)". كما تساءلت إن كان سيتمّ الاكتفاء بتحفيظ القرآن أم تدريسه، خاصة في ظلّ اختلاف التفسيرات وتعدّد القراءات في هذا الباب.
وفي ردّ حول هذه المخاوف، قال وزير التربية ناجي جلول "أنا شخصيًا أنتمي لحزب علماني وحداثي وحفظت القرآن في السابق ومع تحفيظه". وأكد أن تحفيظ القرآن سيساهم في تحسين جودة اللغة العربية لدى الناشئة. وشدّد أن المدارس لن تكون مفتوحة في العطل لتحفيظ القرآن فقط، بل كذلك لتدريس الموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون. كما أضاف أن تحفيظ القرآن سيشرف عليه أساتذة التربية الإسلامية، نافيًا فتح أبواب المعاهد أمام المنظمات المشبوهة. وفي إطار تنفيذ هذا المشروع، عقدت وزارة الشؤون الدينية اتفاقًا مع رابطة الجمعيّات القرآنيّة.
اقرأ/ي أيضًا: الناجي جلول.. بطل من ورق
ويأتي هذا الاتفاق الوزاري في إطار مشروع مزدوج، حيث أعدت وزارة الشؤون الدينية مشروعًا لتحفيظ مائة ألف تونسي للقرآن الكريم في ثلاث سنوات من جهة، كما أعدت وزارة التربية والتعليم مشروعًا لبقاء المدارس مفتوحة في العطلة الصيفية لاحتضان الأنشطة الثقافية والرياضية ومن بينهما تحفيظ القرآن الكريم، من جهة أخرى.
وقد رحّب فاعلون سياسيون بما في ذلك من المعارضة بهذه المبادرة. حيث أشاد عدنان منصر، مدير ديوان الرئيس السابق المنصف المرزوقي، بالمبادرة ودوّن في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "أعتبر تدريس القرآن وتحفيظه مكملاً أساسيًا للفصل الأول من الدستور، وأرى أن تونس حظيت أخيرًا بوزير حقيقي للشؤون الدينية". وأضاف "الإرهاب يتسلل من سوء فهم الناس للدين وعدم فقههم لكتاب الله، مثلما يتسرب الحمق لبعض الأذهان المريضة التي ترفض أن تعالج".
تعتبر تونس من أكبر مصدّري "الجهاديين" إلى سوريا. ويرجع مراقبون ذلك إلى حالة التصحّر الدّيني التي عاشتها البلاد في العقود الأخيرة
والجدير بالإشارة أن تونس هي من أكبر مصدّري "الجهاديين" إلى سوريا. ويرجع مراقبون ذلك إلى حالة التصحّر الدّيني التي عاشتها البلاد في العقود الأخيرة عبر تهميش التثقيف الديني ومحاربة مظاهر التديّن، وهو ما جعل الشباب التونسي فريسة سهلة أمام استقطاب الخطاب المتطرّف والمنظمات الإرهابية. ولذلك، يؤكد خبراء في مجال مكافحة الإرهاب ضرورة بناء أرضية دينية صلبة لمواجهة الأفكار المتشددة والتصدّي لها.
وللإشارة وبخصوص مسألة علاقة الدين بالدولة، فقد توصّل الإسلاميون والعلمانيون إلى صيغة توافقية في الدستور تضمّنها الفصل السادس منه. حيث ينصّ هذا الفصل على أن "الدّولة راعية للدّين، كافلة لحريّة المعتقد والضّمير وممارسة الشّعائر الدّينيّة، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التّوظيف الحزبي. وتلتزم الدّولة بنشر قيم الاعتدال والتّسامح وبحماية المقدّسات ومنع النّيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التّكفير والتّحريض على الكراهية والعنف وبالتّصدّي لها". كما حافظ دستور 2014، في هذا الإطار، على الفصل الأول من دستور 1959 الذي ينصّ على أن تونس دولة "الإسلام دينها".
اقرأ/ي أيضًا: